إن فى حياتنا جملة كبيرة من المشاكل تدور فى هذا الفلك، وهو فلك الضغوطات النفسية الكبيرة، فلا شك فى أن هذه الضغوطات هى التى تؤدى بالإنسان إلى الإحباط.
وهذه الضغوط النفسية لا بد عنها فى حياة كل إنسان، فالإنسان لم يأت للحياة من أجل اللهو واللعب والراحة، وإنما خُلق الإنسان للابتلاء.
والإيمان والالتزام والثبات كل ذلك هو الذى يشد أزر الإنسان ويقويه، وعندما يضعف هذا الإيمان يبدأ الإنسان يشعر باليأس، ثم بالإحباط، وهذا هو ما يعانى منه كل المسلمين فى شتى البلاد اليوم، وذلك من كثرة العقبات وشدتها.
عندما تكثر العقبات وتشتد على الناس فلا بد من مجتمع متماسك يتصدى لهذه العقبات قبل أن تُهلك الإنسان، فإذا ضعف المجتمع تكالبت الضغوط النفسية على الناس، وينتاب الفرد الشعور بالضعف واليأس والإحباط، ومن ثم لا يستطيع الإنسان دفع هذه المشاكل.
الله تعالى يبين لنا أن الإنسان لكى ينجح فلا بد أن يقتحم العقبات، قال تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} وقال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ}
عدم الإيمان بالقدر يؤدى إلى انتكاسة نفسية لا حل لها إلا في كتاب الله وسنته.
الإحباط يؤدى إلى الكفر، لأن الإنسان المحبط إنسان يائس من رحمة الله تعالى، يعطيه الشيطان إحساسا بالفراغ الإيمانى، ولكن الذى يساندك في الحياة ((يا الله)) ((يا رب)) فيبدأ الشيطان ينسيك كل هذا ويشعرك بالضعف.
علاج الإخفاق: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَات اللَّه وَفِيكُمْ رَسُوله }عندكم كتاب الله وسنة رسوله فكيف تخفقون وتسقطون؟
من أهم علامات الإخفاق شعور الإنسان أنه ضعيف، وأنه غير قادر على المواجهة، وأنه مقدم على مرحلة لا طاقة له على اجتيازها، على الرغم أن العجز من نواقض الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم "استعن بالله ولا تعجز" كيف تعجز وأنت معك فاطر السموات والأرض؟ يبدأ الشيطان يصدر لك المفاهيم السلبية، قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } لا بد من الفتنة، لا بد من غواية الشيطان لك، الله عز وجل خلقك لعبادته، ولذلك يريد أن يختبر قوة إيمانك، وقوة عزيمتك، إما أن تنتصر أنت ، أو ينتصر هو عليك والعياذ بالله.
ينتصر هو فى حالة واحدة، وهى عندما ترى نفسك ضعيفًا، وترى نفسك عاجزًا، وترى نفسك يائسًا، القرآن الكريم يقول لك امح كل هذه المفاهيم السلبية، قال تعالى: { وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} إذًا كل إحباط دليل على اليأس، ولا ينبغى أن تكون يائسًا، لأن الليل والنهار لا يتوقفان، ولقد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن أفضل العبادة انتظار الفرج، {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} لا بد أن يكون لسان حالى: وكيف أعجز والله معى؟
نحن في مجتمع توالت وتعاظمت فيه المشكلات الطاحنة على الناس، علاقتنا بالله لم تعد قوية، لأننا فرطنا في جنب الله، فأنت أسست بيتًا وأنشأت له سورا منخفضا، يسهل على الأعداء اختراقه، وعدوك هو الشيطان الرجيم.
لا بد أن تبحث عن النجاة، {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} النجاة معناها التغلب على المشاكل، والتغلب على العراقيل، وعبور المحن بسلام.
الشخص المريض يرى الحياة من ثقب إبرة، ويرى المشكلة الصغيرة على أنها أعظم وأكبر المشاكل على الإطلاق، على الرغم من أنها قد مرت على آلاف البشر قبله، وكثير منهم فاز بفضل الله تعالى، وانتصر على الشيطان، قال صلى الله عليه وسلم: "استعن بالله ولا تعجز" لا تُعجّز نفسك، تستطيع ختم القرآن الكريم فى ثلاثة أيام، وكثير من الناس ختموه فى ليلة واحدة.
لا أحب أن أسمع منك كلمة لا أستطيع، لا أقدر، كل هذه إحباطات فرضتها أنت على نفسك، واستسلمت لها، وأصبح عندك إحساس بأنك لن تنجوا أبدًا.
تذكر دائما دعاء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ والعجز والكسل" الهمّ هو الذى سيصدر لك كل المشاكل بعد ذلك، والمشاكل الأربع هى التى تهدم المجتمع، وتقتل الإنسان، وما نجح المسلمون إلا باعتزازهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدعاء لا يعجز معه شيء
أَتَهْزَأُ بِالدُّعَـــــاءِ وَتَزْدَرِيـهِ *** وَمَا تَدْرِي بِما صَنَعَ الدُّعَاءُ
سِهَامُ اللَّيلِ لا تُخْطِي وَلَكِنْ *** لهــا أمدٌ وللأمدِ انقضـــــاءُ
التغلب على الإحباطات يكون بالدعاء، فالدعاء هو أهم باب من أبواب الفرج، {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} فجاء النصر بسبب الدعاء.
المشكلة هى أنك تبالغ في تعجيز نفسك، يقول الله تعالى: { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } يصدر لك الشعور بالإحباط، يزرع بداخلك قنابل الضعف والاستسلام.
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكشف مشاكل الناس وهمومهم ويقتلعها بطلاقة وتحكم وبُعد نظر ليس له مثيل صلى الله عليك يا رسول الله. كان صلى الله عليه وسلم ينزع الإحباط من نفوس الصحابة ويزرع مكانه الأمل، قال أحد المنافقين للصحابة: كيف يعدكم هذا الرجل بالنصر وأنتم غير قادرين على قضاء حاجاتكم؟ فنزل قول الله عزّ وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} الصعب تحول إلى سهل بأمر الله تعالى، {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} النجاة من كل إحباط نفسى بـ :{ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}
لا بد أن يكون لسان حال المسلم: { قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} البينة هى أنك عندك رصيد إيمانى قوى، لا تظهر ضعفك ولكن اسأل الله أن يغير حالك إلى خير حال.
كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول فى باب قدرة الدعاء فى التغلب على المشاكل وعلى تغيير الطبائع: "اللهم إنى ضعيف فقونى، اللهم |إنى بخيل فسخنى، اللهم إنى غليظ فلينّى" لا ينبغى أن يستسلم الإنسان للحالة التى يرى فيها نفسه ضعيفة.
الإنسان لا بدله من أن ينصح الناس ويساعدهم بكل ما يستطيع، ولا ينبغى لأحد أن يبخل على الناس بمد يد العون إليهم، حتى ولو ساعدهم بأقل الإمكانيات، ولكن بعض الناس إذا طُلب منه المساعدة فتجد الرفض بمبررات لا قيمة لها، كالذى قال:
أقول وقد شنو إلى الحرب غارة ** دعوني فإني آكل الخبز بالجبن .
فهذا بطاريته الإيمانية ضعيفة للغاية، ويحتاج إلى شحنها بمزيد من الطاعات، أخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم أن الدين النصيحة، والنصيحة هنا ليست بالقول فقط ولكن بالقول والفعل معًا.
أخيرًا إن استسلام الإنسان للإحباطات يؤدى به إلى سوء الظن بالناس، وإدمان الفشل.
علاج نفسك عند نفسك ليس عند أحد غيرك، علاجك فى كتاب الله عز وجل، علاجك فى اتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم، علاجك فى التمسك بجماعة المسلمين ومتابعتهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويد الله مع الجماعة"
الإحباطات النفسية وتأثيرها فى الوسوسة والإخفاقات
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة