ساعدوني.. ابنتى تضيع مني!

استشارات
طبوغرافي

الأستاذة/ سمية رمضان

مستشار أسرى

download

فى زحمة الحياة، تصادفنا المشكلات، فهناك من يقابلها بثقة وثبات، وهناك من يرتبك ويغرق فى بحارها؛ لذا خصصنا هذه السطور لنطرح الأفكار ونقدم الحلول التى تساعدنا فى تخطى تلك المشكلات، والعبور مع قرائنا الأعزاء إلى بر الأمان.

أنا والد فتاة تبلغ من العمر 15 سنة، فى الصف الثالث الإعدادى، كانت فى المرحلة الابتدائية متفوقة علميًا ودراسيًا، ومن الأوائل على مستوى المدرسة، كانت تعرف الدروس والواجبات المطلوبة منها دون أى تدخل منا, وكانت مجتهدة لدرجة العبقرية.
أما فى بداية المرحلة الإعدادية، فقد تغير الوضع وأصبحت مهملة وضعف مستواها التعليمى وأصبحت حادة الطباع لا تقبل النصيحة. ونتائج الامتحانات سيئة وأصبح مستواها التعليمى والعلمى متوسطًا، أعطيها دروسًا خصوصية فى جميع المواد الدراسية لدى مدرسين مشهود لهم بالكفاءة، لا تريد أن تبذل أى مجهود فى التفكير أو الاستذكار، وتكتفى دائمًا بالواجبات المدرسية وواجبات الدروس الخصوصية. ابنتى تضيع منى, ولا أدرى ما السبب! وأنا لا أبخل عليهم بأى شىء. حاولت الضغط عليها وأحيانًا يصل الضغط إلى الضرب حزنًا عليها وعلى مستواها وأنا أجد زميلاتها أصبحن أحسن حالاً منها. حاولت هذا العام عدم التدخل مطلقًا فى المذاكرة وتركت لها فرصة الاعتماد على النفس لكن نتيجة هذا العام حصلت على 85% فى الإعدادية وهى نسبة سيئة بالنسبة لزملائها الذين حققوا 98%. أرجوكم ساعدونى فى الطريقة الصحيحة للتعامل مع ابنتى التى كنت فى يوم من الأيام أفتخر بها وبمستواها وقدراتها العقلية والعلمية.

الإجابة: أخى الفاضل/ أشكر لك حرصك على ابنتك واهتمامك بها ومتابعتها، جعلها الله قرة عين لك ولأمها.. آمين. أخي.. لكل مرحلة فى حياة أبنائنا سمات وخصائص تميزها، فليست الروضة كالمرحلة الابتدائية ولا كالمرحلة الإعدادية، وكذلك اختلاف البيئة التى تتعامل معها ابنتك، من مؤسسة تعليمية وزملاء ومدرسين وإدارة مدرسة، ومن المشاهد أن مدرسًا واحدًا فقط قد يؤثر على حياة الطالب كلها، بأن يجعله متفوقًا أو يجعله متأخرًا دراسيًا، وهذا من خلال التجارب العملية والمشكلات المتكررة التى تأتينا لنساهم فى حلها. وفى طرحك لمشكلة ابنتك ذكرت متغيرًا واحدًا وهو بنتك نفسها، ولم تشر إلى باقى المتغيرات المؤثرة، ولم تراعِ أخى الفاضل أمرًا مهمًا ألا وهو التطور العمرى لابنتك وما يتبعه من تطورات جسدية ونفسية، حيث إنها الآن فى طور المراهقة، وما يتبع هذه المرحلة من تطورات فى السمات والسلوكيات، وهذا ما يجب أن يراعيه المربون والآباء والأمهات، وكم أتذكر مقولة الإمام على بن أبى طالب: “لاعب أبناءك سبعًا، وأدبهم سبعًا، وصاحبهم سبعًا”. فالأبناء فى هذه المرحلة تحتاج إلى المصاحبة والصداقة والقرب، ويقال فى المثل الشعبي: “إن كبر ابنك خاويه”، أى كن له أخًا. وهذه المصاحبة طبعًا تحتاج إلى الرفق واللين وحسن الاستماع، وليس الضرب أو العنف؛ فإن لم تجد البنت الحب والدفء والحنان داخل البيت فستبحث عنه خارجه، وهنا تكمن الكارثة.

أخى الفاضل.. لم تذكر دور الأم فى رسالتك، ولم تذكر دورها فى حل المشكلة. الأمر الخطير فعلاً الذى يقع فيه كثير من الآباء والأمهات والمربون هو مقارنة الطفل بأخيه أو بزملائه، فهذا يجعله يفقد الثقة فى نفسه وقدرته، ويبعث له رسائل سلبية أنك سيئ، وزملاؤك أفضل منك، وبالطبع يتحول الطفل بفعل هذه المقارنات والرسائل السلبية إلى طفل مهمل أو متأخر دراسيًا، ولكن عندما نقارن الطفل نقارنه بنفسه، ومدى تطوره للأفضل، ويقاس ذلك بكل جوانب الشخصية السبعة؛ إيمانية وروحية، وصحية، وشخصية، وأسرية واجتماعية، ومادية، ودراسية، وشخصية. ولا نحكم عليه من خلال جانب واحد وهو الدراسي، وإلا نكون قد ظلمناه فى تقييمنا.
هناك أمر مهم أيضًا أخى الفاضل يجب أن تركز عليه، وهو ميول ابنتك وهوايتها ومواهبها، وهل تشبع هذه الميول وتطورها، فقد يكون سبب عدم تفوقها هو عدم الاهتمام بميولها. أخى الفاضل.. اقترب أكثر من ابنتك، واحتويها، وحاول أن تتفهمها وتصاحبها، وأن تسمع لها، وتعرف مشكلاتها الدراسية ولكن بروح يملؤها الحب والتفاهم، والحوار البناء بينك وبينها، وضع معها خطة للمذاكرة تشارك هى فيها، وتابعها بشكل يومي، وقد ذكرت حضرتك فى بداية الرسالة أنها كانت تعتمد على نفسها وكانت متفوقة، وهذا يجعلنى أتساءل: هل كثرة الدروس والواجبات المدرسية كانت عائقًا أمامها فلم تستطع التوفيق بين كل هذه الالتزامات؟ فأبناؤنا بحاجة إلى الراحة والترفيه وحسن تنظيم الوقت، فمن لا يجيد فن الراحة لا يجيد فن العمل.
أخى الفاضل: ذكرت أن ابنتك حصلت على 85% وهذه نتيجة أرى أنها جيدة، فذكرها دائمًا أنها قامت بعمل رائع، وأنها رائعة، وأنك تنتظر منها المزيد من النجاح، وأنك واثق أنها تستطيع أن تحصل على الدرجات النهائية فى كل المواد، فهى استطاعت أن تحصل على 85 % ولم يبقَ سوى 15%، ولا تضع ميكروسكوبًا مكبرًا على 15% فلا ترى ابنتك وقتها سوى فشلها. أخي.. أرجو أن تنظر إلى نصف الكوب الممتلئ، وأن تشجع ابنتك وتدعمها.

ونقطة أخيرة أود أن أتكلم فيها وهى بخصوص “الضرب”.. الضرب يجعل الطفل يحاول جاهدًا أن يرضى الناس لأنهم هم من يلاحظون تصرفاته، فيفتقد الشعور بالإخلاص ومعية الله؛ لأن الضرب يجعله يفكر فى تفادى هذا العقاب، والأفضل التربية على مراقبة الله فى السر والعلن، فلا يخشى الأبناء معاقبة الآباء ولكنهم يخشون الله رب العالمين.. أيضًا الأطفال الذين يتعرضون للضرب تقل ثقتهم بأنفسهم، واحترامهم لها. الطفل الذى يتعرض للضرب قد يصبح شخصية عدوانية أو عنيفة داخل المجتمع، فالطفل كالإسفنجة التى تتشرب السلوك ثم تخرجه للمجتمع، أو على النقيض من ذلك قد يصبح شخصية انطوائية وانعزالية، وفى الحالتين الأمر خطير جدًا, الضرب قد يدخل الطفل بعد فترة فى مرحلة من العناد، فيخالف أوامر الأبوين. وأخيرًا.. أرجو أن تتواصل معنا لتخبرنا بنتيجة التجربة، والتى أثق أنها ستكون رائعة إن شاء الله..
وفقك الله لما يحب ويرضى، ورزق أبناءنا النجاح والتفوق.. آمين