أحد أهم اللغويين والنحاة المعاصرين، وتعد كتبه مصدرًا مهمًّا من مصادر الدراسات النحوية واللغوية خاصة الدلالية منها.. تلك المتصلة بتحليل النصوص، وخاصة الشِّعرية. وتعد دراساته العروضية من أهم ما قُدم للمكتبة العربية من تراث قيم.. إنه الأستاذ الدكتور أحمد كشك عميد كلية دار العلوم السابق الذي فتح قلبه للفتح اليوم وكان هذا الحوار :.
أنا من مواليد مدينة السويس الباسلة رغم أنني لم أمكث بها أكثر من 40 يوما عام 1945 والباقي هنا في القاهرة.. ولكن سُجل لي أنني من مواليد السويس، ولهذا كان يضعونني ضمن المهجرين، ولكنني كنت أرفض هذا لأن فيه أخذا للمال بدون وجه حق..
وبالنسبة لتعليمي كان يمر بمراحل ولعل المرحلة الأولى هي مرحلة الكتاب، وقد اجتزت فيه حفظ القرآن الكريم، ومسائل القراءة والكتابة والحساب، وحصلت على الابتدائية الأزهرية من معهد القاهرة الديني، وكان الأزهر يختبر من يتقدم إليه، ويرسب الكثير ممن يلتحقون به، وقد كان نصف الفصل معي من الراسبين من سنوات عديدة، ولكنني بفضل الله تعالى كنت ممن يجتازوا الأزهر..
وفي الأزهر الشريف تعلمنا أشياء كثيرة لا نستطيع أن ننكرها وهي تعيش فينا، فقد كان الأزهر محاطا بكل الأشكال والألوان.. فلم يكن من المستغرب أن يكون زميلك الجالس بجوارك سنه 21 عاما وأنت سنك 12 عاما فقط، فكيف يلتقيان. وكذلك الاتجاهات كانت مختلفة فتجد بجوارك مثلا الشيوعي وغيره من الألوان المختلفة.
وفي الأزهر نشأت فكرة إنشاء معهد أزهري نموذجي يكون للمتميزين فقط، وله سمت معين في الثقافة الحرة القارئة والمستوعبة، وقد كان بالفعل مكونا من 70 طالبا والتحقت به، وقد ضمني هذا المعهد بالشاعر والناقد الكبير "أبو همام" وقد كان بشبين الكوم، وكان يأتي له كل المتميزين من أرجاء الجمهورية كلها لننضم بهذا المعهد النموذجي..
وقد كان بهذا المعهد مجموعة من المفكرين وأصحاب رؤى قبل أن يكونوا معلمين، وقد سعدنا بهذا المعهد سعادة كبيرة.. وكنا نحن من نأتي بالمنهج لأنفسنا ويقف المعلم ليناقشنا فيه.. فنحن من يبحث بالكتب ويقرأ ويقرر كل شيء في المنهج.
- من قدوة الدكتور أحمد كشك وصاحب الفضل عليه في نشأته بالأزهر الشريف ؟
في المعهد النموذجي منَّ الله تعالى علينا بمجموعة من الأساتذة منهم الأستاذ محمد خليفة التونسي، وهو صاحب فضل عليَّ كبير، وله فضل أكبر على الدكتور "أبو همام" لأنه كان يحبه ويجله، وهو الذي فتح باب العقاد لأبو همام لأن محمد خليفة التونسي كان التلميذ الأثير للعقاد وله كتب في العقاد مثل صفحات العقاد ورباعيات التونسي، وله دواوين شعرية.. وهو درعمي "خريج دار العلوم" وقد علمنا التونسي كيف نكون أصحاب فكر وأن نمتلك مفاتيح الشخصية كما كان يقول العقاد.. كما علمنا معنى أن الأسلوب هو الرجل.. محمد خليفة التونسي هو قدوتي وقدوة طلاب كثر.. فقد كان هو الواسطة بيننا وبين المكتبة والرأي الحر، وبيننا وبين عباس محمود العقاد.
- كيف كان دور الوالدين في صناعة د/ أحمد كشك؟كان الوالد رحمة الله عليه بسيطا ولكنه كان حافظا لكتاب الله تعالى، وكان مدركا للفكر بقدر الإمكان وكان متابعا جيدا وذا رحابة في الحب، فهو لم يرضح لحب ابنه، مع أنه يحبه حبا جما، فهو دائما ما كان يشفق علي ويرعاني من وراء حجاب، ولكنه كان يرعى زملائي أيضا مثل رعايتي، ويقدر الله تعالى له فكرة عموم الخير فقد كان معطاء في صفاء نفس كاملة، ولعل الله تعالى يسر علينا الكثير من أمورنا بأننا كنا معطائين، ومصدر العطاء لدينا كانت فسحة الوالد رحمه الله رحمة واسعة، ولا أنسى كيف كان يبحث عن نتائج زملائي ويبحث عنها ويسعد بها قبل أن يرى نتيجتي أنا، بل وقد كان يأخذ كتبي ويعطيها أصدقائي أوقات الامتحان وحينما أشتكي إليه يقول "ربنا يسهلك" فقد كان دوره البساطة والاتساع والعطاء بالكامل.. والرعاية الكاملة في كل شيء، ونموذج من نماذجه مثلا، وأنا أناقش رسالة الدكتوراه جاءت زوجتي وأخوتي من الأقارب وهو يتدثر بالغطاء ويخبئ وجهه في المنزل ولا يراه إنسان إلا بعد أن تنتهي الدكتوراه، ويرى النتيجة قد حصلت عليها لأنه يخشى أن يعيش الموقف الذي يكون فيه ابنه يقف موقف الممتحن الذي ينتظر النتيجة. فهو جزء من حياتي مكين والكثير من أخلاقياتي ترتد إلى هذا الوالد رحمه الله.
أما الوالدة فأيضا وهبها الله تعالى إيمانا لا حصر له، وهي سيدة بيت من الطراز الأول، وترعى ابنها وأولادها وأقاربها والقليل عندها كثير، وهي معطاءة كاملة، فتراها منذ الصباح الباكر مع صلاة الفجر تؤدي واجبها إلى أن يهدها النوم لأنها لا تستطيع أن تواصل لجهدها الشديد -
- الشارع المصري الآن يعاني من أزمة حقيقية مع اللغة العربية، ما السبب في هذا، ومن المسئول، وكيف وصل الأمر إلى هذا الحد؟
التعليم جزء أساسي من كساد اللغة العربية وخاصة التعليم في الصغر، ويجب أن تعرف أن الكُتاب زمانا كان رمزًا، وخاصة ما يقوم به مع النشء، من الكتابة على اللوح والحفظ، وكان هذا يوميا ( الكتابة والحفظ ) وما أظن أن متعلما في الابتدائية كان يقرأ ويكتب مثل ما كان يقرأ ويكتب من في الكُتاب، وقد كان يتباهي الإنسان قديما أنه راسب من 2 ابتدائي، وهذا دليل على اجتيازه مرحلة الكُتاب التي تمثل مغنمة فهو منها يعرف القراءة والكاتبة.. أما الآن فأنت تجد الطلبة بالكلية ولا يعرفون شيئا لأن أمر الكُتاب قد ضاع منهم.. فقد كان الكُتاب أيضًا يعلمنا الشعر، ويحفظنا الموروث اللغوي الذي لا حصر له ليُمكن لنا أمر اللغة كي تسيطر عليها سيطرة كاملة قراءة وكتابة..
وقضية المطالعة ( القراءة ) وقضية المكتوب ( الإملاء) ضاعفا من التعليم نحن كنا نتلقى الأشياء ونحفظها، ولكن إلى مرحلة ما وجيزة ( الصف الأول الابتدائي والثاني) أما الصف الثالث نكون قد دخلنا مرحلة التفكير.. ولكن ضاعت هذه القضية من التعليم، والآن أنا أدخل الكلية لأعلم الطالب قضية نحوية فأحتاج في هذا تمهيد وتمهيدات لأننا في الصغر أهملنا النقش على الحجر.
- خريج اللغة العربية، هل هو قادر على توصيلها لطلبته وتلاميذه بما يستقيم بها ألسنتهم، أم أنه هو نفسه غير مؤهل، وفاقد الشيء لا يعطيه؟
( فاقد الشيء لا يعطيه ) نعم مقولة جميلة، ولكن إذا امتلك الإنسان نوعا من متعة العطاء، بمعنى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) لتغير الحال، والله تعالى يهب مجموعة من الناس هذه الملكة وهم قلة ليسوا بالكثرة، ولو لدينا الكثير من هؤلاء لانحلت مشكلة التعليم وارتقى بهم، ولكننا نعدهم على الأصابع فقليل من المتعلمين يدركون متعة اللغة العربية، ويدركون أمرها ويسعون إليها بقراءة النصوص وقراءة الشعر وحفظ موروث كامل، ولكنهم قلة في هذا الأمر.
- ( تموت اللغة العربية في كل مكان وتحيا في دار العلوم ) مقولة تاريخية للإمام محمد عبده عن دار العلوم، وهي شعار الكلية، ما تعليقكم عليها؟
لم تقال هذه المقولة من فراغ؛ لأنها كانت تصف حالة تاريخية كاملة، فطالب دار العلوم كان لا يقبل إلا وهو يحفظ القرآن الكريم كاملا ويحفظ من موروث الشعر العربي كمًّا لا بأس به ( 200 ألف بيت ) أو ( 100 ألف بيت) شعري، ويختبر فيم قرأه قبل أن يدخل دار العلوم، ( العقد الفريد – الأغاني للأصفهاني – الموطأ للإمام مالك ) فهذه هي نشأة طالب دار العلوم قبل الالتحاق بها، فهو طالب مصنوع للجامعة ومصنوع لأن يكون صاحب ملكة كبيرة، ويمتحن من أساتذة يعرفون قيمة اللغة العربية قيمة كاملة فهم مبدعون وشعراء مثل علي الجارم، ولهذا كان الطلاب والأساتذة يتهيئون لتحيا اللغة العربية إذا ماماتت خارجها.
- تتميز دار العلوم بالجمع بين الأصالة والمعاصرة، ولكنها ترسخت كثيرا في أصالتها، وربما تحتاج إلى مزيد دفع نحو المعاصرة، ومزيد شجاعة في استقدام الحديث، فهل نجد يوما المدرسة البرناسية كمثال تدرس في قاعات دار العلوم؟
كل له طريق ومنهج، وللدار إلف معين منهجي واستطاعت دار العلوم أن تتمكن مما هو أصيل تراثي يرجع إلى الماضي، فهي تهتم بالماضي اهتماما كاملا، ولهذا مثقف دار العلوم يدرك أمر سابقيه ويعرف أمرهم جيدا، ويدرك أمر المعاصرة في هذا أيضا ولكنه يبطئ شيئا ما ولا يكون جريئا في هذا الشأن غير كلية الآداب التي تتخذ المعاصرة منهجا لها فما يكاد شيء يظهر بأوربا إلا ويكون بها بعد يومين، في دار العلوم الأمر مختلف فهي لا تأخذ شيئا معاصرًا لأبهة المعاصرة، فهي تتريث، حتى ما يدرك الآخرون ثم تتقدم إليه إذا ما كان صالحا.. فلو ظهرت مدرسة جديدة مثلا كالبرناسية فسينقلها الجميع أما دار العلوم فستنتظر 4 سنوات، وإذا ماعرفته أدركت أمره دون نقص أو زيادة، فهي تدرك تماما الوسطية بين أصالتها والمعاصرة التي تسعى إليها.
- نحتفل هذه الأيام باليوم العالمي للشعر، كيف ترى الشعر الآن، وكيف يأخذ الشعر مكانته متصدرا باقي الفنون ؟
الشعر هو عنوان أي أمة مبدعة، وأي أمة لا مكان للشعر بين رحابها ليست أمة على الإطلاق فيمكن أن تحتفل الأمة بفيلسوف أو مؤرخ، ولكن احتفاءها بالشاعر هو عنوان ثقافتها كاملة.. فالشعر له ظل وطغيان مستمر.. ولكن أن يزاحم الشعر فنون أخرى فمسألة طبيعية للحياة الثقافية، ففي بدء العصر الحديث كان الشعر هو الأول ولم نعرف وقتها أمر الرواية أو القصة، ولما عرفنا أمرهما اختلط الواديان فأصبحنا نعنون القصيدة والشعر بعنونة الرواية والمسرحية والأصل أن الشعر لا عنوان له.. نقول مثلا قال الشاعر في الموت.. وكل الفنون استفادت من الأخرى فالقصة الأن تكتب أيضًا في طريقة القص بالشعر كما بدأ نجيب محفوظ بعض رواياته.. ولكن سيظل الشعر هو السيد الأعظم والرواية تأتي بعده.. وسبب شهرة القصة أو الرواية أو غيرها من الفنون هو التليفزيون والتمثيل ودخول الدراما بها، ولأن القصيدة الشعرية لا تمثل.- علم العروض مازال صعبا شاقا على معظم الطلبة، أين الخطأ: في العلم نفسه، أم في طرق التدريس، وكيف يمكن علاج هذا الأمر؟
الأمر يختلف عن هذا، فأنا كنت في عمان أعلم الطلاب هناك، وهم يعتبرون أنفسهم ورثة الخليل بن أحمد الفراهيدي، ولهذا هم ينظمون الأحاديث، فلو أعطيته درسا من الدروس جاؤوك به موزونا مقفا، فليست المسألة بالصعوبة هذه، لأن الأمر بالاستعمال.. هجرها يبعد عنها، ولكن الإنسان إذا ما تمسك بأمر الإيقاع وهو فطرة إنسانية وليس حفظا تستطيع أن تصل إلى الشعراء كما كانوا يكتبون قصائدهم دون أن يعرفوا شيئا عن البحور الشعرية.... فمعرفتنا بعروض الشعر هي معرفة أنك عنيت نفسك بمصطلحات تصعب عليك عروض الشعر.. ادخل على البحر نفسه وقطعه وقطع كلمات متوازية له.. وستصل إليه بسهولة وتعرف البحور.
-للدكتور أحمد مستجير تجربة رقمية لتعليم علم العروض، ما رأيك فضيلتكم بها؟
التجربة جيدة، وتثبت شيئا وأن عقلية الخليل عقلية رياضية، والموسيقى أيضا ترتبط بعلم الرياضيات كما عند اليونان، وعلم العروض علم تناسب وتناسق وانسجام.. والتناسق لا يأتي إلا من خلال الرياضيات، ووجود علاقة بينهما العروض والرياضيات.
- الشاعر سابق العصر دائما، وهو المفكر الذي يقود أمته، مثل المفكر والشاعر محمد إقبال، والشاعر حافظ إبراهيم، أين الشاعر الآن فقد أصبح لا يؤبه له، وكان قديما حينما يولد تقام له الاحتفالات؟نحن الآن نريد أن نبحث عن الشعراء الذين لهم أنماط تفكيرية معينة، مثل عباس محمود العقاد، لفكره وفلسفته، أو عبد الرحمن شكري لشعره التأملي.. يا ليتنا نعود إلى مثل هذا الإدارك للتصنيف الشعري مرة أخرى فيكون الشاعر ملكة كاملة.. فمنهم من يكون مفكرا ومنهم من يكون رياضيا، ومنهم المتأمل.. وكل هذه الأشياء.
ما أمنية أ.د / أحمد كشك التي مازال يصبو إليها، ولما يصل إليها؟
- أنا كنت مشروع فنان تشكيلي أشكل وأرسم وأعرف طاقة الألوان، وكنت أتمنى دائما أن أكون فنانا تشكيليا، وكنت أعرف الفنانين على اختلافهم وتواريخهم كاملة.. فكنت بحوزة أساتذة لهم براح كبير في الفن ، ولهذا كنت أرسم اللوحات البديعة وأشترك في معارض فنية، ولكنني الآن أوظف طاقتي الفنية في عطائي الوظيفي في النحو وأضع في ذهني الطاقة التشكيلية، وأضعه أمام طالبي لأصل به إلى القاعدة النحوية.كلمة توجهها من خلال الفتح اليوم لكل محب للغة العربية ؟
تمسكوا بها واعرفوا أمر جلالها وأنها لغة مهيبة على مستوى لغات العام، وهي لغة القرآن الكريم، وهي لغة الشعر الذي هو مقياس حياتنا.
أهملنا النقش على الحجر فى الصغر.. وأغفلنا دور الكتاتيب
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة