أوجب الإسلام على الأطراف المشاركة فى الحوار توخى الصدق والتثبت من صحة ما يقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } [التوبة: ١١٩]، {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء: ٨٠].
وهى مسئولية مشتركة بين المتحدث من جانب والمتلقى من جانب آخر. أما مسئولية المتحدث فهي: أن يتحرى الصدق فيما يقول، وألا يتحدث بما لا يملك دليلًا على صدقه، وأن يستقى معلوماته من مصادر موثوق فيها ، فحينما حاور الله ملائكته اشترط عليهم تحرى الصدق، وذلك فى قوله: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ٣١] سواء أكان صدق الإصابة أم صدق العلم، فمتى أمكن حمل الخبر على الصدق لا يعدل عنه، ولذلك قال سليمان للهدهد: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} النمل: 27] ومن العجيب فى الآية أنه بعد أن قدم الصدق لم يواجهه بالكذب، بل أدمجه فى جملة الكذابين أدبًا فى الخطاب. وهذا أبلغ؛ لأنه إذا كان الهدهد معروفا بالكذب كان متهما بالكذب فيما أخبر به فلم يوثق به.
وأما مسئولية المتلقى فهى ألا يأخذ كل ما يقال له مأخذ التسليم وإنما يقومه فى ضوء مجموعة من المعايير منها شخصية المتحدث وأخلاقه وسيرته بين الناس وعلمه، ومدى توافق الأفكار المطروحة مع الحقائق والآراء الثابتة والموثوق بها، ومدى قوة الحجج والبراهين .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: ٦] والتبين فى الآية: هو طلب البيان والتعرف، وقريب منه التثبت كما فى قراءة ابن مسعود وحمزة والكسائى (فتثبتوا).
أما إخفاء الحقيقة أو التستر على جزء منها فيهدف إلى التعمية على الطرف الآخر يقول الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: ٧١]. فهذه الآية تؤكد أن الساعى فى إخفاء الحق لا سبيل له إلى ذلك إلا من أحد وجهين: إما بإلقاء شبهة تدل على الباطل وإما بإخفاء الدليل الذى يدل على الحق وهذا معنى قوله
فقد يعمد بعض المتحاورين إلى عدم ذكر جميع عناصر الموضوع وحيثياته حتى لا ترى الفكرة بوضوح، ولا تدرك عناصرها الداخلية بدقة. إن هذا الأسلوب له علاقة كبيرة بالنزاهة العلمية والمبدئية الفكرية.فمن لا يملك النزاهة وليس لديه مبدئية فكرية، لا يمكن إقامة حوار علمى معه؛ لأنه يفتقد أخلاقيات المهنة التى تتطلب الدقة والأمانة العلمية. كما أن إخفاء الحقيقة أو جزء منها يكون عائقًا من معوقات الحوار وعاملًا من عوامل فشله.
الصدق مسئولية مشتركة
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة