حسن الظن بالناس يحتاج إلى مجاهدة النفس، ويحتاج إلى مجاهدة الشيطان

العالم الإسلامي
طبوغرافي

ألست في حاجة معي إلى أن يصفو قلبك من الكدر، ولا تحمل كرهًا ولا حقدًا ولا ظنا سيئًا لأحد في قلبك، كم يحتاج المسلم إلى حسن ظنه بالناس حتى يصفو قلبه، ويتجه لرب الناس سليمًا نقيًا فيمتلئ من أنهار الإيمان التي تنير روحه وقلبه .

إن سلامة الصدر غاية لا يدركها إلا من كتب الله له السعادة في الدنيا والآخرة ، ولن تدرك سلامة الصدر حتى تغسله بحسن الظن بالناس ، ولقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم حسن الظن بالناس، لقد طلب أعرابي يوماً من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فأعطاه، ثم قال له: ( أأحسنت إليك؟ فقال الأعرابي: لا ، لا أحسنت ولا أجملت، فغضب المسلمون، وقاموا إليه، فأشار إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن كفوا، ثم دخل منزله وأرسل إلى الأعرابي وزاده شيئاً ثم قال: أأحسنت إليك؟ قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: إنك قلت وفي نفس أصحابي شيء من ذلك، فإذا أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك، قال: نعم ، فلما كان الغداة جاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا الأعرابي قال ما قال، فزدناه فزعم أنه رضي، أكذلك يا أعرابي؟ فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا، فتهلل وجه الرسول صلى الله عليه وسلم بشرًا، وقال: إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة شردت عليه، فتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورًا، فناداهم صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي، فإني أرفق وأعلم، فتوجه لها صاحب الناقة بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها هونًا هونًا حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال، فقتلتموه دخل النار) رواه ابن حبان .

لقد سار الصحابه ومن بعدهم من الصالحين على هذا المنهاج النبوي في حسن الظن بالناس، ففازوا في الدنيا والآخرة يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( أتظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً).

إن حسن الظن بالناس يحتاج إلى مجاهدة النفس، ويحتاج إلى مجاهدة الشيطان الذي يريد أن يوقع العداوة بين المؤمنين، ويشغلهم بها في دنياهم حتى يضيع عليهم آخرتهم.

قال بكر بن عبد الله المزني: ((إيَّاك من الكلام ما إن أصبتَ فيه لَم تُؤجَر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظنِّ بأخيك)).

وكان معروف الكرخي قاعدًا يوم على دجلة ببغداد فمر به صبيان في زورق يضربون بالملاهي ويشربون، فقال له أصحابه: أما ترى هؤلاء يعصون الله تعالى على هذا الماء؟ ادع عليهم فرفع يديه إلى السماء، وقال: إلهي وسيدي كما فرحتهم في الدنيا، أسألك أن تفرحهم في الآخرة، فقال له صاحبه:أنما سألناك أن تدعو عليهم ولم نقل ادع لهم فقال:إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضركم هذا) طبقات الأولياء 1/47.

قال سفيان بن حسين: (ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي، وقال: أغزوتَ الرومَ؟ قلت: لا، قال: فالسِّند والهند والترك؟ قلت: لا، قال: أفَتسلَم منك الروم والسِّند والهند والترك، ولم يسلَمْ منك أخوك المسلم؟! قال: فلَم أعُد بعدها ). البداية والنهاية لابن كثير (13/121).

نسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا حسن الظن بالله وبالناس حتى نلقاه بقلب سليم.