الإعلامية /زينب طلعت
يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى في سورة الحَج { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
فقولَه تعالى {وافعلوا الخير} أمر يشمل كل خير، وعن ابن عمر أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أُحِبُّ إلى؟ اللهِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُحبُّ النَّاسَ إِلَى اللهِ عِزِّ وَجَلِ أَنْفَعِهِمْ لِلنَّاسِ، وَأُحبُّ الْأَعْمَال إِلَى اللهِ سُرُورِ تُدخِّلهُ عَلَى مُسْلِمِ أو تَكَشِفُ عَنْه كَربةً أَوْ تَقضي عَنْه دَيْنًا أَوْ تَطْردُ عَنْه جُوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد أي مسجد المدينة شهرًا ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غضبه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له ثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام".
ويُحْكَى أَنَّه كَانَ فِي بلدَةٍ رجل اسْمهُ أَبُو نَصْرِ الصَّيَّاد يعيشُ مَعَ زَوْجَتِهِ وَاِبْنهِ فِي فقرِ شَدِيدِ مُدْقِعِ وفي يوم من الأيام وبينما هو يمشى في الطريق مهمومًا مغمومًا حيث زوجته وابنه يبكيان من الجوع، مر على شيخ من علماء المسلمين فقال له أنا متعب يا شيخ، فقال له الشيخ: اتبعني إلى البحر، فذهبا سويًا إلى البحر، وقال له الشيخ: صلِّ ركعتين، فصلى، ثم قال له الشيخ: قل بسم الله، فقال: بسم الله.. ثم رمى الشاب الشبكة فخرجت الشبكة بسمكة عظيمة، قال له الشيخ: بعها واشتر طعامًا لأهلك، فذهب وباعها في السوق واشترى فطيرتين.
وقرر أن يذهب ليطعم الشيخ منها فذهب إلى الشيخ وأعطاه فطيرة، فقال له الشيخ: لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة، أي أن الشيخ كان يفعل الخير للخير، ولم يكن ينتظر له ثمنًا، ثم رد الفطيرة إلى الرجل، وقال له خذها أنت وعيالك، وفي الطريق إلى بيته قابل امرأة تبكي من الجوع ومعها طفلها، فنظرا إلى الفطيرتين في يده وقال في نفسه هذه المرأة وابنها مثل زوجتي وابني يتضوران جوعًا فماذا أفعل؟ ونظر إلى المرأة فلم يحتمل رؤية الدموع في عينيها، فقال لها خذي الفطيرتين فابتهج وجهها، وابتسم ابنها فرحًا. وعاد الرجل يحمل هم زوجته وابنه كيف سيطعمهما؟ وبينما هو يسير مهموما سمع رجلًا ينادي من يدلُني على أبى نصر الصياد؟ فدله الناس على الرجل. فقال له: إن أباك كان قد أقرضني مالًا منذ عشرين عامًا ثم مات، ولم أستدل عليه، خذ يا بني هذه الثلاثين ألف درهم مال أبيك.
يقول أبو نصر الصياد: وتحولت إلى أغنى الناس وصارت عندي بيوت وتجارة، وصرت أتصدق بالألف درهم في المرة الواحدة لأشكر الله تعالى على فائض نعمائه، ومرت الأيام وأنا أكثر من الصدقات حتى أعجبتني نفسي، وفي ليلة من الليالي رأيت في نومي أن الميزان قد وضع، وينادي مناد أبو نصر الصياد هلم لوزن حسناتك وسيئاتك، فوُضعت حسناتي ووُضعت سيئاتي، فرجحت السيئات فقلت أين الأموال التي تصدقت بها؟ فوضعت الأموال، فإذا تحت كل ألف درهم شهوة نفس، أو إعجاب بنفس كأنها لفافة من القطن لا تساوي شيئًا، ورجحت السيئات، وبكيت وقلت ما النجاة؟
ووجدت نفسي أسمع المنادي يقول هل بقى له من شيء؟ فأسمع الملك يقول: نعم بقيت له فطيرتان فتوضع الفطيرتان في كفه الحسنات فترتفع كفة الحسنات حتى تساوت مع كفة السيئات، فخفت وأسمع المنادي يقول: هل بقى له من شيء؟ فأسمع الملك يقول: بقى له شيء فقلت: ما هو؟ فقيل نعم: دموع المرأة حين أعطيت لها الفطيرتين فوضعت الدموع، فإذا بها كحجر كبير ضخم الله أكبر فثقلت كفة الحسنات، ففرحت لذلك كثيرًا فأسمع المنادي يقول: هل بقى له من شيء؟ فقيل: نعم ابتسامة الطفل الصغير حين أعطيت له الفطيرتين، فترجح وترجح وترجح كفة الحسنات ما شاء الله، وأسمع المنادي يقول: لقد نجا لقد نجا، فاستيقظت من النوم فرحًا أردد كلمات الشيخ: لو أطعمنا أنفسنا هذا لما خرجت السمكة.
نعم فالمحسن إلى الناس، ويملك الإخلاص لا ينتظر التقدير والثناء من أحد، بل يجد سهولةً في الصبر على نكران بعض الناس للجميل الذي أسداه، أو المعروف الذي صنعه! ولسان حاله ـ كما أخبر الله تعالى عن أهل الجنة في سورة الإنسان: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}.
إنما نطعمكم لوجه الله
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة