فـــــى أمـثــــــــال الــــــقـــــرآن

تنمية بشرية
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

أفرده بالتصنيف الإمام أبو الحسن الماوردى من كبار أصحابنا .  قال تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ)(الروم:58) وقال تعالى: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)(العنكبوت:43) .
وأخرج البيهيقى عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن القرآن نزل على خمسة أوجه : حلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال ، فاعلموا بالحلال واجتنبوا الحرام ، واتبعوا المحكم ، وآمنوا بالمتشابه ، واعتبروا بالأمثال” .

 

قال الماوردي: من أعظم علم القرآن علم أمثاله ، والناس فى غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال ، وإغفالهم الممثلات ، والمثل بلا ممثل كالفرس بلا لجام والناقة بلا زمام .

وقال غيره: قد عده الشافعى مما يجب على المجتهد معرفته من علوم القرآن ، فقال: ثم معرفة ما ضرب فيه الأمثال الدوال على طاعته ، المبينة لاجتناب معصيته.

وقال الشيخ عز الدين: إنما ضرب الله الأمثال فى القرآن تذكيراً ووعظاً ، فما اشتمل منها على تفاوت فى ثواب أو على إحباط عمل ، أو على مدح أو ذم أو نحوه ، فإنه يدل على الأحكام .

وقال غيره: ضرب الأمثال فى القرآن يستفاد منه أمور كثيرة: التذكير، والوعظ، والحث، والزجر، والاعتبار، والتقرير، وتقريب المراد للعقل، وتصويره بصورة المحسوس ، فإن الأمثال تصور المعانى بصورة الأشخاص، لأنها أبت فى الأذهان لاستعانة الذهن فيها بالحواس ، ومن ثم كان الغرض من المثل تشبيه الخفى بالجلى ، والغالب بالشاهد.

وتأتى أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر ، وعلى المدح والذم ، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره ، وعلى تحقيق أمر أو إبطاله ، قال تعال: (وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ)(إبراهيم:45) فامتن علينا بذلك لما تضمنته من الفوائد .

وقال الزركشى فى (البرهان): ومن حكمته تعليم البيان ؛ وهو من خصائص هذه الشريعة .

وقال الزمخشري: التمثيل إنما يُصار إليه لكشف المعانى ، وإدناء المتوهم من الشاهد ، فإن كل المتمثل له عظيماً كان المتمثل به مثله، وإن كان حقيراً كان المتمثل به كذلك .

وقال الأصبهاني: لضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء النظائر شأن ليس بالخفى فى إبراز خفيات الدقائق ، ورفع الأستار عن الحقائق ، تريك المتخيل فى صورة المتحقق، والمتوهم فى معرض المتيقن ، والغالب كأنه مشاهد . وفى ضرب الأمثال تبكيت للخصم الشديد الخصومة ، وقمع لسورة الجامع الأبى ؛ فإنه يؤثر فى القلوب ما لا يؤثر وصف الشيء فى نفسه ؛ ولذلك أكثر الله تعالى فى كتابه وفى سائر كتبه الأمثال ، ومن سور الإنجيل سورة تسمى سورة الأمثال ، وفشت وفى كلام النبى صلى الله عليه وسلم ، وكلام الأنبياء والحكماء .

فصل : أمثال القرآن قسمان: ظاهر مصرح به / وكامن لا ذكر للمثل فيه .
فمن أمثلة الأول: قوله تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَارًا)(القرة:17-20). ضرب فيها للمنافقين مثلين: مثلاً بالنار ، ومثلاُ بالمطر.

أخرج ابن أبى حاتم وغيره، من طريق على بن أبى طلحة ، عن ابن عباس ، قال: هذا مثل ضربه الله للمنافقين ، كانوا يعتزون الإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء ، فلما ماتوا سلبهم الله العز كما سلب صاحب النار الضوء (وتركهم فى ظلمات) يقول فى عذاب: (أو كصيب) هو المطر ، ضرب مثله فى القرآن (فيه ظلمات) يقول: ابتلاء (ورعد وبرق) تخويف (يكاد البرق يخطف أبصارهم) يقول: يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين (كلما أضاء لهم مشوا فيه) (البقرة:19،20)
يقول: كلما أصاب المنافقون فى الإسلام عزاً اطمأنوا ، فإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ، ليرجعوا إلى الكفر ، كقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) (الحج:11) .

ومنها: قوله تعالى: (أنزل من السماء ماء فسألت أودية بقدرها ...) (الحج:11) . أخرج ابن أبى حاتم من طريق على ، عن ابن عباس قال/ هذا مثل ضربه الله / احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها: (أَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) (الرعد:17)
وهو اليقين ، كما يجعل الحلى فى النار ، فيؤخذ خالصه ، ويترك خبثه فى النار ، كذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك .

وأخرج عن عطاء قال: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر .

وأخرج عن قتادة قال: هذه ثلاثة أمثال ضربها الله فى مثل واحد، يقول: كما اضمحل هذا الزبد فصار جفاء لا ينتفع به ، ولا ترجى بكرته كذلك يضمحل الباطل عن أهله . وكما مكث هذا الماء فى الأرض ، فأمرعت ، نباتها ،وكذلك الذهب والفضة حين أُدخل النار ، فأذهب خبثه ، كذلك يبقى الحق لأهله . وكما اضمحل خبث هذا الذهب حين أدخل فى النار ، كذلك يضمحل الباطل عن أهله .

ومنها: قوله تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ) (الأعراف:58) أخرج ابن أبى حاتم ، من طريق على ، عن أبى عباس ، قال: هذا مثل ضربه الله للمؤمن ، يقول: هو طيب وعمله طيب؛ كما أن البد الطيب ثمرها طيب . والذى خبث ضرب مثلاً للكافر ، كالبلد السبخة المالحة ، والكافر هو الخبيث وعمله خبيث .