قيمة الحياء وأثره الطيب على المجتمع.
وفى بداية اللقاء: أوضح فضيلته أن الحياء هو حالة تعترى الإنسان السويَّ الذى لم تتشوه فطرته حينما يخشى من لوم الآخرين عليه فى فعلٍ، أو فى قولٍ من الأقوال، وهو خُلُقٌ يبعث على فعل الحسن وترك القبيح، وذلك أن هناك تغيرات نفسية داخلية وخارجية تمنع الإنسان من فعل القبيح أو قوله حين يريد الإقدام عليه، وتدفعه دائمًا إلى فعل الشيء الحسن، وهذا ما يتوافق مع فطرة الإنسان التى جُبِلَ عليها؛ إلا أن الكثيرين الذين يخرجون على هذا الخُلُق أو هذه الطبيعة أو هذه الفطرة،يريدون للناس أن يتخلوا عن حيائهم، وأن يأتوا من الأفعال ما قد تستحيى منه الحيوانات، ومع ذلك لا يجدون حرجا أو بأسًا فى أن يفعلوا مثل هذه الأفعال. وأضاف فضيلته: أن الحياء خُلُق من الأخلاق الحميدة، ومن عظمته أن الله تعالى اتصف به، فالنبى - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: “ إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا لَيسَ فِيهِمَا شَيئًا”، فاتصاف الله تعالى بصفة الحياء، يؤكد رفعة هذا الخلق، وقد اتصف به أيضًا النبى - صلى الله عليه وسلم، فعن أبى سعيد الخدرى – رضى الله عنه – قال: “ كان النبيُّ- صلى الله عليه وسلم – أشدَّ حياءً من العذراء فى خِدْرِها” أي: فى خيمتها أو فى شأنها، والقرآن الكريم وصفه - صلى الله عليه وسلم – بأنه يستحيى فى قوله: «فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ» {الأحزاب: 53}، فالقرآن الكريم يصف النبى - صلى الله عليه وسلم – بأنه يستحيي، حيث تأذَّى النبى - صلى الله عليه وسلم – من بقائهم بعد أن طعموا، ولكنه استحيا أن يطلب منهم أن يقوموا عنه، أو أن يتركوه.
وأكد فضيلته أن الحياء قرين الإيمان، قرن بينهما النبي- صلى الله عليه وسلم – فى قوله: “الحياءُ والإيمانُ قرناءُ جميعاً، فإذا رُفِعَ أحدُهما رُفع الآخر” وهذا ما نراه واقعا فى حياتنا العامة، حيث تجد بضاعة منعدمى الحياء، من الإيمان والتقوى والدين، رقيقة وقليلة وتافهة جدًا، بخلاف مَنْ يستحيي، فإنه يستحى من الله، بل بعض الناس يستحيى من الملائكة التى لا تراها.
وتابع فضيلته: أن الحياءُ فطرة فى الإنسان، فالطفل – مثلًا – وهو فى سن أربع سنوات، لو رُفِعَ له ثوبه استحيا مِنْ أن تنكشف عورته أو تجده يقاوم، وهو فى هذا السن لا يعرف شيئا عن الدين أو الحلال والحرام، وإنما يتعامل بفطرة الحياء التى هى أسبق فيه من الشعور بالدين، فالحياء فطرة سابقة يولد بها الطفل.
وأكد فضيلته أن ترك الحياء هو بوابة الجرائم والفُحش ومن أقوى أسباب تضعضع المجتمعات وتفسُّخها، فالحضارة الغربية مع اعترافنا لها بالتقدم والرقى إلا أنها فى طريقها للضعف؛ لأنهم - للأسف الشديد - تخلوا عن الحياء فى مجتمعاتهم، فالبنت التى تتجاوز فترة السابعة عشرة من عمرها، ولا تعيش الحرية المعروفة عندهم - يُذَهب بها إلى طبيب نفسى لكى يعالجها من الحياء، فانظر إلى الشرور والانتقام من فطرة الله تعالى التى فطر النَّاسِ عليها!، وقد تسبب ترك الحياء وانعدامه فى حدوث جريمة “التحرُّش”، التى حدثت قريبًا وهزَّت المجتمع من أعماقه، فهؤلاء الذين اقترفوا هذه الجرائم وهذه الفواحش، لو كان فى وجوههم ذرَّة مِن حياء، ما استطاعوا أن يُقدِموا على هذه الفِعلة الشنيعة.
وطالب فضيلته القائمين على الإنتاج الفنى الذى يُعرَض الآن على الناس بألَّا يذهبوا بالبقية الباقية من الحياء عند أبنائنا وبناتنا، فيبدو أن هناك فكرة شيطانية خبيثة تهدف إلى تعويد البنات وتعويد الأولاد على عدم الحياء، والأعمال الفنية التى تُشَجِّع النشء الصغير على عدم الحياء، لا تُعَبِّر عنَّا، ولا تُعَبِّر عن مجتمعنا ولا عن مشكلاته، ولا تُعَبِّر عن بيوتنا ولا تُعَبِّر عن بِلادنا، فهؤلاء أناس يعيشون فى أبراج عاجية ويُعَبِّرونَ عن مشاكلهم هُم، أمَّا الشَّعب، فهو غير ما يصورنه، ولذلك هم لا يُعَبِّرونَ عنَّه، ولا عن أحلامه، ولا يَشعرون بآلامه.
قيمة الحياء وأثره الطيب على المجتمع.
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة