يطيب لنا أن نقدم لكم اليوم، حكمة عظيمة من آثار الإمام الجنيد، رحمه الله تعالى، يقول الإمام (الذنب سم قاتل، والتوبة دواؤه، والطاعة هى العافية).
وجاء فى هذه الحكمة (الذنب، ويقصد بها الداء، والتوبة ويقصد بها الدواء، والعافية ويقصد بها الطاعة والدوام عليها ).
ولكن أيهما أفضل، من أقام على طاعة، ولم يُغضِب الملك؟. أم من خاض المعاصى واندرج فيها، ثم أكرمه ربى بالتوبة ومَنَّ عليه بها؟.
وقد ذكر الإمام ابن القيم هذه المسألة وعرض إليها فى كتابه “مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد و إياك نستعين”.
ولكن لماذا من اندرج فى الطاعة ولم يخرج منها إلى المعاصي، أفضل ممن أذنب ثم تاب؟.
إن الطاعة كلها ثمرات، وكلها طيبات، وكلها خيرات؛ أما الذنوب فهى سُمٌ قاتل.
إن حال من اندرج وسلك فى الطاعة، وحال من يذنب ويتوب؛ كمن يشرب السم ثم يحاول إخراجه؛ وهنا وجه التفضيل؛ فأيهما أفضل؟
من يتعاطى السم لن يكون كمن حافظ على جسده منه.
فعنْ أبى هُريرةَ، قال “إنَّ اللهَ قال: مَنْ عادَى لى وليًّا فقدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تقرِّبَ إليَّ عَبْدى بِشيءٍ أحبَّ إليَّ مِمَّا افْترضتُ عليْه، وما يزالُ عَبْدى يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحبَّه، فَإذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذى يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذى يبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتى يَبْطِشُ بِهَا، ورِجْلَهُ التى يَمْشى بِهَا، وإنْ سَأَلَنى لأعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتعَاذَنِى لأعيذَنَّهُ، ومَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أنَا فَاعِلُهُ؛ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ المؤْمِنِ، يَكْرَهُ الموْتَ، وأنَا أكْرَهُ مَسَاءتَهُ” [ البخارى ] فمن منا يحب أن يتجرع الذنوب، ومن منا يحب أن يشرب إناء فيه سُمُ المعصية، مهما قلت وصَغُرَت. ولكن هناك صنفٌ من الناس يحب أن يجرب المعاصى، ثم يفكر فى التوبة، ويقول يارب إنى أتوب إليك، وأرجع إليك، وإنى صادق فى توبتى. ولكن أليس من الأولى ألا يُغضِب الملك من البداية؟ إن الإسلام يريد منك أن تكون شابًا نشأ فى طاعة الله، وألا يكون للشيطان وأعوانه عليك سلطان أبدًا.
إن الذنب يترك صاحبه مترنحًا بين الحياة والموت؛ لأن الذنب موتٌ للقلب، فمثلاً من أدمن على أخذ الرشوة وأكل الحرام هذا سُمٌ قاتل، وبمرور الوقت لن يُفَرِّق بين الحلال والحرام.
إن من أدمن المعصية تصبح من لزوميات حياته، وهذه الحالة مثل من تعود على شرب الخمر، ففى المرة الأولى يعتريه الخوف، ولكن بعد أن يشرب ثانيةً وثالثةً يعتاد على الخمر، وتُصْبِح عنده كالماء، وكحالة من درج على أن يفْطر فى رمضان، والأمة كلها صائمة بأطفالها.
إن التوبة هى الترياق من السُم القاتل، وهى المسئولة عن التطهير النفسى والمعنوى، فمن وقع فى الذنب وأخطأ؛ فليبادر إلى التوبة، والرجوع إلى الله تعالى، فإنه يقبل التوبة ويعفو عن الذنب.
ولكن هل يكفى لك أن تتوب فقط ؟.
لا.. فالتوبة يلزمها طاعة، وحتى تتعافى من الذنب لا بد لك أن تطيع الله العزيز، والتى هى العافية للناس.
كثيرٌ من الناس يعتقدون أن العافية يُقْصد بها الصحة، ولكنها ليست هكذا، بل هى المعافاة من الذنوب.
والعافية هى أن يعافيك الله تعالى من الذنوب، وأن يعافيك من المعاصى، و أن يعافيك من الرفقة السيئة، وأن يعافيك من نفسك الأمارة بالسوء، وأن يعافيك من الشياطين. فالعافية أن يعافيك الله تعالى من العصاة، وبعد ذلك ابحث أنت عن آخرين يُحبون الطاعة، وتشبث بهم وهؤلاء هم الرفقة الصالحة، وهؤلاء من تعتاد معهم على حب الطاعة، وحب الصلاة، وحب الذكر.
ولذا كَانَ دعاء دَاوُد عليه السلام ( اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالْعَمَلَ الَّذِى يُبَلِّغُنِى حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أحب إلى من أهلى والماء الْبَارِدِ) وشتان بين من يأتى لك بالعافية ومن يسبب لك الموت، فالمرأة التى التفتت إلى غير زوجها، وأعجبت بغيره أو زنت ثم تابت، ليست كمن حافظت على نفسها الفتنة وشرفها.
الذنوب ليست أمرًا عاديًّا فالذنب سم قاتل، والتوبة دواؤه، والطاعة
هى العافية.
الذنب سم قاتل.. التوبة دواؤه والطاعة هى العافية
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة