علامات موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الصالحات

روائع الفتح
طبوغرافي

maxresdefault

الأستاذ الدكتور / أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

من علامات موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الصالحات(للإمام يحيى بن معاذ رحمه الله)

وهذه حكمة مهمة جدا؛ لأن الإنسان المسلم يفرح بالطاعة، ويحزن عندما تفوته الطاعة، ويحزن من المعصية، ويحزن إذا فعلها، ومن سرته حسناته فهو مسلم لأنه فى زيادة، ومن ساءته سيئاته فهو مسلم، وإذا مات القلب انعدم الإحساس بالرؤيا؛ لأن القلب الميت لا يحزن ولا يفرح.

ويمكن له أن يفرح بالمعصية عندما يتمكن منها لأن قلبه ميت، ومع كثرة المعاصى دون الندم تغلق فى وجه العبد أبواب الرحمة، ولا ننسى سيرة التائب التى أوردها الإمام البخارى فى صحيحه هذا الرجل الذى قتل 99 نفسًا فانظر إلى عظم ذنبه الكبير، ولكنه حزن على هذا القتل بعد أن قتل تسعة وتسعين نفسًا، وذهب إلى أحد الناس، وسألهم هل له من توبة فقال له لا، فقتله أيضًا؟ فأتم المائة، ولكنه ظل نادمًا حزينًا، وبهذا الحزن تاب الله تعالى عليه بعد أن قتل مائة نفس لكنه لم يفرح بالقتل.

إن المسلم يؤدى الطاعة، وهو فى حالة خوف من عدم قبولها، فما بالك بالسيئة التى تسود وجه صاحبها، وتضعف جسده، و تدمر قلبه، وتوحش صدره .

علامات 4

إن المسلم يفعل الطاعة، ورغم هذا وهو يخشى ألا تقبل، فيظل فى حالة خوف بين الخوف، وبين الرجاء.

ولكن إذا مات القلب فإن الأمر يستوى عنده، فلا تعنيه الصلاة ولا الصيام ولا القيام بعدها، وهذا الفرق بينه وبين من إذا ضاعت منه صلاة قيام الليل يظل يبكى ويحزن.

إن المسلم يفرح بفضل الله تعالى لأنه يعيش بفضله ونعمه فهو من يعطيه الراحة والسكينة، والفرح بالطاعة أى أن القلب ما زال حيًّا، وعدم الفرح بها أى أن القلب ميت.

أيها الأحباب إن الوقت لن يعود مرة ثانية، والزمان لن يرجع لحظة واحدة، ولا ننسى أن لليل واجباته وللنهار واجباته أيضًا.

ومن حكمة الله سبحانه وتعالى أن أعمال الليل لا تدرك بالنهار وأعمال النهار لا تدرك بالليل، وما لم تؤتيه فى وقت شبابك لن تستطيع أن تؤديه فى وقت شيخوختك.

فلكل فترة زمنية فرحتها بالعمل، وهى ما تعطيك الرغبة أنك مواصلة هذا العمل، والمسلم لابد وأن يفرح بالله أن أختاره لهذه الطاعة ووفقه عليها، فالله تعالى فضلك على غيرك، والله تعالى يريد أن يبعد عنك الشيطان حين اصطفى لك هذه الطاعة، أى أن الله تعالى رأى فيك خيرًا .

علامات 3

فالذى يحفظ جزءا من القرآن لديه من العزيمة ما يجعله يحفظ جزءًا آخر، وثالثًا ورابعًا وخامسًا وسادسًا... حتى ينتهى من ختم القرآن الكريم.

وهذا حديث أصحاب القلوب الحية، والضمائر الحية لا أصحاب القلوب الميتة فهو دائمًا ما يستهتر، ودائمًا ما يستخف، ويندرج فى حياته الخاصة من اللهو، ورفقة السوء التى تميت قلبه.

(من علامات موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الصالحات)

من علامات صحوة القلب الفرح بالطاعة، واحتقار العمل وإن كان عظيما فى الخير، بمعنى أن المسلم يرى عمله ضعيفًا قليلا لا يضاهى نعم الله تعالى، وأن مهما كان عمل المؤمن من خير لن يدخله الجنة أبدًا، وألا يدخل الجنة إنسان بعمله أبدًا بل برحمة الله تعالى، أن يكون شعار المسلم دائمًا، كما يقول بعض الصالحين “ إن النار لم تخلق إلا لأجلى، فلو قيل للناس جميعًا ادخلوا الجنة إلا واحدًا.. لقلت أنا هذا الواحد” فهذا هو الصديق الذى يرضى الله تعالى عنه.

إن من علامات صحوة القلب أن المسلم لا يؤدى الطاعة فقط، وإنما يستعد لها ويتهيأ دائمًا، كما كان الصحابة رضى الله تعالى عنهم يستعدون لشهر رمضان قبلها بستة أشهر، ويودعون رمضان بخمسة أشهر، فالعام كله رمضان، ومن هنا فإن لكل طاعة سوابق وممهدات، وما يساعد لها، وما يعين عليها، وما ينشط فيها الإيمان وما يوقظه، وما يدفعك فيها إلى أن تكون من أهل الإحسان؛ إذ الفرحة بالطاعة معناها أن الإنسان لديه الرغبة فى أن يزيد الطاعة فإذا ما زاد الإنسان فى الطاعات لا يشبع منها.

والله تعالى يفتح لك على قدر ما تفرح بالطاعة، وعلى قدر ما يتأسف الإنسان على فوات الطاعة فهذا يدل على أن قلبه مازال حيًا.

وقد ذكر أن رجلاً حج سنوات عديدة حوالى عشرين حجة، وقد كان يحج ماشيا لا يركب دابة، وعاد من الحج متعبًا مرهقًا ذات يوم فنام، وكانت أمه مريضة متعبة فقالت له “ اسقنى يا ولدي، ومن شدة تعبه وإرهاقه لم يدرى ما قالت له، فقد كان يفيق وينام على اسقنى يا ولدي، ولما أصبح الصباح الباكر، وجدها ماتت فظل آسفا العمر كله؛ يقول يا رب.. أنا حججت عشرين سنة ماشيًا، وتموت أمى من العطش، وهو لا يعترض على حكم الله تعالى، ولكنه يرى أنه مذنب ذنبًا؛ لأن طاعته لأمه كانت واجبة، ومن هنا أدرك الحزن الحقيقى بعدما استصغر طاعته الكبيرة أمام ذنب عظيم؛ ولذا قال سيدنا صلى الله عليه وسلم “ خير الناس أنفعهم للناس” .

علامات 2

(من علامات موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الصالحات) .

مع هذه الحكمة المؤثرة ينبغى أن نتعلم منها أن نفرح بالطاعة، وأن نحزن على فواتها.. وأن نحزن من المعصية، وأن نحزن إذا فعلناها.. وأن نتوب إلى الله تعالى إذا فعلناها وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر فى المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة، وهو من غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.