أخاف على أخى من الانحراف!

استشارات
طبوغرافي

الأستاذة/ سمية رمضان

مستشار أسرى

download

فى زحمة الحياة، تصادفنا المشكلات، فهناك من يقابلها بثقة وثبات، وهناك من يرتبك ويغرق فى بحارها؛ لذا خصصنا هذه السطور لنطرح الأفكار ونقدم الحلول التى تساعدنا فى تخطى تلك المشكلات، والعبور مع قرائنا الأعزاء إلى بر الأمان.

نحن أسرة ملتزمة ومحافظة، ولكن لى أخ عمره 17 سنة.. النشأة كانت طيبة حتى إعدادى، يسمع الكلام يصلى فى المسجد وأحيانًا يقرأ القرآن, وبدأ يحب الشارع والبلاى استيشن والكرة، دخل ثانوى وبدأ الانحدار.. غياب فى الشارع لمدة طويلة, يصلى متأخرًا، وهكذا دخل 2 ثانوى وسط توقعات الجميع أنه سيتغير ولكن الأمر أصبح أسوأ, يذاكر يومًا ويبطل خمسة، وأصبح لا يحب المذاكرة ثم أصبح لا يفتح كتابًا حتى وصل الأمر أنه لم يدخل الامتحان لأنه لم يكن جاهزًا لحل الامتحانات، ومع ذلك لم يتوقف أبى وأمى عن النصح له تارة والشدة عليه تارة وتلبية رغباته تارة.

أصيب أخى بحادث وحدث له نزيف فى المخ، والحمد لله رجع إلى الدنيا سليمًا معافى، وللأسف رجع بعدها أسوأ من الأول يقول: “أنا فاشل أنا لن تعلم أنا سأموت” السنة التى بعدها أصبح نشيطًا فى أول السنة ثم بدأ يتراخى تدريجيًا حتى دخل التيرم الأول ورسب فى مادة، وفى التيرم الثانى الذى نحن فيه الآن لا يذاكر نهائيًا ولا يذهب للمدرسة. يقضى اليوم كله فى الشارع ويرجع البيت للغذاء والحمام فقط. وأبى وأمى لا يتوقفان عن الدعاء له بالهداية والرجوع.

أخى الآن همه الوحيد أن يعمل ليحصل على المال ليلبس أحلى لبس ويعيش حياته ويقلد الصحبة السيئة, وحالتنا المادية وسط, ولكى يعجز أبى يقول له: لكى أذاكر أريد محمولاً بكذا ولبس بكذا, همه كله فلوس فلوس لا يفتح كتابًا وأصبح لا يفتح المصحف، ويقول: “ أبى وأمى سبب شقائى” مع العلم أن أبى فوق الستين، وأصبح أخى لا يستجيب لأحد حتى أحب الناس إليه. أرجوكِ دلينى على حلول عملية فعالة للوضع الحالى.

“أختى..أشكر لكِ اهتمامك بأخيكِ، وحرصكِ عليه، وهذا يدل على روح معطاءة محبة لغيرها ولأهلها، وأشكر لكِ أيضا إيجابيتك ومبادرتك فى إرسال المشكلة.. ذكرتِ فى رسالتكِ أن أخاكِ كان سلوكه متميزًا وملتزمًا حتى بداية المرحلة الإعدادية، فبدأ بعض الخلل الطفيف على سلوكه وشخصيته، مثل تأخير الصلوات، واللعب فى الشارع وتضييع الوقت فى لعب البلاى ستيشن، وقضاء وقت كبير فى الشارع، ولهذا كان يجب ألا نهمل هذا التغيير الطارئ على شخصيته وسلوكه دون تقويم، ولا نترك المشكلة تتفاقم وتزيد، فحل المشكلة فى بدايتها أسهل بكثير.. لقد تركتم الأمر يتفاقم، ووجد أخوكِ الشارع بديلا عن البيت، وما أدراكِ ما الشارع!

وفى الشارع لا قيود، ولا تقويم للسلوك، وبدأ الأمر يزداد سوءًا، وأصبح أخوكِ يحاكى أصدقاءه -المختلفين عنكم فى التربية والسلوك- ويأخد عنهم. والصحبة السيئة فى هذه المرحلة أمر خطير، لهذا كان يجب أن نتعرف على أصدقائه، وأن نجنبه أصدقاء السوء، ونختار له صحبة طيبة تأخذ بيديه وتعينه على النهوض من جديد، مثل صحبة المسجد، وأن يوطد علاقته بأشخاص يداومون على ارتياد المسجد، فكما قال النبى صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان”، والفارق كبير بين من يعتاد الكافيهات والسايبر ومن يعتاد بيوت الله.

وهذا التغيُّر الطارئ فى شخصية أخيكِ هو تغير طبيعى فى هذه المرحلة، فهو فى طور المراهقة، وهذه الفترة لها سماتها وطبيعتها، ويجب التعامل معها بذكاء حتى نستطيع أن نتخطى مخاطرها، وأن تكون فرصة للنهوض بالمراهق، وليس الانحدار به.

وفترة المراهقة هى فترة طاقة كبيرة ونشاط كبير، ولهذا يجب على الأهل توجيه تلك الطاقة فى عمل إيجابى مفيد، حتى لا تكون هذه الطاقة طاقة هدامة.

حبيبتي.. إذا فات أحدنا موعد القطار، فسيضطر إلى استخدام أكثر من مواصلة، وقد تكون أكثر مشقة وأكثر تكلفة, وهكذا بعض المشكلات التى نتأخر فى حلها، قد تكلفنا كثيرًا، وقد تأخذ منا بعض الوقت، ولهذا فحل مشكلة أخيكِ قد تكلفكم بعض الشيء، وستحتاج إلى بعض الوقت، وأقترح عليكِ أن يلتحق ببعض دورات التنمية البشرية، مثل تطوير الذات، أو فن إدارة الوقت، أو تنمية المهارات، وهذه الدورات ستجعل أخاكِ يفكر بشكل مختلف، وسيكون أكثر إيجابية، وبالتدريج ستتغير شخصيته وسلوكه، وسينظر إلى حياته وتطويرها بشكل مختلف، وأرجو توصية فريق العمل القائم على هذه الدورات بعمل مقياس للذكاء، وذلك للاطمئنان أن الحادث الذى وقع لأخيكِ لم يؤثر على مستوياته الذهنية.

حاولى أن تصطحبى أخاكِ إلى إحدى دور الأيتام، أو ذوى الاحتياجات الخاصة، وذكريه أنكم فى نعم لا تعد ولا تُحصى، وذكريه أن الله أكرمه بأبوين كريمين ضحَّيا من أجله كثيرًا، وأن اعتيادنا على النعم يجعلنا لا نستشعرها.
اقتربى من أخيكِ وحاولى أن تفتحى معه بابًا للحوار، أخبريه أنكم جميعًا تحبونه وتحرصون عليه، ويجب أن يحرص هو على مستقبله، ويمكن أن تشتركى فى بعض الأنشطة المجتمعية وتشركيه معكِ، حتى يبتعد تدريجيًا عن صحبة السوء، ويوجه طاقته فى عمل إيجابي.

حبيبتي/ تقولين إن والديْك لا يكفَّان عن الدعاء له، والدعاء سلاح المؤمن، ولكن مع الدعاء نحتاج إلى شيء من الحزم فى التعامل مع المشكلة، أقول الحزم، وليس الشدة أو العنف، فتهاوننا فى التعامل مع أبنائنا فى تلك السن له أضرار ومخاطر، ويجب أن يفتح والداك بابًا للحوار مع أخيكِ، ولو احتاج الأمر إلى مستشار نفسي، فلا تترددوا، فقد يكون هذا حلاً، فشعور أخيكِ بالفشل أكثر من مرة، وخوفه من مواجهة مشاكله ومخاوفه قد يحتاج إلى تدخل مستشار يساعده على النهوض من جديد، وتجاوز مخاوفه وهمومه، وبخاصة خوفه المتكرر من الموت، وأن الموت يلاحقه، فقد تكون تلك الأعراض نوعًا من أنواع الفوبيا (الخوف المرضي)، وهذا الخوف بالطبع يبدد طاقته ويجعله لا يتقدم إلى الأمام.

حبيتي، ما زال عمر أخيك 17 سنة، وهو ما زال فى مرحلة التشكيل الوجدانى والسلوكي، ومازال الأمل فى الإصلاح كبيرًا، ويمكن أن نعتبر ما مر من عمره فى فترة انحدار أو تأخر أو معصية أو عدم التفوق، وكأنه كان فى غيبوبة، مثلما وقع له ذلك الحادث، فلا تحزنوا على ما فات، وانظروا إلى ما هو آت بعين ملؤها التفاؤل والأمل, ولكن الأمر سيحتاج كما قلتُ لكِ لوقتٍ وجهدٍ وتكلفة، ولهذا يجب عليكم جميعا التحلى بالصبر والثبات.

حبيبتي.. أشكر لكِ مرة أخرى اهتمامك، وأدعو الله أن يرزق أخاكِ الهداية والرشاد والتوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.