للمتقين فقط.. والوسطاء يمتنعون

تنمية بشرية
طبوغرافي

 

فرصة هائلة للمتقين فقط، والوسطاء يمتنعون، عروض طوال شهر رمضان، وعروض خاصة في ليلة القدر والعشر الأواخر، فلا تجعل الفرصة تفوتك، للتمليك والخلود، جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

للمتقين فقط، الذين يحسنون استغلال رمضان، بصيام نهاره، وقيام ليله، لا يبتغون إلا وجه الله تعالى، أولئك الذين قال عنهم رب العزة: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ . هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ . مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ. ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [سورة ق: 31- 34] .

ما رأيك لو طلب منك رئيسك في العمل أن تؤدي له خدمة معينة، ماذا تفعل؟! بالطبع ستؤديها بإتقان شديد، فهو مديرك، وتحرص على رضاه، فماذا ستفعل لو طلب منك رب العزة سبحانه فعل أعمال معينة، وترك أخرى؟! وماذا لو اختصك- سبحانه- بمهمة خاصة، هل ستهتم بهذه المهمة كما اهتممتَ من قبل بطلب مديرك في العمل؟!. لا تتعجّب، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِى بِهِ» [متفق عليه]. لقد شرفك الله بهذه المهمة الخاصة، فكيف ستؤديها؟!
الله يراك الآن، فكيف ستؤدي ما طلبه منك؟ ويتابع هذا العمل لحظة بلحظة، هل سيكون رمضان هذا العام مختلفًا عن الأعوام السابقة؟! 

 كم عمرك الآن؟ وكم أمضيت منه في طاعة الله؟ وكم قضيته في المعصية ؟ أجبني، أراك تضطرب، لا عليك، فها هي فرصتك لتمحو الذنوب والخطايا من صحيفة أعمالك . يجيبك النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ، و«مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [متفق عليه] . إيمانًا واحتسابًا، والإيمان يلزمه الإخلاص، الإخلاص لله وحده دون البشر: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام: 162] .

 
فربما ضاعت أعمالنا، وأصبحت هباءً منثورًا دون أن ندري؛ فعَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً». قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ . قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» [ابن ماجه] .

وها هو ذا رمضان يعود إلينا، وكما أن ميلاد هلال رمضان ميلاد لقلوبنا، وبداية لحياة جديدة في ظل طاعة الله ورضوانه، أساسها مراقبة الله في السر والعلن، تلك المراقبة التي تهوّن الدنيا في عيوننا، فلا يهمك إلا رضا الله تعالى، فلا تنتصر لنفسك، فإن أساء إليك أحدٌ قلت: إني صائم .

إنها تربية النفس الإنسانية، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ. مَرَّتَيْنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا» [البخاري] .

فلتكن البداية في رمضان، نخرج من رمضان بلا معاصي، فنبدأ حياتنا الجديدة، فها هي صحيفتنا بيضاء ناصعة بعد رمضان، نأبى أن نلوثها بالمعاصي والذنوب، بل سنزينها بالحسنات والطاعات، والله كريم، فالحسنة بعشرة أمثالها، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم، هيا معًا نبدأ حياة جديدة، أساسها الطاعة ومراقبة الله في السر والعلن، وروحها الإخلاص، وقلبها أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .