أ. أسماء فرغل - باحثة بتطوير المناهج وطرق التدريس
الدين الإسلامي زمرة من القيم والأخلاق، حيث يملأ الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله جوانح الإنسان بالنور، ويشرق قلبه بالخير، وإذا تمسك الإنسان بقيم الإيمان فهو حي الضمير يقظ المشاعر، مرهف الأحاسيس، وإلى هذا أشار الحق سبحانه في محكم كتابه ؛ أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها "
ولقد عالج الإسلام كل صغيرة وكبيرة في حياة الفرد بدءا بما ينظم علاقته بربه، وادراكه لذاته من تزكية النفس وطهارة للبدن، ثم علاقته بمن حوله في الدائرة الضيقة من أسرة ورفاق، وانتهاءا بالكون من حوله وكل ما يحويه من مخلوقات وجمادات، لم يترك تصرفات المرء في الاسلام خبط عشواء دون حاكم أو قيد، إنما حكمت بأيد من حديد، وقيدت فلم تترك على إطلاقها، ولو تساءل واعمل كل منا فكره ماالعلة في ذلك ؟
إن المجتمعات الإنسانية في حاجة دءؤب إلى الأحكام والمعايير الضابطة التي يحتكم إليها المرء في كل تصرفاته وأفعاله، حركاته سكناته، تأملاته وتدبره، حتى أنفاسه لها محك رئيس تحتكم إليه، وهذه المنظومة تحتكم في أولها وآخرها إلى عقيدة الإيمان بالله، والأخوة في الله والأخوة في الإنسانية، فبدون الإيمان بالله لايكون هناك منهج تجتمع عليه الأمة، وبدون الأخوة في الله لاتوجد الأمة التي تجتمع على آصرة العقيدة، وتنسق بين أهدافها ووسائلها وغاياتها، وبدون الأخوة في الإنسانية تغرق السفينة الإنسانية كلها .
ولقد احتلت القيم منذ قديم الازل مكانة لامثيل لها وردت في أمهات الكتب وقد قال الإمام أبوحامد الغزالي "اعلم أن الناس قد تكلموا في حقيقة حسن الخلق، وما تعرضوا لحقيقته، وإنما تعرضوا لثمرته، ثم لم يستوعبوا جميع ثمراته" .
ويعد النظام القيمي لدى الفرد أساسا في توجيه السلوك نحو الاختيار بين البدائل المختلفة، و القيم بذلك تشكل ضمير الفرد، وقوة إرادته ؛ بحيث يصبح له القدرة على الاستبصار بنتائج السلوك.
ومن ثم يترسخ لدى الفرد معايير ذاتية يحتكم إليها ؛ لتقييم أفعاله ولتوجيه سلوكه، في مسارات خلقية تجمع بين القيمة المحركة للسلوك والغاية منها، و ليس هذا فحسب بل إنها توجه الفرد لاختيار أي تصرف أو عمل يقوم به؛ ولذا كان صلاح القيم داخل الفرد يعني صلاح المجتمع بأسره، وفسادها والتهاون بها يعني فساد المجتمع وتأخره، وما لا نستطيع اغفاله هو الدور النشط الذي تلعبه الأسرة والمجتمع في تشكيل الخلق، إلا أن تنمية القيم لاتتم بصورة يرجى لها الدوام والاستقرار؛ إلا إذا كان نموها نابعا من داخل الفرد ذاته ، وتنمو القيم لدى الفرد عن طريق مروره بمؤثرات خارجية ؛ إذ أن سلوك الفرد في موقف ما ليس وليد الصدفة ، إنما هو محصلة المعاني التي تكونت لديه من خلال خبراته السابقة، والتي توجه سلوكه وجهة معينة دون أخرى ، والمؤثرات الخارجية التي يمر بها الفرد وتتابعها تعمل على غرس القيمة لديه، وتنميتها بداخله وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هو النشاط ؛ الذي يكون المتعلم فيه هو محور العملية التعليمية، فالتعلم يحدث لديه نتاجاً للمرور بالخبرة، وهذا هو التعلم باقي الأثر.
القيم موجهات للسلوك أم السلوك موجه للقيم
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة