إبداع كون الله تعالى لو تفكر الكافر به لخرا ساجدًا لله .. فمن أضغر الكائنات لربها تخضع لبارئها خوفا وحبا
قال تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِى هُوَ أَدْنَى بِالَّذِى هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِى السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِى قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِى إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)} [البقرة:60-70].
{وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِى الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة 60]
نعم الله على بنى إسرائيل:
واذكروا نعمتنا عليكم -وأنتم عطاش فى التِّيْه- حين دعانا موسى -بضراعة- أن نسقى قومه, فقلنا: اضرب بعصاك الحجر, فضرب, فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا, بعدد القبائل, مع إعلام كل قبيلة بالعين الخاصة بها حتى لا يتنازعوا. وقلنا لهم: كلوا واشربوا من رزق الله, ولا تسعوا فى الأرض مفسدين.هذه هى النعمة التاسعة من النعم المفصلة على بنى إسرائيل
والآية تشتمل على ثلاث نعم .1-الرى لبنى إسرائيل من العطش فى أرض التيه حينما اشتدت حاجتهم إلى الماء وقد انسدت كل ابواب الرجاء لكونهم فى صحراء لا زرع فيها ولا ماء فاستجاب رب الأرض والسموات دعاء موسى عليه السلام وفجر لهم الماء.
2-تفجير الماء من مكان لا يظن أحدًا ابدًاأن يخرج منه الماء فالحجارة ليست مظنة خروج الماء.
3-أن الماء انفجر إلى اثنتى عشرة عينا بعدد أسباط بنى إسرائيل ليكون لكل سبط عين تخصه حتى لا يكون هناك نزاعا ولا فتنة فإن الماء إذا اشتدت حاجة الناس إليه وإن كانوا أخوة ربما يتقاتلون للحصول عليه .الاستسقاء سنة وكرامة:
{وإذ استسقى موسى لقومه}أى طلب موسى الماء لقومه والاستسقاء لغة :هو طلب الماء من الغير للنفس أو للغير أما الاستسقاء اصطلاحا ً وشرعًا: فهو طلب سقيا الماء من الله جل وعلا عند حصول الجدب والقحط ويكون بصلاة لها كيفية معلومة أو بدعاء الإمام فى خطبة الجمعة على المنبر .والاستسقاء سنة ثابته فى شرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما هو ثابت فى شرع نبى الله موسى وما أقره شرعا من شرع من سبق من الأنبياء فهو شرع لنا والقول القرآنى صريح فى أن الذى طلب السقيا لبنى إسرائيل هو نبى الله موسى وحده لتظهر كرامته عند الله وحده لقومه.
وكأن موسى عليه السلام لم يصبه العطش لأن موسى فى معية الملك ومن كان فى معية الملك لايحزن ولا يجوع ولا يعرى .
{فقلنا} بضمير العظمة والجلال {اضرب بعصاك}تلك العصى التى أمر الله موسى أن يلقيها عندما جمع فرعون له السحرة .
أقوال اهل العلم فى هذا الحجر:
من أهل العلم من قال إن هذا الحجر حمله موسى عليه السلام معه من جبل الطور بعد مناجاته لربه ومولاه ومن أهل العلم من قال إنه حجر من الجنة هبط مع آدم عليه السلام وتوارثوه حتى وصل إلى شعيب فأهداه إلى موسى .ومنهم من قال إنه الحجر الذى وضع عليه موسىثيابه حينما نزل يغتسل فى يوم من الأيام.
وخلاصة القول إن علم الحجر عند الملك القدير فما سكت عنه القرآن والسنة فلنسكت نحن عنه.{فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا}الانفجار فى لغة العرب هو الانشقاق والتفتح
ومنه الفجر لأنه ينشق من الظلام، ومنه الفاجر الذى ينشق عن المسلمين بفجوره .لماذا اثنتا عشرة عينا؟رحمة من الله ببنى إسرائيل حتى لا يتقاتلوا على الماء فأخرج الله لهم اثنتا عشرة عينا بعدد أسباطهم حتى يكون لكل سبط منهم عين تخصه ولا يشرب من عين الآخر .
{قد علم كل أناس مشربهم} نعمة عظيمة أخرى حتى لا يتقاتلوا ويتشاجروا على الماء {كلوا واشربوا من رزق الله} أى مما أنزل الله لكم من السماء من المن والسلوى .
