خلاصة القول.. وداعًا للرغي والفضفضة

تنمية بشرية
طبوغرافي

يسعدني أن أطل عليكم من خلال هذه النافذة، لأستعرض معكم بعض خلاصات الأفكار والعلوم الحديثة والمتجددة بعدما لاحظت إقبالًا منقطع النظير على إنتاج إحدى دور النشر العالمية بعنوان خلاصات (إدارية) لاقت رواجًا أكثر من أي كتب أو موسوعات صدرت على مدى التاريخ، وتهافت العالم على ترجمتها بكل اللغات الحية والميتة، في وقت ملَّت فيه أمة العرب كل ما يتصل بمادة (قرأ).

وتعجب حين تعرف أن عدد الصحف الورقية في العالم هبط إلى300 مليون جريدة يومية فقط، وقد أوشكت على التوقف بسبب ثورة الإنترنت وبعد ظهور أول صحيفة إليكترونية عام 1993 حيث ينشر كل ساعة ما يقرب من 2 تريليون صفحة إليكترونية.

كما مل الناس في أوطاننا مادة (سمع) أو (رأى) رغم أن مستودع الذكريات الحديث (يوتيوب) ينشر في الدقيقة الواحدة أكثر من 50 ساعة يشاهدها 3 مليار وتحتاج أنت إلى 8 سنوات لمشاهدة ما يرفع في اليوم الواحد. فكيف نستوعب هذا الكم الهائل من المعلومات، أو نستفيد منه؟

وخلاصة القول أن كثيرًا من الناس اليوم وسط هذا الركام أصبحوا يميلون مباشرةً إلى معرفة الملخص في أي شأن من شئون الحياة التي أصبحت تتسم بالثورة والسرعة.

ورغم تأكيد أطباء النفس على أن "الفضفضة" من أهم وأحدث العلاجات النفسية إلا أن الناس سرعان ما ينفد صبرهم، ولا يتحملون المحاضرات الطويلة ولا التفاصيل المملة مهما كانت المواضيع مهمة من وجهة نظر أصحابها. وصرنا نسمع من أصدقائنا عند بداية أي حديث يقول لك: "ادخل في الموضوع أو هات الخلاصة أو هات من الآخر !!" ثم لا تجد منه اهتمامًا فلا أذن تسمع، ولا قلب يعي، وعلى الأكثر تجد له رد فعل بارد.

وقد يكون لهم بعض الحق فإن موضوعات (الرغي الفارغ والنصب العلني) صارت أكثر من الهم على القلب، وبعضهم يتدخل فيما لا يعنيه ويفتي بلا علم، حتى أوشك بعضهم أن يدعي أنه بكل شيء عليم والعياذ بالله، فهذا خبير استراتيجي، وذاك أخصائي، وتلك استشارية في تخصص نادر.. إلخ.

وللأسف الشديد كان لهذا النصب والادعاء الكاذب رد فعل عكسي شديد على كثير من العلوم والأمور المهمة التي أعرض عنها الناس وكان يمكن أن تغير وجه مجتمعاتنا، وسلوك أفرادها، وثقافة عقول أبنائنا، منها مثلًا علوم الإدارة وتطوير الذات، وعلم النفس وتعديل السلوك، حيث نتملك أهم منابعها الصافية في إسلامنا العظيم.. ولكن صرنا كما قال الشاعر:

كالعيس في البيداء يقتلها الظما .. والماء فوق ظهورها محمول

وخلاصة القول: كل عام أنتم بخير .. وانتظروني في العدد القادم بإذن الله !!