دائمًا ما يسأل الملحدون” من خلق الله” ونقول لهم إن كل ذي فكر صحيح سليم من الخلل، يعلم علم اليقين أنه لا يصح أن يقاس الحادث على القديم الأزلي الذي لا أوّل له، فلا يصح أن يشتركا بناءً على ذلك في حكم هو من خصائص أحدهما.
وعلى هذه الطريقة أيضًا من القياس الفاسد من أساسه صُنعت هذه المغالطة الجدلية، أما أزلية الخالق، وعدم احتياج وجوده إلى علة، فبرهان ذلك يمكن إيجازه بما يلي:- إن العدم العام الشامل لكل شيء يمكن تصوره في الفكر، ولا يصح في منطق العقل أن يكون هو الأصل؛ لأنه لو كان هو الأصل لاستحال أن يوجد شيءٌ ما؛ إذا فلا بد أن يكون وجود موجودٍ ما هو الأصل، ومن كان وجوده هو الأصل فإن وجوده لا يحتاج عقلاً لأية علّة، بل وجوده واجب عقلاً، ولا يصح في العقل تصور عدمه، وأي تساؤل عن علةٍ لوجوده لا يكون إلا على أساس اعتبار أن أصله العدم ثم وُجد، وهذا يتناقض مع الإقرار باستحالة أن يكون العدم العام الشامل هو الأصل الكلي.
- ومن كان وجوده واجبًا بالحتمية العقلية باعتبار أنه الأصل، فإنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يتصف بصفات تستلزم أن يكون حادثًا، أما ادعاء أصليّة الوجود للكون بصفاته المتغيرة فهو ادعاء باطل، وذلك بموجب الأدلة التي تثبت أنه حادث وليس أزليًا.
- وهذا الكون يحمل دائمًا وباستمرار صفات حدوثه، تشهد بهذه الحقيقة النظرات العقلية المستندة إلى المشاهدات الحسية، وتشهد بها البحوث العلمية المختلفة في كل مجال من مجالات المعرفة، والقوانين العلمية التي توصل إليها العلماء الماديون.
- وبما أن الكون عالم حادث، له بداية وله نهاية، فلا بد له حتمًا من علة تسبّب له هذا الحدوث، وتخرجه من العدم إلى الوجود؛ وذلك لاستحالة تحول العدم بنفسه إلى الوجود.
- أما ما لا يحمل في ذاته صفات تدل على حدوثه مطلقًا، وتقضي الضرورة العقلية بوجوده، فوجوده هو الأصل؛ لذلك فهو لا يحتاج أصلاً إلى موجد يوجده، وكل تساؤلٍ عن سبب وجوده تساؤل باطلٌ بالحتمية العقلية؛ لأنه أزلي واجب الوجود، ولا يمكن أن يكون غير ذلك عقلاً، وليس حادثاً حتى يتساءل الفكر عن سبب وجوده.
وهنا نقول: لو كانت صفات الكون تقتضي أزليته، لقلنا فيه أيضًا كذلك. لكن صفات الكون المشاهدة المدروسة تثبت حدوثه، ويضاف إلى هذا أن مادة الكون الأولى عاجزة بطبيعتها عن المسيرة الارتقائية التي ترتقي بها ذاتيًا إلى ظاهرة الحياة.
وبهذا تنكشف للبصير المنصف المغالطة الشيطانية التي يوسوس بها الشيطان، وتخطر على أذهان بعض الناس، بمقتضى قصور رؤيتهم عن استيعاب كل جوانب الموضوع وزواياه، فهم بسبب هذا القصور في الرؤية يتساءلون: وما علّة وجود الله؟
إنها مغالطة تريد أن تجعل الأزلي حادثًا، وأن تجعل واجب الوجود عقلاً ممكن الوجود عقلاً وأن الأصل فيه العدم، ليتساءل الفكر عن علة وجوده.وتريد هذه المغالطة أن تطمس الضرورة العقلية التي تقضي بأن الأصل هو وجود موجودٍ أزلي، وهذا الموجود الأزلي لا يصح عقلاً أن يُسأل عن علة لوجوده مطلقا؛ لتنافي هذا السؤال مع منطق العقل، وهذا الموجود الأزلي لا يمكن أن تكون له صفات تستلزم حدوثه، أما الكون فصفاته تستلزم - بالبراهين العقلية والأدلة العلمية المختلفة- حدوثه؛ لذلك كان لا بد من السؤال عن علةٍ لوجوده، ولا تكون هذه العلة إلا من قبل الموجود الأزلي، الذي يقضي منطق العقل بضرورة وجوده، خارجًا عن حدود الزمن ذي البداية والنهاية، وخلاف ذلك مستحيل عقلاً.
إن الخالق غير حادث، وبالتالي من غير المعقول الاستفهام بخصوصه “من خلقه”. فهو أصلا ليس حادثا حتى يحتاج إلى خالق يحدثه؛ ولذلك لا يصح السؤال عن خالق الله من هو؛ لأنه الله الخالق لا المخلوق .
دائمًا ما يسأل الملحدون” من خلق الله”
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة