الأستاذ الدكتور / أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
معينات على حفظ القرآن الكريم ومراجعته
بعد أن عرفت أخى القارئ الأجر العظيم والمنزلة العالية التى ينالها حام القرآن الكريم أو من يحفظ بعض أجزاء منه عن ظهر قلب ، لعلك تتطلع أن تكون من هؤلاء وترغب أن تسير فى طريق أهل القرآن لتنال رضى الرحمن.
فإليك إذن هذه الوصايا والفوائد التى ترسم لك معالم هذا الطريق:
1-الإخلاص مفتاح العلم والفهم:
فاجعل قصدك وهدفك من الحفظ التقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، واحذر أن يكون دافعك نيل مكانة بين الناس أو الحصول على بعض المكاسب المالية والمكافآت والجوائز ، فالله سبحانه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له ، قال تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(البينة:5)
2-البعد عن المعاصي:
لأن القلب المظلم بالمعاصى والمشغول بالتكالب على شهوات الدنيا لا موضع فيه لنور القرآن الكريم ، فالمعاصى حاجز على الحفظ ، ووساوس الشيطان تصرف عن ذكر الله ، كما قال تعال: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ) (المجادلة:19)
وقد روى عبدالله بن مبارك عن الضحاك بن مزاحم أنه قال:
“ما من أحد تعلم القرآن فنسيه إلا بذنب يحدثه ؛ لأن الله تعالى يقول: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشورى:30) وإن نسيان القرآن الكريم من أعظم المصائب” (1) .
وهذا الإمام الشافعى المشهور بسرعة الحفظ يشكو إلى شيخه (وكيع) أن الحفظ تباطأ عليه يوماً ، فيرشده إلى علاج حاسم وهو ترك المعاصى وتفريغ القلب من كل ما يحجزه عن ربه ، يقول الإمام الشافعى رحمه الله:
“شكوت إلى وكيع سوء حفظى فأرشدنى إلى ترك المعاصى وأخبرنى بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي”
يقول الإمام ابن المنادي: إن للحفظ أسباباً . منها احتشام المناقص جملة – أى اجتنابها – وذلك أن المرء إذا زجر نفسه وأقبل إلى الله بالموافقة ، وعت أذنه ، وصفاً من الرين ذهنه” (2) .
والران: ما يغطى القلب من غشاوة المعاصى ، وكما قال تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين:14).
3-اغتنام فترة الشباب وسنوات الصغر:
لأن الصغر أفرغ قلباً وأقل شغلاً ، وقد حكى عن الأحنف بن قيس أنه سمع رجلاً يقول: التعلم فى الصغر كالنقش على الحجر فقال الأحنف:”الكبير أكثر عقلاً ، لكنه أشغل قلباً” (3).
ولهذا ينبغى لمن فاتته مرحلة الشباب ألا يتهاون فى الحفظ ، فإنه إذا فرغ قلبه من المشاغل والهموم سيجد سهولة فى حفظ القرآن الكريم لا يجدها فى غيره ، قال تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر:17) . وهذا من خصائص القرآن الكريم ولا تنسى أخى المسلم أن الإنسان المسلم عندما يصل لمرحلة الشيخوخة يضعف بصره ، وقد لا يقوى على قراءة القرآن من المصحف ، وعندئذ سيجد ما يحفظه فى صدره كنزاً يتلوه به ، وإن لم يكن قد حفظ من القرآن شيء يكر فما أعظم ندامته.
وقد ذكر الإمام ابن الجوزي(1) رحمه الله أن إحدى العابدات واسمها (عثامة) كف بصرها، فدخل عليها ابنها يوماً ، فقالت : أصليتم أى بني؟ قال : نعم ، فقالت:
عثام مالك لاهية حلت بدارك داهية
ابكى الصلاة لوقتها إن كنت يوماً باكية
وابكى القرآن إذا تلى قد كنت يوماً تالية
تتلينة بتفكير ودموع عينك جارية
فاليوم لا تتلينة إلا وعند تالية
لهفى عليك صبابة ما عشت طول حياتيه
4-اغتنام أوقات النشاط والفراغ:
فلا ينبغى لك أن تحفظ فى وقت الملل والتعب ، أو عندما يكون ذهنك مشغولاً فى أمر ما؛ لأن هذا يمنع من تركيز الحفظ ، بل اختر وقت النشاط وراحة البال، وحبذا لو جعلت ذلك بعد صلاة الفجر فهو أنفع الأوقات لمن نام مبكراً .
5-اختيار المكان المناسب للحفظ والمراجعة: وذلك بالبعد عن أماكن الضجيج والضوضاء؛ لأن هذا يشغلك ويشتت ذهنك، فلا تحاول أن تحفظ وأنت فى بيتك بين أولادك ، أو فى مكتبك ومحل وظيفتك بين زملائك والناس من حولك ، أو فى الطريق وأنت تقود سيارتك، أو فى متجرك أثناء البع والشراء ، وتذكر قوله تعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ) (الأحزاب:4).
وخير مكان لحفظ القرآن الكريم بيوت الله لتنال الأجر مضاعفاً ، أو فى أى مكان هادئ لا ينشغل فيه سمعك وبصرك بما حولك .
6-الدافع الذاتي:
الرغبة القوية الصادقة لها أكبر الأثر فى تقوية الحفظ وتسهيله وتركيزه ، أما الذى يريد أن يحفظ تحت تأثير إلحاح والديه أو مدرسه دون اندفاع ذاتي؛ فإنه لن يستمر طويلاً ، ولابد أن يصاب بالفتور.
ويزداد الدافع الذاتى بالتشجيع المستم وبيان أجر ومنزلة حفظة القرآن الكريم ومجالس القرآن، وإذكاء روح التنافس فى الحلقة أو البيت أو المدرسة .
7-مشاركة الحواس:
تختلف إمكانات الناس وقدراتهم فى الحفظ ، وتتفاوت قوة الحفظ بين شخص وآخر ،ولكن الاستفادة من عدة حواس يسهل الأمر ويرسخ الحفظ فى الذاكرة .
فاحرص على اشتراك حاسة النظر والسمع والنطق فى لك، لأن لكل حاسة طريقاً موصلاً إلى الدماغ، فإذا كثرت الطرق قوى الحفظ وترسخ.
ويكون لك بأن تبدأ حفظك بتلاوة جهرية لما تريد حفظه، وأنت تنظر فى الصفحة التى تتلوها، مع تدقيق النظر وتكراره حتى تنطبع صورة الصفحة فى ذاكرتك، ويشارك سمعك فى سماع التلاوة فيرتاح إليها ، وبخاصة إن كنت تقرأ مع التغنى المحبب إلى النفس، أما من يحفظ فى المصحف وهو ساكت، أو عن طريق سماع تسجيل للقرآن دون أن ينظر فى المصحف أو يكتفى أثناء حفظه بالقراءة بصوت خافت ، فكل هذه الطرق لا تؤدى إلى المطلوب بشكل ميسور .
ولتعلم أن الناس على قسمين، منهم من يحفظ عن طريق السمع أكثر مما يحفظ بالنظر، وهذا ذاكرته سمعية ، ومنهم من يحفظ عن طريق النظر أكثر ، فإذا قرأ من كتاب حفظه أكثر مما إذا سمعه ، وهذا ذاكرته بصرية ، فإن كنت من أولئك فاستعن بكثرة قراءة الآيات قبل حفظها مع إدامة النظر لفترة أطول فى المصحف ، ثم أغلق المصحف واكتب بخط يدك الآيات التى حفظتها وبعد ذلك قارن بين ما كتبته وبين المصحف، لتتعرف على أخطائك ومواطن الضعف فى حفظك كى تعيد تثبيتها ومراجعتها .
وإذا لاحظت أنك تخطئ كثيراً فى كلمة من كلمات القرآن أو تنساها كلما وصلت إليها فى المراجعة، فاربطها فى ذاكرتك بكلمة تشبهها من الكلمات المألوفة لديك، وعندها تتذكر هذه بتلك.
وقد أرشدنا إلى هذه الوصية الإمام ابن المنادى “رحمه الله “ حيث يقول: “كذلك فليفعل المعلم بالمتعلم، يأمره إذا كان معتاداً لنسيان كلمة من كلمات بأن يذكرها باسم معهود عنده، أو شيء مألوف لديه يشبه اسمها، فإنه يذكر ذلك إن شاء الله” (1)، ثم استدل بقول على لأبى موسى رضى الله عنه : “إن رسول الله أمرنى أن أسأل الله الهدى والسداد ، أذكر الهدى بهداية الطريق ، وأذكر السداد بتسديدات السهم” (2).
معينات على حفظ القرآن الكريم ومراجعته
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة