البيوت الحية والبيوت الميتة

أسرة وطفل
طبوغرافي

البيت المسلم معطر بذكر الله وقراءة القرآن، محصن من الشيطان، وليس شرطًا أن يكون قصرًا أو يمتلئ بالأموال والمأكولات والمشروبات، فليست هذه هي كل أسباب السعادة، ولكن السعادة الحقيقية هي أن يمتلئ البيت المسلم بطاعة الله وذكر الله سبحانه وتعالى

 

ليس شرطًا أن يكون البيت المسلم قصرًا أو يمتلئ بالأموال والمأكولات والمشروبات، فليست هذه هي كل أسباب السعادة، ولكن السعادة الحقيقية هي أن يمتلئ البيت المسلم بطاعة الله وذكر الله سبحانه وتعالى يكفي البيت المسلم المطيع لربه الذاكر لله المصلي على النبي صلى الله عليه وسلم الكفاف والرضا بالمقسوم وشعاره قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من بات آمنا في سربه معافى في بدنه معه قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)) [أخرجه البخاري في الأدب المفرد والترمذي في سننه].

البيت المسلم معطر بذكر الله وقراءة القرآن، محصن من الشيطان، وقد رغَّب - صلى الله عليه وسلم - في قراءة القرآن في البيوت، لا سيما سورة البقرة؛ لأن قراءتها في البيت تطردُ عنه الشياطين - بإذن الله تعالى - قال - صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابرَ، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة)) [رواه مسلم].

وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلَا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ)) [رواه الترمذي].

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دخل الرجل بيتَه، فذَكَر اسم الله - تعالى - حين يدخل وحين يَطعم - قال الشيطان - يعني لأصحابه -: لا مبيتَ لكم ولا عشاء هاهنا، وإن دخل فلم يَذكُر اسم الله عند دخوله، قال: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه، قال: أدركتم المبيت والعشاء)) [رواه مسلم وأحمد].

وقال - صلى الله عليه وسلم: ((إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكَّلتُ على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له: حسبك، قد هديت، وكُفِيت، ووُقِيت، فيتنحى له الشيطان، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجلٍ قد هُدي، وكُفي، ووُقي)) [رواه أبو داود والترمذي].

كما بيَّن - صلى الله عليه وسلم - الفرقَ بين البيت الذي يُذكر الله فيه، والبيتِ الذي لا يُذكر الله فيه، فقال: ((مَثلُ البيت الذي يُذكر الله فيه، والذي لا يذكر الله مَثلُ الحي والميت)) [رواه البخاري ومسلم].

كم من بيوت ميتة؛ بل هي في الحقيقة مأوى للجن والشياطين، بعيدةٌ عن ذكر الله، ما أقبحَ البيوتَ إذا خلتْ من ذكر الله، فاجتالتْها الشياطينُ.

لقد كان علماء الإسلام الذاكرين العباد الزهاد المتصلين بالله دائمًا يذكرون الله، فيطيب عيشهم، قال ابن القيم عن شيخه: ((وعلم الله ما رأيت أحدًا أطيب عيشًا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها، ومع ما كان فيه وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشًا وأشرحهم صدرًا، وأسرهم نفسًا، تلوح نظرة النعيم على وجهه؛ ولذلك قال هو مرة: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة)).

إن ذكر الله سبحانه وتعالى فيه لذة عجيبة؛ ولذلك يقول بعض السلف: إنه لتمر بي أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب.

وقال آخر: مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل له: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله ومعرفته وذكره.

لقد أمر الإسلام بإحياء البيوت بذكر الله – تعالى - قراءةً لكتاب الله، وصلاةً، وعبادةً، وذكرًا؛ ولذلك كان من سنته - صلى الله عليه وسلم - صلاةُ النافلة في بيته؛ فعن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا)) [متفق عليه].

فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا أنه يجب على المسلم أن يجعل في بيته نصيبًا من العبادة، لا سيما الصلاة؛ لتعليم أبنائه وأهله الصلاةَ، وتعويدهم عليها، ونتذكر محرابَ مريمَ، وهو مكان عبادتها، الذي قال الله- تعالى- فيه: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} [آل عمران: 37].

إن بيتًا يُنشَّأ على طاعة الله يكون بيتًا إيمانيًّا، يعظُمُ ثوابُ أهله، ويصفو عيشهم؛
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلًا قام من الليل فصلَّى، فأيقظ امرأته فصلَّتْ، فإن أبتْ نَضَحَ في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلَّت، فأيقظت زوجها، فإن أبى نضحتْ في وجهه الماء))؛ [رواه أحمد وأبو داود].

وقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي مِن الليل، فإذا أوتر قال: ((قُومي - يا عائشةُ - فأوتري))؛ [رواه مسلم].

والبيت المسلم حريصٌ أهلُه على الصلاة جماعة، يخرجون إليها مبكِّرين؛ قال – تعالى-:{وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]، قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ((حافظوا على أبنائكم في الصلاة، وعوِّدهم الخير، فإن الخير عادة)) [رواه البيهقي].

البيت المسلم مؤسس على تقوى من الله ورضوان، ولا يدخله إلا أهلُ التقوى والإيمان قال الله - تعالى - عن نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح: 28]، والمؤمن يختار الصالحين لصحبة أولاده؛ قال - تعالى {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67] ، وقال - صلى الله عليه وسلم: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المِسْك ونافخ الكير؛ فحاملُ المسك: إما أن يُحذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيِّبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة)) [متفق عليه].

قال - صلى الله عليه وسلم –((المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدُكم مَن يخالل)) [رواه الترمذي وأبو داود]. قال سفيان بن عيينة في تفسيره لهذا الحديث: انظروا إلى فرعون معه هامان ، وانظروا إلى سليمان بن عبد الملك، صحِبه رجاءُ بن حيوة - أحد الأعلام الأفاضل - فقوَّمه وسدَّده، فالصحبة السيئة مصدر خطر كبير، فكم من شخص تحطم بسبب الرفقة السيئة.

والبيت المسلم مأمور بحسن الجوار؛ قال – تعالى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: 36] ، وقال - صلى الله عليه وسلم: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيُوَرِّثه))، والإحسان إلى الجار يكون بالسلام عليه، والبشاشة في وجهه، وتعهده بالزيارة، وإسداء الهدية والنصح له، والفرح لفرحه، والتألم لألمه، وكف الأذى عنه؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس منا مِن لم يأمَن جارُه بوائقَه)).

إن بيوتًا ذاكرة لله مطيعة له يدخلها المؤمنون ويبعد عنها الفاسقون تحسن إلى جيرانها وتطيع ربها لهي بيوت أحياها الله وأنزل عليها سكينته ورحمته وشملها بنعيمه الذي لا ينفد نسأل الله العلي العظيم أن يحيي بيوتنا وبيوت المسلمين بطاعة الله وذكره ومحبته.