عيد الفطر.. أرباح ومكاسب

تنمية بشرية
طبوغرافي

 

بقلم:

دكتور/ حسام الدين أمين -

المحاضر الدولي بأكسفورد

إنّ طبيعة الأعياد في الإسلام تختلف عن الأعياد في الأديان الأخرى، فالعيد في غير الإسلام هو غالباً للحصول على مكسب مادي بحت.

مثلاً، الشخص الذي يربح في تجارته ربحاً وفيراً يتخذ ذلك اليوم عيداً له، ومن يحقّق أمنية من أمانيه يعد ذلك اليوم عيداً له، وكذلك الشخص الذي يولد له مولود يتخذ هذا اليوم عيداً، وهكذا توجد نماذج كثيرة لهذه الأعياد في نظرهم، وخصوصاً في بعض المجتمعات الغربية ومن سار على شاكلتهم.

وبتوضيح أكثر نقول: إنّ أغلب الأعياد في غير الإسلام ترتكز على الماديات المحضة فحسب، وعلى إشباع الرغبات الجسدية فقط.

أما العيد في الإسلام فإنه يختلف اختلافاً كبيراً عن هذه الأعياد ـ من حيث المعنى والدلالة ـ فالإسلام الذي يرى الإنسان جسماً وروحاً ومادة ومعنى، ويحاول التعادل بينهما والتكافؤ فيهما، ينسّق في أعياده بين الماديات والمعنويات، ويؤكد على أنه كما يستفيد الإنسان من مظاهر العيد المادية، يستفيد كذلك من الأمور الروحية والمعنوية أيضاً.

إن العيد في نظر الإسلام هو اليوم الذي يتنازل فيه الإنسان عن بعض الماديات لصالح أموره الروحية والمعنوية، خُذ مثلاً عيد الفطر: هذا العيد الذي يأتي بعد مرور شهر كامل على تنازل الإنسان عن أهم الحاجات الجسدية، والرغبات الشهوانية والجسمانية، وهي حاجته للطعام والشراب وما إلى ذلك من الأشياء التي يمتنع عنها الصائم في صيامه، فهو عيد قوة الروح وسلامتها، والسيطرة على الشهوات والرغبات، لكسب معنوي، وهو التعادل بين الروح والجسم، إضافة إلى الثواب الأخروي، وامتلاك الإرادة الصلبة في مجال الطاعة لله عز وجل واكتساب فضائل روحية عديدة، مثل الإحساس بالفقراء ومواساتهم، والنزوع عن هوى النفس وشهواتها، وغير ذلك.

فقد قال أمير المؤمنين الإمام علي رضى الله عنه: «إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم عيد» .

ومن الواضح أنّ هذا العيد لا يخصّ إنساناً واحداً بعينه، وإنْ كان يعود عليه بالنفع والفائدة، بل إنّ هذا العيد يشمل كل المجتمع، فآثاره عندنا عامة لا خاصة فقط، واجتماعية لا شخصية فحسب.

أما العيد في غير الإسلام، فإنه مجرد حصول الشخص على رغبة مادية بحتة، وان كان فيها شيء من المعنويات فهو يتغاضى عنها ولا يعبأ بها، خذ مثلاً عيد ميلاد الأشخاص العاديين، ماذا يعني ذلك عندهم؟

إنه يعني مجرد الحصول على هذا الجسم متغافلين عن الروح الذي هو جوهر الجسم وبه حياته، فهل الاحتفال بشق الإنسان وهو الجسم الأقل أهمية، ونسيان الشق الآخر وهو الروح الأكبر أهمية، يعدّ احتفالاً كاملاً وشاملاً، ومفيداً ونافعاً!

كلّا، ليس هذا الاحتفال احتفالاً كاملاً وشاملاً، لأنه لا يعود على جوهر الإنسان وهو روحه ومعنوياته بخير أبداً، بل يزيد في تضخيم الجسم والماديات على حساب الروح والمعنويات، ولا يكون مفيداً ولا نافعاً؛ لأنه يؤدي إلى عدم التوازن بينهما، وعدم التوازن بينهما يعني: القلق والاضطراب، والبؤس والمرض.

  مظاهر الاحتفال بعيد الفطر بين العادات الموروثة والمستحدث.

 العيد هو أحد فرحتين وعد الله بهما عبده الصائم، وهو جزاء الصائم في الدنيا لتكتمل الفرحة الكبرى يوم يلقى ربه فتكون الفرحة الثانية. والعيد إنما سُمّي عيدا لعودته بالفرح في كل عام، وقد تأكدت أهمية العيد في أنه على الرغم من تقادم عهده، إلا أن قدومه دائمًا يجلب الفرح وكأنه العيد الأول في ثوب جديد. ثم إن من مظاهر العيد أن تغمر المباهج والزينة والنور الأمة الإسلامية، فهو احتفاء بإتمام فريضة الصوم. وأعياد الإسلام ثلاثة، منها الجمعة وعيد الفطر وعيد الأضحى.

عرف المصريون الاحتفالات والأعياد الدينية منذ عهود قديمة، ومع الفتح الإسلامي لمصر تعددت أشكال الفرح والبهجة لاستقبال شهر رمضان، والأعياد الإسلامية، حيث يهنئ المسلمون بعضهم بعضًا على إتمام شهر الصيام عملًا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لو علم الناس ما في رمضان من الخير، لتمنوا أن تكون السنة كلها رمضان”.

والعيد مناسبة اجتماعية هامة للتقارب بين أفراد العائلة، وإعادة الدفء إلى العلاقات الاجتماعية، وأيضا للترويح عن النفس، ولذلك عندما تثبت رؤية هلال العيد، يخرج الناس إلى الشوارع ويتبادل المارة التهاني، وتعلو البسمات الشفاه، ويفرح الأطفال باللعب والسهر، ويسهر الجميع حتى أداء صلاة العيد في المسجد.

ومن مظاهر الفرح بالعيد، الحرص على عمل كعك وبسكويت العيد، ويكون ذلك خلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان، حيث يحمل الأطفال (الصاجات) إلى الأفران، ويتكاثر الناس من أجل إنهاء خبز الكعك قبل أيام العيد، وهي عادة ترجع إلى العصر الفاطمي. فقد كان الخلفاء فور الانتهاء من صلاة العيد، يجلسون في دواوينهم وتقدم لم أطباق الكعك.

وكانت مواكب العيد يتخللها الفرح والبهجة، حيث يقوم الصبيان والشباب بألعاب بهلوانية، وهم ما عرفوا بطائفة (برقة)، فإذا ركب الخليفة في العيدين مدوا حبلين مسطوحين من أعلى باب النصر إلى الأرض وحبلا عن يمين الباب، وآخر عن شماله، فإذا عاد الخليفة من صلاة العيد مارا بباب النصر، نزلت على الحبلين طائفة من هؤلاء على أشكال خيل من خشب مدهون، وفي أيديهم الرايات وخلف كل واحد منهم رديف، وتحت رجليه آخر معلق بيديه ورجليه ويأتون بحركات تذهل العقول.

 بالغ الخلفاء في الاحتفاء بأشكال متنوعة، خاصة وأن عيد الفطر عندهم هو الموسم الكبير ويعرف بعيد الحلل، حيث توزع فيه كسوة العيد على الخاصة والعامة، وفي الوقت نفسه، تكون دار الفطرة قد أنجزت الكميات اللازمة من كعك وحلوى وكعب الغزال، لتوزيعها وإعداد سماط العيد، وهي كميات كبيرة يعدونها ابتداء من شهر رجب حتى نصف رمضان.

ولا زالت مظاهر العيد والاحتفال بقدومه، تأخذ بعض العادات الموروثة، مثل صناعة الحلوى وتقديم الأطباق إلى أفراد العائلة والزوّار، كما يخرج الاطفال لشوارع، وهم يرتدون ملابسهم الجديدة، فيذهبون إلى الحدائق العامة والملاهي، فيركبون الأرجوحة ويلعبون ويلهون حتى غروب الشمس.

وغالبا ما تخرج الأسرة إلى المتنزهات العامة وهم يصطحبون أطفالهم خشية عليهم من مخاطر الطرق، بينما تخرج بعض الأسر للتزاور وتبادل التهاني بحلول عيد الفطر، ومن المظاهر التي تتكرر كل عام، النشاط غير العادي في تأهب المقاهي لاستقبال الزبائن وتقديم أصناف متنوعة من المشروبات المثلجة والدافئة

أما الحدائق فتمتلئ بكرنفال من الألوان البهيجة، فيقبل عليها الأطفال بكثافة شديدة خلال أيام العيد، وخاصة حديقة الحيوانات بالجيزة، حيث يتنقلون لمشاهدة الحيوانات والطيور، وهناك أماكن مخصصة للجلوس، إذ تفتح الحديقة أبوابها في ساعة مبكرة من الصباح وحتى غروب الشمس، حتى أن بعض سكان المدن الأخرى ينظمون رحلات خاصة إلى القاهرة، ومن بينها زيارة حديقة الحيوانات. وتمتد مظاهر الاحتفال في سائر مدن وقرى مصر، ففي الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط، وتمتلئ المقاهي بمئات من الناس خاصة تلك الواقعة على البحر، كما يذهب الأطفال إلى الحدائق العامة، ويسير أفراد العائلة فوق الكورنيش، ليتنسموا نسمات الهواء النقي، وهم يتطلعون إلى المياه الزرقاء الصافية.

وغالبا ما تشمل مظاهر العيد القرى المصرية، فنرى ما يُسمى بسوق (العيد)، وهي ساحة واسعة تمتلئ بالأراجيح وبائعي لعب الأطفال، وإن كان هؤلاء يصرون على السفر إلى المدن القريبة للاستمتاع بالسير والمشاهدة ودخول الملاهي والحدائق العامة. ولا تنتهي فرحة العيد التي تهفو إليها النفوس كل عام، ليعم الحب والصفاء، وتمتلئ القلوب بالسلام والطمأنينة.