حصن البيت المسلم من الشيطان

أسرة وطفل
طبوغرافي

منهج نبوي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نحصن بيوتنا، ونطهرها من رجس الشيطان ومن أذاه وإغوائه وكيده، وبدايه اللبنات التي يبنى بها هذا الحصن ذلك الحصن الرباني والنبوي هو :
تطهيره من صوت الشيطان: قال تعالى : {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [ الإسراء : 64 ] وهذه الآية خطاب للشيطان .

قال مجاهد : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، صوت الشيطان : الغناء ، والمزامير ، واللهو .وقال سبحانه وتعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [ لقمان : 6 ].
قال مجاهد : لهو الحديث: الاستماع إلى الغناء ، وإلى مثله من الباطل .
وقال حلف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: والله الذي لا إله إلى هو، ثلاث مرات ، إنه الغناء ، يعني (لهو الحديث).

وهناك آية ثانية وهي قوله تعالى: {وأنتم سامدون}، قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: سامدون في لغة أهل اليمن لغة حمير هو الغناء [رواه ابن جرير والبيهقي بسند صحيح]، يقال: سمد فلان إذا غنى، فالغناء صوت الشيطان، والقرآن كلام الرحمن، فاختر أي الكلامين تريد وتسمع .

والآية الثالثة قوله تعالى: {واجتنبوا قول الزور} قال محمد بن الحنفية : هو الغناء .
والآية الرابعة قوله تعالى: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية} قال بعض العلماء : المكاء : التصفيق، والتصدية : الصفير ، فقد وصف الله أهل الكفر والشرك بتلك الصفات، التي يجب على المسلم مخالفتها واجتنابها .

أما الأمر الثاني فهو الدعاء عند الدخول إلى البيت: وقد جاء حديثان أحدهما صحيح والآخر حسن- فيما يقوله المسلم إذا دخل بيته:
فأما الأول: فما رواه مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ((إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يُذْكَرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. فَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ.((
وأما الثاني: فما رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ((قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا بُنَيَّ، إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ، وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ)). قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

والأمر الثالث من أمور تحصين البيوت المسلمة من كيد الشيطان هو تطهيره من التماثيل والتصاوير: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى عليه وسلم : (( لا تدخل الملائكة بيتآ فيه تماثيل أو تصاوير)) رواه مسلم بشرح النووي.

فلا يجوز تعليق التصاوير ولا الحيوانات المحنطة في المنازل، لعموم الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على تحريم تعليق الصور وإقامة التماثيل في البيوت وغيرها لأن ذلك وسيلة للشرك بالله، ولأن في ذلك مضاهاة لخلق الله وتشبهاً بأعداء الله، ولما في تعليق الحيوانات المحنطة من إضاعة المال والتشبه بأعداء الله وفتح الباب لتعليق التماثيل المصورة.

وقد وقع الشرك في قوم نوح بأسباب تصوير خمسة من الصالحين في زمانهم ونصب صورهم في مجالسهم، كما بين الله سبحانه ذلك في كتابه المبين حيث قال سبحانه: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا} الآية.

أما الأمر الرابعة فهو الإكثار فيه من ذكر الله: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل البيت الذي يُذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت)) رواه مسلم بشرح النووي .

وقال تعالى: ((وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)) [الزخرف: 36].
والذكر في الكتاب والسنة نوعان:
1- امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه؛ لأن من ذكر قلبُه اللهَ تعالى تذكر أمره ففعله، وتذكر نهيه فاجتنبه، أما الساهي والغافل فهو المضيع للأوامر الواقع في المعاصي والرذائل.

2- ذكر أسماء الله وصفاته والثناء عليه سبحانه بها، وذلك بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتلاوة القرآن والمواظبة على الأذكار المؤقتة أو التي لها أسباب كأذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات والنوم إلى آخر ما جاء في الكتاب والسنة.

ولهذا النوع من الذكر الذي هو تسبيح الله وذكر أسمائه وصفاته والثناء عليه وحمده وتمجيده سبحانه وتعالى فوائد وفضائل مبثوثة في الكتاب والسنة، تعود على العبد في الدنيا والآخرة، ومعرفة الإنسان لهذه الفضائل المترتبة على التسبيح والتحميد والتمجيد لا بد وأن ترفعه إلى الإكثار من ذكر الله تعالى بلسانه وقلبه ليكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

ومن أعظم فوائد الذكر أنه يكون حرزًا للإنسان من أذى الشيطان له في دينه ودنياه، وصح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمر الله يحيى بن زكريا أن يأمر بني إسرائيل بخمس كلمات)) منها ذكر الله، ((قال يحيى عليه السلام: وآمركم بذكر الله كثيرًا، ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعًا في أثره، فأتى على حصن حصين فأحرز نفسه فيه)). وإن العبد أحرص ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى، وفي الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا وقصها على أمته، وفي هذه الرؤيا أنه رأى رجلاً قد احتوشته الشياطين، فجاءه ذكر الله عز وجل فطرد الشيطان عنه، وقال ابن عباس: ((الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله تعالى خنس)).

أما الأمر الذي لا بد أن يحرص عليه المسلم لحماية بيته من أذى الشيطان هو الحرص على نظافة البيت:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].

وعن صالح بن أبي حسان قال: سَمِعتُ سعيدَ بن المسيب يقول: ((إن الله طيب يُحِب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجودَ، فنظِّفوا - أراه قال: أفنيتكم - ولا تَشبَّهوا باليهود))، قال: فذكرتُ ذلك لمهاجر بن مسمار، فقال: حدَّثنيه عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مِثلَه، إلا أنه قال ))نظفوا أفنيتكم))؛ رواه الترمذي.

إذا حرصنا على هذه الأمور في بيوتنا من كثرة الذِّكر والصلاة وقراءة القرآن وغيرها في البيوت، أصبحت مدرسة للخير تدخلها الملائكة، وتَبتعِد عنها الشياطين، وإذا خلتِ البيوت من هذه الطاعات صارت قبورًا مُوحِشة وأطلالاً خَرِبة، سكنها موتى القلوب، وإن كانوا إحياء الأجسام، يُخالِطهم الشيطان وتَبتعِد عنهم ملائكة الرحمن، نسأل الله العلي العظيم أن يحصن بيوتنا وبيوت المسلمين من كيد الشيطان.