« العربية لغة أهل الجنة »

تنمية بشرية
طبوغرافي

أد.عبد الله جاد الكريم

أستاذ اللغة العربية –

جامعة جازان السعودية

299723_210328905693508_2178684_n

   من المُسلَّمات التي اتفقَّ عليها جمهورُ العلماءِ من المسلمين أنَّ العربية أشرف اللغات، وهي سيدة اللغات، فهي اللغةُ التي كرَّمها الله تعالى بأنْ جعلها لغة القرآن الكريم، دستور الله القويم، الذي رسم فيه طريق السَّعادة في الدارين للناس أجمعين، وقد كان نبينا محمد بن عبد الله أفصح العباد، خير مَنْ نطق بالضَّاد، فهدى البشرية إلى طريق الرَّشاد، قال تعالى « إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»[يوسف:2]،وقال عليه الصلاة والسلام «أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ, وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا». [أخرجه مسلم في الصحيح].

وقال رسولنا الكريم أيضًا:«تعملَّوا من أسمائكم ما تصلون به أرحامكم ثم انتهوا، أو تعلموا من العربية ما تعرفون به كتاب الله ثم انتهوا..»[شعب الإيمان للبيهقي رقم:1723]ـ  وقال عمر بن الخطاب t : تعلَّموا العربية فإنَّها تُثبِّت العقل، وتزيد في المروءة. ولذلك جعل العلماءُ تعلُّمَ العربية من الدِّيانة، لأنك من دون العربية لن تستطيع قراءة القرآن، ولن تفهم ما جاء به من أوامر ونواه وقيم وتعاليم سامية، ولن تستطيع أداء الصلاة، وهي عماد الدين، وهذا أيضًا من المُسلَّمات، فالصلاةُ أول الأعمال التي يُحاسبُ عليها ربنا خالق الأرض والسماوات عبده المسلم بعد الممات، وقيل إن إجابة أسئلة الملكين في القبر: مَنْ ربك؟ وما دينك؟ ومَنْ نبيك؟ تكون باللغة العربية؛ على الأقل لمن كان في الدنيا عربيًا، والمسلم غير العربي أيضًا بطبيعة الحال يُجيدُ العربية؛ لأنه يستخدمها في قراءة القرآن، وفي أداء الصلاة الخمس وغيرها من أنواع الصلوات...وقيل لدى قلة من العلماء أن الإجابة تكون باللغة السريانية، بل يرون أن الحساب كله أيضًا سيكون باللغة السريانية، قال سفيان:" بلغنا أنَّ الناس يتكلَّمون يوم القيامة قبل أن يدخلوا الجنة بالسريانية، فإذا دخلوا الجنة تكلَّموا بالعربية"[روح البيان 6/307]،[الدر المنثور 5/5]،[تفسير حقي 9/480].

 وقالوا:"كان اللسان الأول الذي نزل به آدم من الجنة عربيًّا، إلى أن بعد العهد وطال، فحُرِّف وصار سريانيًّا. وهو يُشاكلُ اللِّسان العربي إلا أنَّهُ مُحرَّفٌ"[حاشية الشهاب على البيضاوي1/62]. وقد أدركوا ما أدركه غيرهم من وجود قرابة وصلة بين العربية وبين السريانية، فقال المسعودي: "وإنَّما تختلف لغات هذه الشعوب "أي شعوب جزيرة العرب" من السريانيين اختلافاً يسيراً". والله تعالى قادر على أن يُنطقَ العباد بما يشاء من اللغات، فهو سبحانه سيجعل الحواس والجوارح تنطق وتشهد على أصحابها «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» [النور:24].

    أمَّا مسألة أنَّ اللغة العربية لغة أهل الجنة، فكثير من العلماء يرون أنَّ مَنْ سيدخل الجنة سيتكلم بالعربية، وورد في المستدرك للحاكم قوله r « أحبُّوا العرب لثلاثٍ: لأنِّي عربيٌّ، والقرآنُ عربيٌّ، وكلامُ أهلِ الجنَّةِ عربيٌّ»[المستدرك، رقم:6999] قال الحاكم رحمه الله تعالى: حديث يحيى بن يزيد عن ابن جريج حديث صحيح. وورد الحديث أيضًا في [المعجم الأوسط للطبراني، رقم:5583][المعجم الكبير، للطبراني، رقم:11441]،[شعب الإيمان للبيهقي، رقم:1433][تفسير السمعاني 3/6]،[التفسير الوسيط للواحدي2/599]،[الدر المنثور، للسيوطي4/496]،[تفسير القرطبي 1/23]،[تفسير حقي6/37]، وفي فتح القدير للشوكاني:" وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لِأَنَّ لِسَانَ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ "[4/626]، ويقول ابن كثير:"وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَمْ يَنْزِلْ وَحْيٌ إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ تَرْجم كُلُّ نَبِيٍّ لِقَوْمِهِ، وَاللِّسَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ.رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ."[تفسير ابن كثير6/163][تفسير ابن أبي حاتم 9/2819، ويقول ابن عاشور في تفسيره:"جَاءَ فِي الْآثَارِ أَنَّ كَلَامَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِالْعَرَبِيَّةِ الْفُصْحَى" [التحرير والتنوير24/73].

  ومعروف أيَضًا أن الله تعالى يخلق لأهل الجنة ما يطلبون ويشتهون، يقول تعالى:« لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ»[ق:35]، ويقول تعالى: «وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ»[فصلت:31]، فمن المعقول أنَّ الإنسان الذي  كان يحب العربية ويتكلمها في الدنيًا؛ وهو مقتنعٌ بسموِّها وعلوِّ مكانتها، ومُقدِّرٌ لتكريم الله لها بنزول القرآن بلسانه، من المعقول أن يتحدَّث العربية في الجنَّة؛ ولا يرضى عنها بديلاً، وإنْ سأل ربَّه تبارك وتعالى أن يتكلَّم بها؛ فالله تعالى تكفَّل أن يحقق لأصحاب الجنة مطالبهم،وهذا ما وعدهم الله به، قال تعالى:«أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ۖ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ» [الأحقاف:16] والله أعلى وأعلم.