{ولا تعثوا فى الأرض مفسدين} العيث هو الفساد الشديد يقول لهم الله جل وعلا إذا كان حالكم هو الفساد فلا تتمادوا فيه ولا تطغوا وفى الآية أمر بالإباحة لبنى إسرائيل بالأكل والشرب والأمر بشكر الله على نعمه والنهى عن الفساد.
تلون بنى إسرائيل وكفرانهم النعم:
{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِى هُوَ أَدْنَى بِالَّذِى هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}[البقرة : 61].واذكروا حين أنزلنا عليكم الطعام الحلو, والطير الشهي, فبطِرتم النعمة كعادتكم, وأصابكم الضيق والملل؛ فقلتم: يا موسى لن نصبر على طعام ثابت لا يتغير مع الأيام, فادع لنا ربك يخرج لنا من نبات الأرض طعامًا من البقول والخُضَر, والقثاء والحبوب التى تؤكل, والعدس, والبصل. قال موسى -مستنكرًا عليهم-: أتطلبون هذه الأطعمة التى هى أقل قدرًا, وتتركون هذا الرزق النافع الذى اختاره الله لكم؟ اهبطوا من هذه البادية إلى أى مدينة, تجدوا ما اشتهيتم كثيرًا فى الحقول والأسواق، ولما هبطوا تبيَّن لهم أنهم يُقَدِّمون اختيارهم -فى كل موطن- على اختيار الله, ويُؤْثِرون شهواتهم على ما اختاره الله لهم; لذلك لزمتهم صِفَةُ الذل وفقر النفوس, وانصرفوا ورجعوا بغضب من الله; لإعراضهم عن دين الله, ولأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين ظلمًا وعدوانًا، وذلك بسبب عصيانهم وتجاوزهم حدود ربهم.
فهذا التلون منهم مع موسى دليل على أنهم يريدون إفهامه بأن لا بقاء لهم معه على هذه الحال، وأى حال أحسن من حالتهموهم يأكلون المن والسلوى- العسل والطيور - ويشربون من اثنتى عشرة عينًا، بدون كلفة ولا زحام من صخرة سخرها الله؟
ولذا قال لهم موسى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذِى هُوَ أَدْنَىَ بِالّذِى هُوَ خَيْر}.والبقلهو النبات الرطب مما يأكله الناس والأنعام من سائر البقول - كالخس، والرجلة، والهندباء، وغيرها.
والقثاءيشمل جميع أنواع البطيخ، والطروح، والخيار، وقد يختص باسمه الطروح الملتوية.والفومهو الثوم كما فى قراءة ابن عباس وابن مسعود، وتفسيره به أولى من تفسيره بالحنطة، لأن الحنطة من أطايب الطعام، لا من أدناه.
سوء أدب بنى إسرائيل مع موسى:
قولهم: {ادْعُ لَنَا رَبّك} ولم يقولوا (ادع لنا ربنا) يعبر عن سوء أدبهم مع الله وتعاظمهم على موسى، وكأن الله رب له من دونهم، أو كأنه محسنٌ إليه لا محسِنٌ إليهم، فخطيئتهم هذه مركبة من عدة أمور يسخط الله عليهم بها، لأنه يعلم خبايا نفوسهم.الذلة والمسكنة مصاحبة لهم:
قوله سبحانه وتعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلّةُ وَالْمَسْكَنَة} يعنى فرضت ووضعت عليهم الذلة وألزموها إلزامًا حسيًا بالطبع، وإلزامًا شرعيًا بالحكم.وأما المسكنة فهى الفاقة والحاجة وتشديد المحنة، وليس المراد بها فقر المال وفاقته، وإنما هو فقر العزة.
ثم ذكر الله أسباب شقائهم وبلائهم فقال: {ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّه} لأنهم دلوا بأفعالهم القبيحة من إعناتهم لموسى فى المطالب مع ما يحوطهم الله بالنعم العظيمة .{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة : 62] .
إن المؤمنين من هذه الأمة, الذين صدَّقوا بالله ورسله, وعملوا بشرعه, والذين كانوا قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من الأمم السالفة من اليهود, والنصارى, والصابئين- وهم قوم باقون على فطرتهم, ولا دين مقرر لهم يتبعونه- هؤلاء جميعًا إذا صدَّقوا بالله تصديقًا صحيحًا خالصًا, وبيوم البعث والجزاء, وعملوا عملا مرضيًا عند الله, فثوابهم ثابت لهم عند ربهم، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الآخرة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من أمور الدنيا، وأما بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم خاتمًا للنبيين والمرسلين إلى الناس كافة, فلا يقبل الله من أحد دينًا غير ما جاء به, وهو الإسلام.
ذكر الآيات عباده:
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : 63].واذكروا -يا بنى إسرائيل- حين أَخَذْنا العهد المؤكَّد منكم بالإيمان بالله وإفراده بالعبادة, ورفعنا جبل الطور فوقكم, وقلنا لكم: خذوا الكتاب الذى أعطيناكم بجدٍ واجتهاد واحفظوه، وإلا أطبقنا عليكم الجبل، ولا تنسوا التوراة قولا وعملا كى تتقونى وتخافوا عقابي.
والذكر ملازم لكل خلق الله:
يقول - سبحانه وتعالى - منبِّهًا مَن ألهَتْه دنياه وتجبرُه وتكبرُه عن عبادة مولاه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِى الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18].صور العبوديَّة تتجدَّد فى هذا الكون البديع الجميل، فتغريد العُصفور صباحًا تستأنس به القلوب المؤمِنة، فتشاركه التسبيح، وكأنَّ الأفق يستعدُّ لمهرجان حافل مِن النور والضياء، إبداع يجبُر الكافِر العنيد لو تفكَّر أن يخرَّ ساجِدًا لله، فمن أصغر الكائنات إلى أكبرها تخضَع لخالقها وبارئها؛ خوفًا وحبًّا لله، فكأنما لها قلوبٌ تنبض مع كلِّ شروق جديد.
وهناك صورٌ كثيرة تُظهِر لنا عبوديةَ الكائنات لله، ولا تقتصر هذه العبودية فقط على ذِكْر الله والصلاة، كما جاء فى آية كريمة من سورة النور: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [النور: 41]، ولكن تتعدَّاها إلى حبِّ الأنبياء والمرسَلين - عليهم الصلاة والسلام - والمؤمنين الصالحين، فقدْ جاء فى الحديث النبوى الشريف ما يثبت ذلك.
عن جابر بن سَمُرة، قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّى لأعرفُ حجرًا كان يُسلِّم على قبل أن أبُعث، إنى لأعرِفه الآن))؛ مسلم (4/ 1782) رقم (2277)، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتسليم الحجر عليه قبل النبوَّة.
وعن على - رضى الله عنه - قال: ((كنَّا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بمكة، فخرجْنا فى بعض نواحيها، فما استقبله شجرٌ ولا حجرٌ إلا قال: السلام عليك يا رسولَ الله)) مستدرك الحاكم (2/677) رقم (2438)، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه.
ولا يخفَى عن كثيرٍ منَّا حَنينِ الجِذع إلى النبى - صلوات ربى وسلامه عليه - روى البخارى عَنْ جابر بن عبدِالله - رضى الله عنهما - قال: إنَّ النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقوم يومَ الجُمُعة إلى شجرة أو نخْلة، فقالت امرأة مِن الأنصار أو رجلٌ: يا رسولَ الله، ألا نجعل لك منبرًا، قال: ((إنْ شئتُم))، فجعلوا له منبرًا، فلما كان يومُ الجمعة دفَع إلى المنبر فصاحتِ النخلة صياحَ الصبي، ثم نزلَ النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - فضمَّه إليه تئِنُّ أنينَ الصبى الذى يسكن، قال: كانتْ تبكى على ما كانتْ تسمع من الذِّكر عندها.
وفى آياتٍ كريمات يصِف الله لنا رِقَّة الصخر، عندما يذكُر خشية الله فيتصدَّع ويتشقق، ويهبط مِن خشية الله كما جاء فى الآية: { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِى كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[البقرة: 74]، {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21].
{ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ}[البقرة : 64].
ثم خالفتم وعصيتم مرة أخرى, بعد أَخْذِ الميثاق ورَفْع
اختيار اليهود للدنيا والشهوات سببه غضب الله عليهم وذلهم
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة