أبو داود إمام أوتي الحديث في الدنيا واشترى الجنة في الآخرة

تنمية بشرية
طبوغرافي

الإستاذ الدكتور /أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1

أبو داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السِّجِسْتَانِيُّ، أحد حفاظ الحديث وعلمه وعلله، صاحب السنن، وُلِد بسجستان سنة اثنتين ومائتين من الهجرة.
كان أبو داود رجلًا كبيرًا ذا خلق كريم، وكان صالحًا عابدًا ورعًا، وكان ذكيًا مجدًا دؤوبًا كثير الاحتمال لمشاق الارتحال وطلب العلم، وكان يقظًا شديد الانتباه يعرف الناس على حقيقتهم، ولا تنطلي عليه وسائل الخداع، وكان أبيًّا كريم النفس، وكان جريئًا في الحق أمينًا على رسالة العلم، قائمًا بحق الدين.

تألق نجم أبي داود في الحديث، واشتهر بعلمه وعمله، حتى أصبح من كبار أئمة الإسلام في عصره، وروى عنه الترمذي والنسائي، وغيرهما من الأئمة الأعلام.

sunanabidaoud
ذهب أبو داود إلى بغداد، ومنها إلى البصرة، ويروى في سبب رحيله إليها: أنه ذات يوم طرق باب أبي داود طارق؛ ففتح له الخادم، فإذا بالأمير أبو أحمد الموفق ولي عهد الخليفة العباسي يستأذن، فأذن له أبو داود، فدخل الأمير وأقبل عليه، فقال له أبو داود: ما جاء بالأمير في هذا الوقت؟! فقال: خلال ثلاث، يعني أسباب ثلاثة: أما الأولى: أن تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطنًا، ليرحل إليك طلبة العلم من أقطار الأرض، فتعمر بك، بعد أن خربت وانقطع عنها الناس بعد محنة الزنج.

والثانية: أن تروي لأولادي كتاب (السنن).
والثالثة: أن تفرد لهم مجلسًا لأن أبناء الخلفاء لا يجلسون مع العامة.
فقال أبو داود: أما الثالثة فلا سبيل إليها، لأن الناس شريفهم ووضيعهم في العلم سواء، فكان أولاد الموفق العباسي يحضرون ويجلسون وبينهم وبين العامة ستر.

وكان أبو داود متمسكًا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، حريصًا كل الحرص على تطبيقها، وبيان أهميتها للناس ليقوموا بأدائها، وكان لأبي داود منهج أشبه بمنهج الصحابة في اتباع السنة النبوية والتسليم بها، وترك الجدل في الأمور التي تشعل نار الفتنة بين المسلمين.

ومما يحكى عن حرصه على نيل الأجر والثواب أنه كان مرة يركب سفينة، فسمع شخصا على الشاطئ عطس وقال : الحمد لله .

فاستأجر أبو داود قاربا بدرهم، ونزل من السفينة حتى جاء إلى العاطس، وقال له: يرحمك الله، ثم رجع إلى السفينة .

sunanalnisaee
فسأله أصحابه عن سبب فعله لهذا الشىء؛ فقال: لعل هذا العاطس يكون مُجاب الدعوة.
صنف أبو داود كتاب السنن وحاز كتاب السنن الذي جمعه وعُرِفَ بـ(سنن أبي داود) إعجاب الناس وتقدير العلماء، فقد روي أنها قُرئت على ابن الأعرابي، فأشار إلى النسخة، وهي بين يديه، وقال: لو أن رجلًا لم يكن عنده من العلم إلا كتاب الله عز وجل، ثم هذا الكتاب يقصد سنن أبي داود، لم يحتج إلى شيء من العلم بعد ذلك، وهذا الكتاب الذي يبلغ عدد أحاديثه نحو أربعة آلاف حديث، وثماني مائة حديث، اختارها أبو داود من بين خمس مائة ألف حديث كتبها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مات أبو داود عن ثلاثة وسبعين عامًا، قضاها في خدمة السنة النبوية المطهرة، بعد أن ترك له ابنًا يشبهه في كثير من صفاته هو: الحافظ (أبو بكر عبد الله بن أبي داود) الذي كان تلميذًا نجيبًا لوالده.

رحم الله أبا داود، وجزاه الله عن الإسلام خيرًا، لقد كان للسنة النبوية الشريفة حصنًا منيعًا، وكان من أحرص الناس على أن تشمله رحمة الله.