الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الأسلامى
روت كتب الأدب والسيرة أن الشعبي لقي شريحاً القاضي فقال له: كيف حالك في بيتك يا شريح؟
قال : منذ عشرين سنةً، وأنا زوج لم أجد ما ينغص حياتي أو يُعكر صفائي .قال له الشعبي : وكيف ذاك؟
قال شريح: خطبت امرأة من أسرة صالحة، وفي أول ليلة دخلت فيها عليها وجدت كمالاً وصلاحاً، فصليت ركعتين من صلاتي شكراً لله تعالى على ما أولاني من نعمة الزوجة الصالحة الأمينة ، ولما سلمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي ، وتشكر شكري ولما خلا البيت من الأصحاب والأحباب ، أخذت بيدها ، فقالت على رسلك (أي تمهل) يا أبا أمية ، كما أنت ثم قامت وخطبت تقول :
الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على نبيِّه صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأستغفره من كل ذنب ، أما بعد ، فإنني امرأة غريبة لا أدري ما تحب وما تكره، فبيِّن لي ما تحب حتى آتيه ، وما تكره حتى أجتنبه ، لقد كان لك يا أبا أمية من نساء قومك من هي كف لزواجك وكان لي من رجال قومي من هو كف لزواجي ، ولكن الله تعالى قضى أمراً كان مفعولاً ، فكنتُ لك زوجة ، على كتاب الله ، وسنة رسوله فقد ملكت بشرع الله فاتق الله فيَّ ، وامتثل في زواجنا أمر الله تعالى : ((فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان))، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولك ، ثم قعدت .قال شريح : فألجأتني إلى الخطبة في ذلك الموقف، فقمت وقلت: الحمد لله أحمده ، وأستعينه ، وأصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم وأستغفره من كل ذنب، أما بعد؛ فقد قلت كلاماً إن تثبتي عليه وتصدقي فيه يكن لك ذخراً وأجراً وفضلاً، وإن تدعيه، كان حجةً عليك.
أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما وجدت من حسنة فانشريها، أو من سيئة فاستريها، فقالت لي: كيف فحبتك لزيارة أهلي وأهلك ؟
فقلت : نزورهم غباً (أي وقتاً بعد وقت) مع انقطاع بين الحين والحين ، فإني لا أحب أن يملونا، وفي الحديث الشريف؛ ((زر غباً تزدد حباً ((.ورحم الله القائل :
غب وزر غباً تزدد حباً فمن أكثر الترداد أضناه الملل.فقالت : سمعاً وطاعة, مَن مِنَ الجيران تحب حتى أسمح لنسائهم بالدخول إلى بيتك، ومن تكره حتى أمنع نساءهم من الدخول؟ فقلت لها: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان غير ذلك .
ومضى عام كامل عدت في يوم من الأيام من مجلس القضاء فرأيت في دارنا أم زوجتي فرحبت بها، وسلمت عليها .
فقالت لي: كيف رأيت زوجتك يا أبا أميِّة؟ .
فقلت: هي خير زوجة ولله الحمد .
وكانت قد علمت منها أنها في أهنأ عيش، وأنعمه، من فعال ومقال.فقالت لي: يا أبا أمية، إن المرأة لا تكون أسوأ حالاً منها حين تدلل فوق الحدود، وما أوتي الرجال قط شرًا من المرأة المدللة، فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذِّب ما شئت أن تهذب، ثم التفتت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة، ومضى علينا عشرون عاماً، لم أجد ما يؤلمني منها إلا مرة واحدة كنت أنا الظالم فيها ((.
تلك أسرة أنبتت الأخلاق منذ اليوم الأول فأثمرت الرضا والسعادة والمودة التي استمرت عشرات السنوات .
ولعل أبرز ما نستفيده من هذا النموذج الأسري الذي يؤثر رضا الله سبحانه وتعالى .هو حرص الزوجين على مراعاة طاعة الله والسعي إلى رضاه وهذا الفهم والفقه والإنصات بين الزوجين .
أن الصفاء بذرة تزرع في أرض خصبة، تُسقى بماء المشاعر الفياضة ولا بد لها من زمن حتى تستقر شجرة كبيرة فارهة الطول عظيمة الأغصان، تتجاوز كل المحن والصعوبات.إننا في حاجة إلى أن نقتبس من حال الرسول الكريم مع زوجاته، في مختلف الأحوال، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يرفع من شأن زوجاته ويقدرهن، فها هو صلوات ربي وسلامه عليه بعد رجوعه من إحدى الغزوات، يطلب من القافلة أن تسبقه، ويقوم بمسابقة السيدة عائشة وليست لمرة واحدة بل مرتين .
وفي موقف آخر تحكي السيدة عائشة رضي الله عنها ((دخل مجموعة من أهل الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يا حميراء، أتحبين أن تنظري إليهم؟)) فقلت: نعم، فقام بالباب، وجئته فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خده، قالت: ومن قولهم يومئذ : أبا القاسم طيبا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حسبك) فقلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي، ثم قال: حسبك ((فقلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت : ومالي حب النظر إليهم ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني منه)) [رواه النسائي وأصله في الصحيحين].
هل تصورت كيف كانت تقف خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليسترها وقد وضعت ذقنها على عاتقه صلى الله عليه وسلم وأسندت وجهها إلى خده صلى الله عليه وسلم؟.
وكانت تطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن تبقى فترة أطول، تقول وما بي حب النظر إليهم ولكن كان هدفها أن تسمع النساء مكانتها عنده، ومع ذلك صبر النبي صلى الله عليه وسلم على إطالتها محبة لها ومراعاة لمشاعرها .
فعلى الرغم من كل المسئوليات التي يتحملها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أنه لا ينسى حقوق زوجاته عليه ،فيعاملهم بمنتهي الرقة والحب ولم يقلل أبدا منهم، فهو القائل في حديثه الشريف ((النساء شقائق الرجال)).
وإعلاء لمكانة الزوجة ، ومن أجل الرفعة من مكانتها، والحث على إدخال الفرحة إلى قلبها، بين الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته أن اللهو واللعب مع الزوجة مما يثاب عليه الرجل، بل لا يعد من اللهو أصلا: ففي حديث عطاء بن أبي رباح قال: رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاريين يرميان، فمل أحدهما فجلس فقال الآخر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كل شيء ليس من ذكر الله فهو لغو ولهو إلا أربعة خصال مشي بين الغرضين وتأديبه فرسه وملاعبته أهله وتعليم السباحة)).
وقد بلغت رقة النبي صلى الله عليه وسلم الشديدة مع زوجاته أنه كان صلوات ربي وسلامه عليه يخشى عليهن حتى من إسراع الحادي في قيادة الإبل اللائي يركبنها، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) كان في سفر، وكان هناك غلام اسمه أنجشة يحدو بهن (أي: ببعض أمهات المؤمنين وأم سليم) يقال له أنجشة، فاشتد بهن في السياق، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) ((رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير)) (رواه البخاري).
نسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا الصفاء في بيوتنا وأن يدخلنا في ظل طاعته ومحبته.
***
اللهو واللعب مع الزوجة مما يثاب عليه الرجل
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة