منهاج النبوة الصافي.. وفاءٌ بالعهود والمواثيق

العالم الإسلامي
طبوغرافي

يوشك أن يأتى زمان يغربل الناس فيه غربلة

ما زلنا معكم فى سلسلة النبوءات، نستكمل هذه السلسة النبوية، التى نعزز فيها إيماننا بالنبى صلى الله عليه وسلم، من خلال معجزاته التى أخبر بها وحدثت بعده كما أخبر صلى الله عليه وسلم. هذه الحلقة أكتبها لكم بعنوان: “كيف أنتم إذا…؟”، وهذه الجملة ليست من إنشائي، إنما هى جملة من كلامه صلى الله عليه وسلم فى الحديث: “كيف أنتم إذا…؟” [متفق عليه]، وفيه روايات أخرى: “كيف بكم إذا…؟”

وإليك أخى الحبيب بعض هذه النبوءات التى أخبر عنها النبى صلى الله وسلم ووقعت كما أخبر، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كيف بكم وبزمان» أو: «يوشك أن يأتى زمان يغربل الناس فيه غربلة، تبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم، وأماناتهم، واختلفوا، فكانوا هكذا» وشبك بين أصابعه [أخرجه أبو داود: 4342]. فالفتن تشتد على أمة الإسلام، يغربل الناس غربلة، ويُنقى الناس، فالفتن تمحصهم، والثبات يختبر ما فى قلوبهم، قد مرجت عهودهم، أي: تكون عهودهم كالأمواج، يحدثك الرجل بالكلمة ليلًا، وفى الصباح كأنه ما قال شيئًا، فينكس العهود، وهذا من علامات قرب الساعة.

وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، ويكثر الكذب، وتتقارب الأسواق، ويتقارب الزمان، ويكثر الهرج” قيل: وما الهرج؟ قال: “القتل” . وهذا حادث؛ فإنك ترى فى الشارع الواحد عشرات المحلات، وترى فى اليوم الواحد عشرات الأسواق، وهذا مما ذكره سيدنا صلوات ربى وسلامه عليه عن أمور المستقبل وقد حدث ونشاهد هذا صباح مساء.

وعن أبى هريرة أيضًا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “يأتى عليكم زمان يُخيَّر فيه الرجل بين العجز والفجور، فمَن أدرك ذلك الزمان، فليختر العجز على الفجور” . هذا كلام صعب، فالفتن تُعرض على المسلم، فإذا لم يكن فاجرًا، سيكون عاجزًا، فما هو العلاج يا حبيب الله؟ قال النبى صلى الله عليه وسلم: “فمن أدرك ذلك الزمان فليختر العجز على الفجور”. وهذا من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم.

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون فى آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الطير، لا يريحون رائحة الجنة» . أي: يصبغون شعرهم باللون الأسود، وهذا منهى عنه شرعًا، ورغم ذلك فهو منتشر هذه الأيام، لكن من فعل هذا فإنه لا يرد رائحة الجنة، فكيف بكم إذا رأيتم هذا، وقد رأيتموه؟! ماذا أنت فاعل؟ الإجابة: لا بد أن تخالف هذا، وتتبع هدى النبى صلى الله عليه وسلم.

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن طالت بك مدة، أوشكت أن ترى قومًا يغدون فى سخط الله، ويروحون فى لعنته، فى أيديهم مثل أذناب البقر» . أوهذا كائن يا رسول الله؟! نعم، كثير من هؤلاء الناس، حياتهم عليها غضب الملك، يستيقظون على فتنة، ويعيشون فى فتن، ولا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا، يغدون فى سخط الله، أي: عندما يخرج من بيته يُغضِب الله عز وجل، ويَفعل ما تشتهى الأنفس، ويَفعل جميع المعاصي، ويعود فى سخط الله أيضًا، كلمة “الخير” محذوفة من حياته تمامًا، وليست موجودة فى قاموسه الحياتي.

كيف بكم إذا رأيتم هؤلاء الناس الذين يغدون فى سخط الله ويروحون فى سخط الله، ويعذبون الناس، ويضربون الناس؟

وعن أبى ذر رضى الله عنه قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، - أو قال:- يميتون الصلاة عن وقتها؟» قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: «صلِّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم، فصل، فإنها لك نافلة» [أخرجه مسلم، 648]. فالنبى صلوات ربى وسلامه عليه يقول: كيف بكم يا أمتى إذا تخلف أمراؤكم عن الصلاة، فالمفروض أن القادة يكونون قدوة حسنة للناس، لكن ماذا أنتم فاعلون إذا تأخر أمراؤكم عن الصلاة، وأقاموها فى غير وقتها؟!

سيدنا رسول الله صلوات ربى وسلامه عليه ينبئنا أن الدين فى آخر الزمان سيستخف به الناس، وتكون الصلاة أمرًا عارضًا ليس مهمًّا فى حياة العامة والخاصة، فماذا أنتم فاعلون؟ صلوا الصلاة فى وقتها، وإذا صليتم مع الأمراء فاجعلوها نافلة… أي: كأنها مما فاتك من الصلاة مثلًا، لكن صلوا مع الأمراء لا حرج.

لا يزال النبى صلوات ربى وسلامه عليه يحدثنا عن مجريات الأمور فى آخر الزمان، فعن معاذ رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “يكون فى آخر الزمان أقوام إخوان العلانية أعداء السريرة”. فقيل: يا رسول الله، وكيف يكون ذلك؟ قال: “ذلك برغبة بعضهم من بعض، ورهبة بعضهم من بعض” . فكيف بكم إذا رأيتم إخوان العلانية أعداء السر، فى ظاهرهم يحب بعضهم بعضًا، ويثنى بعضهم على بعض، ويقابل بعضهم بعضًا بالأحضان والقُبلات، ولكن إذا خلا بعضهم من الآخر، وابتعد عنه فإنه يذمه، ويشتمه، ويقبحه!