بقلم د/محمد السيد
كاتب ومحاضر فى تطوير الذاتتمضى الحياة وكثيرا منا لا يفكر إلا فى نفسه وما يسعدها.. لكن هل فعلاً فكرت كيف تسعد من حولك ؟
كانت هذه الفتاة الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها الست سنوات بائعة المناديل الورقية، تسير حاملة بضاعتها على ذراعها الصغير وبينما هي تبيع للناس مرت على سيدة تبكي، توقفت أمامها لحظة تتأملها فرفعت السيدة بصرها للفتاة والدموع تغرق وجهها، فما كان من هذه الطفلة، إلا أن أعطت للسيدة مناديل من بضاعتها ومعها ابتسامة من أعماق قلبها المفعم بالبراءة وانصرفت عنها، حتى قبل أن تتمكن السيدة من إعطائها ثمن علبة المناديل.وبعد خطوات استدارت الصغيرة ملوحة للسيدة بيدها الصغيرة ومازالت ابتسامتها الرائعة تتجلى على محياها، عادت السيدة الباكية إلى إطراقها، ثم أخرجت هاتفها الجوال وأرسلت رسالة
((آسفة.. حقك عليَّ)).وصلت هذه الرسالة إلى زوجها الجالس في المطعم مهمومًا حزينًا..! فلما قرأها ابتسم وما كان منه إلا أنه أعطى (الجرسون) خمسين جنيها مع أن حساب فاتورته خمس جنيهات فقط..!
عندها فرح العامل البسيط بهذا الرزق الذي لم يكن ينتظره، فخرج من المطعم وذهب إلى سيدة فقيرة تفترش ناصية الشارع تبيع حلوى، فاشترى منها بجنيه وترك لها عشرين جنيهاً صدقة وانصرف عنها سعيداً مبتسماً..تجمدت نظرات العجوز على الجنيهات فقامت بوجه مشرق وقلب يرقص فرحا، لملمت فرشتها وبضاعتها المتواضعة
وذهبت للجزار تشتري منه قطعا من اللحم ورجعت إلى بيتها لكي تطبخ طعاما شهيا وتنتظر عودة حفيدتها، وكل ما لها من الدنيا.جهزت الطعام وعلى وجهها نفس الابتسامة... التي كانت السبب في أنها ستتناول (اللحم)، لحظات وانفتح الباب ودخل البيت الصغيرة بائعة المناديل متهللة الوجه وابتسامة رائعة تنير وجهها الجميل الطفولي البريء".
هكذا فكر دائما..! إلى من تصل ابتسامتك؟
لكل إنسان منظار وبصمة خاصة، فهناك من يرى الدنيا مشرقة مضيئة فاتحة أبوابها، وهناك من يراها كسفينة عابرة؛ لا يعلم في أي شاطئ سوف ترسو به كل ما عليه محاولة إتمام المسير، وفئة أخرى لم تضئ لهم الحياة شموعها فينظرون لها نظرة كئيبة.. لكن تظل الحياة بحلوها ومرها عجلة تدور وعلينا مسايرتها.. فمن الصعب أن يخفي الإنسان أحزانه، ويكتم همومه وآهاته تتصارع بداخله كما تتصارع الأمواج داخل البحر الممتد..!
فحينما تبطش كفّ الزَّمان.. وتتوشح الدنيا بوشاح القسوة.. تضيق الأرض بما رحبت.. نشعر بالضيق كأن العيش في هذه الدنيا أصبح أضيق من عنق الزجاجة.فالحياة منذ بدايتها حتى نهايتها مزيج من المواقف الإنسانية التي يتفاعل فيها بمشاعره ويعبر عنها بصدق.. كما أن عالمنا مليء بالمتناقضات إلا أن الخير ما زال موجودا داخل النفس الطيبة التي تمنحه بكل الحب للآخرين.. فلا يأس ما زالت هناك أنفس تحمل المشاعل والقناديل لتضيء أمام غيرها الدروب.. أنفس تحرص على مد يد العون والمساعدة دون انتظار كلمة شكر واحدة..
وقد علَّمتني الحياة أن أنفض همومي وأتخلص منها بقدر ما أستطيع، تماما كما ينفض الخريف وريقات الأشجار الصفراء من أغصانها؛ برغم أن لكل منا أحزانه وآلامه وإن اختلفت أشكالها وتنوعت أسبابها، إلا أن علينا ألا نستسلم لها أو نيأس بسببها، بل نتخلص منها قبل أن تقضي على سعادتنا.
وليكن لكل منا صندوق خاص يتخلص فيه من همومه وأحزانه.. كالكاتب الذي ينشر كلماته على الورقة.. أو الرسام الذي جعل فرشاته وسيلة للتنفيس عما في صدره فيخرج من خلالها إلى رحاب أوسع.. أو الشاعر الذي يبث أحزانه وهمومه من خلال أشعاره.
المهم ألا ندع أحزاننا وآلامنا النفسية حبيسة في الأعماق تتشعب آثارها وتكبر مع الوقت.. وتصبح العواقب وخيمة بعد ذلك– ولنعلم أن الإنسان الحزين المهموم الذي يحبس نفسه داخل نفسه إنسان ضعيف الإيمان وضعيف الإرادة.. لكن العاقل هو الذي يحارب الهموم والوساوس ويرميها بعيداً مهما أظلمت الدنيا في وجهه.. ومهما عبست الأيام.. فليس هناك ما يريح النفس أكثر من أن ترسم ابتسامة على شفاه ظلت عابسة طويلاً.
وليس أعظم من أن تبعث النور في عيون طالما نظرت للدنيا بعدسات مظلمة..- وليس أسعد من أن تزرع الأمل في نفس إنسان قد يئس من الحياة.
- وليس أروع من أن تأخذ بيد تائه ظل يتخبط في خطواته وتوصله إلى طريق الحق والصلاح.
هل أسعدت من حولك؟
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة