الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
التاريخ لا يصنع شيئًا، إنما العمل هو الذى يصنع التاريخ، وبالعمل تتفوق الأمم وترقى، وتنتصر، ليس من أمجادك أن تتباهى بما صنع الآباء والأجداد، وإنما المجد الحقيقى أن تعمل أنت وتصنع أنت وتجاهد أنت.
الكل يعلم ماذا فعل أجدادنا، وكم فتح أجدادنا من بلاد، وأدخلوا الإسلام إلى أوربا، وأقاموا على أرضها المساجد، وأوصلوا راية الإسلام إلى أبعد البقاع، ولكن هل حافظنا نحن على هذا المجد وأكملناه.
نحن نمتلك فى بلادنا آلاف الأفدنة الزراعية والخصبة للمشروعات الزراعية أو الصناعية، ثم نحتاج القمح من غيرنا، لن يغنى مجد آبائنا عنا شيئًا ما دمنا خاملين متواكلين.
أسامة بن زيد رضى الله عنه، رأى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤهلات القيادة، ورأى فيه القائد الحق، فجعله أميرًا على جيش المسلمين وهو شاب، ولذلك الإسلام يصنع الرجال ليس بأمجاد الآباء والأمهات، ولكن بأعمالهم وجهادهم.
{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92-93] .
أعظم ما فى الإسلام المسئولية، وأجمل ما فى الإسلام أنه صبغة الله ومن أحسن من صبغة الله، كان الرجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، يزرع وهو مقوس الظهر لا يمنعه ذلك من أن يضع بذرته ليأكل منها غيره .
لقد ضرب النبى صلى الله عليه وسلم لنا المثل الأعلى، لقد كان يشارك أصحابه فى كل شيء، ويعمل بيده ويحمل معهم، وهذه هى القدوة النبوية العظيمة.
ولو نظرنا إلى جيل الصحابة، رضى الله عنهم نجده جيلًا يعجب الزراع بأخلاقه وزهده وجهاده، وصبره وصدقه.
لقد كانت الدنيا عند الصحابة رضى الله عنهم عند أقدامهم لا ينظرون إليها، ولا يخدعون بها، ولا تصدهم عن رسالتهم الحقيقية فى نشر الإسلام، وعن طاعة ربهم وجهادهم، كان الصحابة – رضى الله عنهم وأرضاهم - يستطيعون أن يملكوا كنوز الأرض، ولكنهم استغنوا عنها، حينما كانت الدنيا تحت أقدامهم فتحوا الممالك وحققوا النصر، ودخلوا قصور الملوك، والله سبحانه وتعالى- جعل فى قلوبهم زهدًا فى الدنيا، وحبًّا فى الآخرة، ولكن حينما نظرنا نحن إلى الدنيا، وتنافسناها فيما بيننا كان ما كان من تراجع، وكان ما كان من انكسار.
سيدنا عمر – رضى الله عنه - جاءته رسالة من بعض الولاة، يقول فيها: يا أمير المؤمنين، إن أناسًا قد اغتصبوا مالًا ليس لهم، لست أقدر على استخراجه منهم، إلا أن أمسهم بالعذاب، فإن أذنت لى فعلت.
فقال عمر: يا سبحان الله! أتستأذننى فى تعذيب بشر؟ وهل أنا لك حصن من عذاب الله؟ وهل رضائى عنك ينجيك من سخط الله أقم عليهم البينة، فإن قامت فخذهم بالبينة، فإن لم تقم فادعوهم بالإقرار، فإن أقروا فخذهم بإقرارهم، فإن لم يقروا، فادعوهم لحلف اليمين، فإن حلفوا فأطلق سراحهم، وايم الله لأن يلقوا الله بخيانتهم أهون من أن ألقى الله بهم.
سيدنا عمر رضى الله عنه خلده التاريخ، وطيب الله ذكره فى كل البقاع، لأنه طبق فى سلوكه ما قاله بلسانه .
فى عام المجاعة شحت المواد، وقلت اللحوم، فقرقر بطنه، فخاطب بطنه قائلا: قرقر أيها البطن أو لا تقرقر، فوالله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين .
هذه هى النماذج القائدة التى أخلصت لله ظاهرها وباطنها؛ فصارت قدوة تغير من حولها وتقودهم إلى طاعة الله وهدايته وعزة الإسلام وقوته نسأل الله العلى العظيم أن يجعلنا ممن هداهم إلى الحق ونور بصيرتهم بالصدق، وجعلهم مقتدين على طريق سيد المرسلين.. إنه نعم المولى ونعم النصير .
كانت الدنيا تحت أقدام الصحابة لم ينظروا إليها، ولم ينخدعوا بها ولم تصدهم عن طاعة ربهم
أمير المؤمنين حرم نفسه من اللحم حتى يشبع منه فقراء المسلمين
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة