مع تجدد الثقافات وانتشار العلوم والتقنية، اتجه بعض الشباب إلى الأخذ بزمام النتاج الثقافى الكاسد الذى يجسد ضعف الإيمان، ويهشم المبادئ، وصناعة قاتل الإبداع والعمل هو الفراغ، فهو سم الحياة، وقاتل الإبداع، ومبيد الطموح.. كيف لا يكون ذلك ونحن نشاهد ضعف واقع بعض الشباب اليوم، فهم إما على الطرق سائرون، أو على الشبكات العنكبوتية غافلون، أو عبر شاشات الفضاء غارقون، وما أقصده هو قضاء الوقت على ذلك أو غيره فى غير المفيد.
وهذه تجربة عشتُها، فقد عدتُ من عملى وكنت أشعر بالمرض فقررت الذهاب إلى المستشفى.. لقد كان المنتظرون كثيرين، وربما أتأخر أكثر من ساعة..
أخذت رقمًا للدخول على الطبيب وتوجهت للجلوس فى غرفة الانتظار.. وجوه كثيرة مختلفة؛ فيهم الصغير وفيهم الكبير.. الصمت يخيم على الجميع.. يوجد عدد من الكتيبات الصغيرة استأثر بها بعض الجالسين..
أمعنت طرفى فى الحاضرين.. البعض مغمض العينين لا تعرف فيم يفكر، وآخر يتابع نظرات الجميع.. والكثير تحس على وجوههم القلق والملل من الانتظار.. يقطع السكون الطويل صوت المُنادى برقم كذا..
الفرحة على وجه المُنادَى عليه.. يسير بخطوات سريعة، ثم يعود الصمت للجميع.. لفت نظرى فتاه فى مقتبل العمر لا يعنيها أى شيء حولها.. لقد كان معها مصحف جيب صغير تقرأ فيه.. لا ترفع طرفها..
نظرت إليها ولم أفكر فى حالتها كثيرًا، لكننى عندما طال انتظارى عن ساعة كاملة تحول مجرد نظرى إليها إلى تفكير عميق فى أسلوب حياتها ومحافظتها على الوقت.. ساعة كاملة من عمرى ماذا استفدت منها وأنا فارغة بلا عمل ولا شغل بل انتظار مملٌّ..
وبعد فترة من الزمن أذن المؤذن لصلاة المغرب.. ذهبتْ تصلى فى غرفة انتظار مغلقة بالمستشفى فذهبتُ معها للصلاة.. حاولتُ أن أكون بجوار صاحبة المصحف، وبعد أن أتممنا الصلاة سرتُ معها وأخبرتها مباشرة بإعجابى بها من محافظتها على وقتها.. وكان حديثها يتركز على كثرة الأوقات التى لا نستفيد منها إطلاقًا وهى أيام وليالٍ تنقضى من أعمارنا دون أن نحس أو نندم.
قالت إنها تأخذ مصحف الجيب هذا منذ سنة واحدة فقط عندما حثتها صديقة لها بالمحافظة على الوقت. وأخبرتنى أنها تقرأ فى الأوقات التى لا يستفاد منها كثيرًا أضعاف ما تقرأ فى المسجد أو فى المنزل، بل أن قراءتها فى المصحف زيادة على الأجر والمثوبة أن شاء الله تقطع عليها الملل والتوتر.. وأضافت قائلة: الآن نحن فى مكان الانتظار منذ ما يزيد على الساعة والنصف..
فمتى أتجد ساعة ونصف لأقرأ فيها القرآن؟ تأملت.. كم من الأوقات تذهب سدى؟! وكم لحظة فى حياتنا تمر ولا تحسب لها حساب؟! بل كم من شهر يمر علينا ولا نقرأ القرآن؟ جُلتُ بخاطرى فوجدت أنى محاسبة والزمن ليس بيدي، فماذا أنتظر؟ قطع تفكيرى صوت المنُادي.. فذهبت إلى الطبيب.
وبعد أن خرجت من المستشفى.. أسرعتُ إلى المكتبة.. اشتريتُ مصحفًا صغيرًا.. قررتُ أن أحافظ على وقتي.. فكرتُ وأنا أضع المصحف فى جيبي.. كم من شخص سيفعل ذلك.. وكم من الأجر العظيم يكون للدالّ عليه.
أيام وليالٍ تنقضى من أعمارنا دون أن نحس أو نندم
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة