نعيش في ظلال أيام مباركة من شهر ذي الحجة، فقد أقسم الله بها في كتابه الكريم في إشارة واضحة على بيان فضلها، كما في قوله تعالى: (وَالْفَجْرِ , وَلَيَالٍ عَشْرٍ)، «سورة الفجر: الآية 1 - 2»، وهي من أحب الأيام إلى الله تبارك وتعالى، فالعمل الصالح فيها أحبّ إلى الله سبحانه وتعالى مما سواها من الأيام، للعشر الأوائل من ذى الحجة مكانة عظيمة عند الله، وهى عشر مباركات كثيرة الحسنات قليلة السيئات عالية الدرجات متنوعة الطاعات، ولها فضائل كبيرة وعظيمة، وعن الحكمة من مضاعفة الأجر فى هذه الأيام.
يقول الدكتور منصور مندور، كبير الأئمة بوزارة الأوقاف، إن الحكمة فى تخصيص عشر ذى الحجة بهذه المزية اجتماع أمهات العبادة فيها الحج والصدقة والصيام والصلاة والذبح والذكر ولا يتأتى ذلك مجتمعاً فى غيرها، ثم أنها من الأشهر الحرم التى حرم الله تبارك وتعالى الظلم فيها: “فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ”. ولحديث: “إِنّ لربّكم فى أَيّام دَهْرِكم نَفَحاتٍ، أَلا فَتَعَرَّضُوا لها”، فعطاء الله تعالى لا ينقطع عن عباده، فبين الحين والآخر تظهر مواسم الخير وتفتح أبواب الرحمات، إنها حقاً تجليات مقربات يصيب بها من يشاء من عباده، وذلك بتطهير القلب وتزكيته عن الخبث والحقد والحسد والأخلاق المذمومة، وعلى العاقل أن يطلب الخير فى مواطنه، فمن داوم الطلب يوشك أن يصادف وقت الفتح فيظفر بالغنى الأكبر ويسعد السعد الأفخر.
وإذا كنت فاتك الحج هذا العام فإن الله تعالى أتاح لك فرصة وفتح لك باباً من أبواب الخير تلج منه إلى رحاب الخير والغفران، وذلك بمضاعفة الأجر والثواب والرحمة والغفران فى هذه الأيام المباركة التى يعدل العمل فيها عمل الجهاد فى سبيل الله تعالى. وعن كيفية حصول من لم يحج على أجر الحج.
يقول الدكتور محمد أبوليلة، أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر: إن المسلم يحصل على ثواب الحج وهو فى مكانه كأن يكون على نية دائمة إذا استطاع الحج فإنه سيحج، كما يكون عنده شوق لرؤية الكعبة وزيارة قبر النبي، صلى الله عليه وسلم، وجميع المشاهد والمناسك، ويعيش بقلبه مع الحجاج، ويتخلق بأخلاق الحج فلا يفسق ولا يلغو ولا يجادل فى موسم الحج، وأن ينوى الأضحية إذا كان قادرًا وإذا نوى أن يضحى فلا يقلم أظافره ولا يحلق شعره حتى يذبح الأضحية وأن يكون على خلق كأنه فى البيت الحرام وبهذا يمكن للإنسان أن يحصل على أجر الحج وهو فى بيته.
يعرض الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك قائمة بأهم الأعمال الصالحة التي ينبغي الحرص عليها في هذه الأيام قائلاً التوبة فهي كرم إلهي ومنحة من الله لعباده، عرّفهم فيها كيفية الرجوع إليه إن بعدوا عنه، وكيفية التخلص من تبعات الذنوب إذا عَصَوْه، كي يفروا إليه تائبين منيبين متطهرين، فما أكرمه من إله، وما أرحمه بخلقه وعباده، يجابه الناس ربهم بالفسوق والعصيان، ويخالفون دينه ويأتون ما نهى عنه، حتى إذا تابوا وأنابوا، قبل الله توبتهم وغفر سيئاتهم وأحبهم ورفع درجاتهم، فليست التوبة قولاً باللسان، وادِّعاء لا دليل عليه، ولكنها هجر الآثام وتطهير النفس من الأدران، واستشعار الألم والندم على ما كان، فإِنَّ مَنْ يُحِسُّ ألم الذنوب ووخز المعاصي لا يقدم عليها.
ويشير إلي أن ثاني أفضل الأعمال أداء الحج والعمرة فأفئدة المؤمنين في جنبات الأرض كلها تهوي حنيناً إلى البيت الحرام، وتذوب شوقاً لرؤيته، حيث تُسكب العبرات، وَتُقال العثرات، وَتُغفر الزلات، وَتُضاعف الحسنات وَتُمحى السيئات، وتفيض البركات، وقد بَيَّن - صلى الله عليه وسلم - فضل الحج والعمرة، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم-: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، (أخرجه البخاري ومسلم)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - أيضاً: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة»، (أخرجه الترمذي والنسائي).
ويوصي بضرورة الحرص علي الصيام، ففضله عظيم، وأجره كبير، وهو مما اصطفاه الله سبحانه وتعالى لنفسه، كما جاء في الحديث الشريف: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر»، (أخرجه أبو داود).).
ويضيف : يستحب الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام العشر والتكبير والتهليل والتحميد، لما ورد في الحديث: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحبّ إلى الله العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير»، (أخرجه الطبراني في الكبير). وكذلك الإكثار من الدعاء فهو ملاذُ كلّ مكروب، وأمل كلّ خائف، وراحة كلّ مضطرب، كما في قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، «سورة الرعد: الآية 28».
أوائل ذي الحجة.. عشر مباركات عالية الدرجات
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة