بدأ حياته مملوكًا ثم صار أعلم التابعين بالقرآن .. أوصى بلزوم القرآن وتعاهده، ونهى عن الأهواء والبدع
هو رفيع بن مهران، الإمام المقرئ الحافظ المفسر، أبو العالية الرياحي البصري، أحد الأعلام وأحد الصالحين، كان مولى لامرأة من بني رياح بن يربوع، ثم من بني تميم، أسلم في خلافة أبي بكر الصديق.
قال أبو خلدة خالد بن دينار: سألت أبا العالية الرياحي: ((أدركت النبي صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: لا، جئت بعده بسنتين، أو ثلاث)).يقول أبو العالية عن نفسه وهو عبد مملوك: ((وكان منَّا من يؤدي الضرائب لمالكيه، ومنَّا من يقوم على خدمتهم، وكنت واحداً من هؤلاء، فكنا نختم القرآن كل ليلة مرة، فشق ذلك علينا، فجعلنا نختمهُ مرة كل ليلتين، فشق ذلك علينا، فجلعنا نختمه كل ثلاث، فشق علينا لما كنَّا نعانيه من جهدٍ في النهار وسهرٍ في الليل، فلقينا بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وشكونا لهم ما نكابده من السهر وقراءة كتاب الله، مع قيامنا بخدمة موالينا، فقالوا لنا: اختموه كل جمعة مرة، فأخذنا بما أرشدونا إليه، فجعلنا نقرأ القرآن طرفاً من الليل، وننام طرفاً، فلم يشق ذلك علينا)).
آل أمر أبي العالية إلى امرأة من بني تميم، وكانت سيدة فاضلة مؤمنة، فكانت لا تشقُ عليه في الخدمة، حيث كان يخدمها بعض النهار، ويرتاح في بعضه الآخر، فتعلم -مع حفظ القرآن- القراءة والكتابة، وطلب العلم، وعلى رأسه بعد القرآن- حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما ذهب في أحد أيام الجمع لصلاة الجمعة، خرجت معه وقالت أمام الناس: ((اشهدوا يا معشر المسلمين، أني أعتقت غلامي هذا رغبة في ثواب الله، وطمعاً بعفوه، وليس لأحد عليه من سبيل إلا سبيل المعروف))، ثم نظرت إليه وقالت: ((اللهم إني أدخرهُ عندك ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون)).
ولقد رفعه الله بالقرآن، وبالعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد دخل مرةً على ابن عباس رضي الله عنهما، وهو أمير البصرة لعلي رضي الله عنه فرحب به ورفع منزلتهُ، وأجلسه على سريره عن يمينه، وكان في المجلس طائفة من سادة قريش، فتغامزوا به وتهامسوا بينهم، وقال بعضهم لبعض: ((أرأيتم كيف رفع ابن عباس هذا العبد على سريره؟)) فأدرك ابن عباس ما يتغامزون به، فالتفت إليهم وقال: ((إنَّ العلم يزيدُ الشريف شرفاً، ويرفع قدر أهله بين الناس، ويجلس المماليك على الأسرة))، وقد رفع الله أبا العالية بالقرآن حتى قال أبو بكر بن أبي داود: ((ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية وسعيد بن جبير)).
كان مهتمًّا بالصلاة وإقامتها؛ لأنها عمود الإسلام، فكان يزن الناس بها، فقد روى عنه أن قال: ((كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لأسمع منه، فأتفقد صلاته، فإن وجدتهُ يحسنها أقمت عليه، وسمعت الحديث منه والعلم، وإن أجدهُ يضيعها، رحلت ولم أسمع منه))، وقلت: ((هو لما سواها أضيع)).
ولقد أوصى بلزوم القرآن وتعاهده، ونهى في مقابل ذلك عن الأهواء والبدع، روي عنه أنه قال: ((تعلموا القرآن، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وإيَّاكم وهذه الأهواء، فإنَّها توقع العداوة والبغضاء بينكم، ولا تحيدوا عن الأمر الذي كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم))، ولما نقل هذا للحسن البصري، قال: ((لقد نصحكم أبو العالية والله وصدقكم)).
قال أبو العالية: كنـّا نرى من أعظم الذنب أن يتعلّم الرجل القرآن ثمّ ينام حتّى ينساه، لا يقرأ منه شيئًا.
بدأ حياته مملوكًا ثم صار أعلم التابعين بالقرآن .. أوصى بلزوم القرآن وتعاهده،
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة