الإعلامى أحمد طقش
محاضر تنمية بشرية
رمضان الكريم هو شهر الأنوار، ففيه مالا يعد ولا يحصى من أنوار الإيمان، ونفحات الرضوان، وبشائر الصفح والغفران. ومن هذه الأنوار:
النور الأول: رمضان فرصة عظيمة للوقوف مع الذات، بل للارتقاء بالذات، بل لمحاسبة الذات، وجرد سلبياتها وإيجابياتها، حبذا لو ضاعفت السلوكيات التي تحقق رضى الله عليك طالما أن الأجور مضاعفة في رمضان، وقلمت أظافر الأمور التي تجلب سخط الله عليك، اتصل بكل من له حق عليك وأعطه حقه، ابتداء من أهلك مروراً بجيرانك انتهاءً بالدعاء لكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, واعلم أن رمضان كريم لأنه سيشفع للصائمين الحقيقين, وأن القرآن كريم لأنه سيشفع لمن يعمل به بعد أن يقرأه ويفهمه ويتعلم تفسيره وتجويده وأسباب نزوله.
رمضان فرصة تصالحية مع نفسك، ذللها بحجبها عن المنكرات، قومها بردها عن الغي، هذبها بعشرة الصالحين المصلحين، ارفعها بالرياضات الروحية المشروعة، أدبها بسيرة الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم، وسيرة صحابته الكرام، وسير التابعين الأجلاء.
إن إضعاف الجسد بالصيام فرصة حقيقية لتقوية الروح بالعبادات، في شهر الأخلاق...عاهد نفسك على صيام الامتناع عن المفطرات وصيام الارتقاء إلى رب الأرض والسماوات.. إن وقوفك الصارم مع نفسك كل رمضان سيرفعها في مدارج الكمال فكل يوم رمضاني هو درجة جديدة نحو العلا، حيث تشكل الجنة أخيراً قمة هذا الصعود في الآخرة، بعد أن يشكل رضا الله قمة هذا الصعود في الدنيا.
إن هذه الجولة المباركة التي تجريها في نفسك ستضعك أمام حقيقة الدنيا الزائلة وستردك إلى حجمك الحقيقي حيث لا امتهان يفقدك توازنك ولا غرور يدفعك للتسلط على الآخرين.النور الثاني: رمضان فرصة عظيمة للتأمل في علاقاتِكِ مع الآخرين، متى سوف تنتهين عن نقل سلبيات زوجك إلى أهلك إن لم يكن في رمضان؟ متى ستجلسين لتدريب ابنتك على علم التجويد إن لم يكن في رمضان؟ إن الأخريات يقيمن أخلاقك من خلال الطريقة التي تتعاملين بها معهن، فاحرصي على أن تكوني مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، كفي لسانك وعينيك ويديك عن التدخل في شئون الأخريات, استخدمي كل عمرك ومواهبك وحواسك في تحبيب من حولك بدين الله العظيم.
المؤمنة السلبية تكتفي بعدم السرقة وعدم الكذب وعدم الغيبة والنميمة، المؤمنة الإيجابية توقن أن مهمتها أن تكون منارة للأخريات، تحبهم وترشدهم وتساعدهم في السير على طريق الهدى والرشاد، لذلك يعد رمضان فرصة ذهبية لك كي ترفعي مستوى الحديث من القشور والسفاسف إلى جماليات الإيمان التي لا تنتهي، حدثي جاراتك عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ادفعي جارتك اللجوجة إلى الصبر على مكاره زوجها، قولي لجارتك التي تكذب: إن الله لا يحب الكاذبين، قولي لجارتك التي تكتفي بخدمة أبنائها إن مهمتها أرقى بكثير لأن التربية تشمل ضخ الفضائل في نفوس الأبناء وليست خدمتهم في المآكل والملابس والمشارب فقط.
إن رمضانك هذا العام سيكون شهراً فاصلا في التغيير نحو الأفضل حيث ستضاعفين من قيام الليل وغض البصر وحفظ اللسان خلاله وبعده أيضا.
النور الثالث: أفضل الشهور لتصحيح علاقتك بربك هو رمضان حيث تصفد الشياطين وتتفرغ تماماً أخي المؤمن للتقرب من الملك الجبار الذي أعطاك نعمة التأمل في هذا الكون بل أمرك بها., قل لله: سامحني، تجاوز عن سيئاتي، يا غفار اغفر لي، يا غفور امح زلاتي، يا غافر لا تؤاخذني على أخطائي.
إياك أن تفوت هذه ال (720 ) ساعة، لأنها أفضل ساعات العام كله، عاهد فيها ربك على توبة نصوح، لا تكرر بعدها أخطاء الماضي واعكف على دراسة أسماء الله الحسنى, تعرف عليها وافهم مقتضاها واعمل بما تطلبه منك لتعيش فيها حياة روحية عرفانية راقية.
لتصحيح علاقتك بربك يجب أن تستمر حتى بعد رمضان بقراءة كتابه الكريم، وبتقفي آثار نبيه العظيم صلى الله عليه وسلم وكما تجهز بيتك وتنظفه لاستقبال ضيف ما، جهز قلبك ونظفه للاحتفال ببركات رمضان.
عاهد ربك على أن لا يعتلي عرش قلبك إلا هو, الله أولا، ثم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بقية المخلوقين من أهل وأقارب.
استغل هذه الفرصة جيداً للتوغل في مفهوم صفوة التوحيد حيث لا خوف ولا رجاء إلا من الله, لا أمر ولا نهي إلا من الله، لاحب ولا كراهية إلا لله، لا حلال ولا حرام إلا بأمر من الله، وهكذا يصبح رمضانك مفتاحا حقيقيا لمباهج القرب من الله بعد أن تعاهده على أن يجدك حيث أمرك، ويفقدك حيث نهاك.
ستتجلى أنوار رمضان على روحك إن صمت عما سوى الله، وإن أصلحت ما بينك وبين ربك، ثم ما بينك وبين الآخرين، ثم ما بينك وبين نفسك، وهكذا شيئاً فشيئاً تصبح حياتك كلها أنوار.
أنوار رمضان.. شفيع الصائمين
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة