ترك الكلام له أربعة أسماء: الصمت، والسكوت، والإنصات، والإصاخة. فأما الصمت فهو أعمها؛ لأنه يستعمل فيما يقوى على النطق وفيما لا يقوى عليه. أما السكوت فهو ترك الكلام ممن يقدر على الكلام، والإنصات سكوت مع استماع، ومتى انفك أحدهما عن الآخر لا يقال له إنصات قال تعالى: " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" [الأعراف: 204] والإصاخة استماع إلى ما يصعب إدراكه كالسر والصوت من المكان البعيد.
الصمت هو السكوت بعد الكلام وتقديم الفكرة. لقد قال لقمان الحكيم: الصمت حكمة وقليل فاعله. ولكى يتحقق حسن الصمت والإصغاء فى المحاورة فإن ذلك يتطلب عدة أمور هى: السكوت، والانتباه، وعدم مقاطعة الطرف الآخر، والتأمل والربط والمقارنة.
وبالنسبة إلى الصمت أثناء الحوار فهو ليس موقفًا سلبياً، وإنما هو إجراء إيجابى يمثل خطوة نحو الكلام الصائب، وفى هذا تقول العرب: (إذا أردت أن تقول الصواب فى اللحظة المناسبة فعليك أن تسكت أغلب الوقت). كما أن الصمت غالبًا ما يكون طريقًا إلى العلم والحلم، يقول أحد الحكماء: (إذا جالست العلماء فأنصت لهم، وإذا جالست الجهال فأنصت لهم أيضًا، فإن فى إنصاتك للعلماء زيادة فى العلم، وفى إنصاتك للجهال زيادة فى الحلم).
كما أن الإصغاء أدب رفيع وخلق حسن يوصل إلى الفهم والتفهم، فإن من حسن الأدب أن لا تغالب أحدًا على كلام، وإذا سئل غيرك فلا تجب عنه، وإذا حدث بحديث فلا تنازغه إياه ولا تقتحم عليه فيه.
وقد جاء فى كتاب العقد الفريد لابن عبدربه، قال أحد الحكماء لابنه: (يابني: تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الحديث، وليعلم الناس أنك أحرص على أن تسمع منك على أن تقول).
وبالنظر إلى أسماء الله الحسنى وصفاته العليا نجد أن الله -عز وجل- فى كتابه المعجز قدم (السميع) على (العليم) وهذا عام فى كل القرآن فلن تجد العليم السميع، بل السميع العليم؛ لأنه لابد من سماع الكلام أولا ثم من حصول العلم بمعناه.
وفى حوار موسى وهارون لفرعون قال تعالى: " قال فمن ربكما يا موسى، قال ربنا الذى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" [طه: 49-50]. حيث دلت الآية على أن المحاور يجب عليه استماع كلام مخالفه والجواب عنه من غير إيذاء ولا إيحاش، كما فعل موسى بفرعون هنا، وكما أمر الله -عز وجل- رسوله فى قوله: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" [النحل: 125].
فصل الخطاب: بين الصمت والإنصات
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة