التشبه ببيوت الأنبياء.. فى الصدق والصلاة والذكر

روائع الفتح
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

 maxresdefault

إن بيوت الأنبياء هي بيوت النور والإيمان التي تسطع برضا الله سبحانه وتعالى فتكون قدوة لمن اقتدى، وهدى لمن اهتدى، ولقد ذكر الله تعالى في القرآن نماذج نورانية من بيوت الأنبياء، وبين أن رضا الله سبحانه وتعالى كان غايتها الأولى، فهي بيوت أسست على تقوى الله والإيمان به وطلب رضاه والتنعم بنعيم الطاعات ، والتفيء يظل الطاعات.

قال – تعالى- : {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [سورة مريم: 54-55].

فبينت الآية أن إسماعيل عليه السلام في بيته كان دائم الأمر بالصلاة وطاعة الرحمن لأهله، وكان صادق الوعد ليكون قدوة لأهله ومن حوله في الصدق والوفاء.

قال ابن جريج لم يعد ربه عدة إلا أنجزها، يعني ما التزم عبادة قط بنذر إلا قام بها، ووفاها حقها.

لعلاج تاخر الزواج 1

وعن سهل بن عقيل ((أن إسماعيل النبي عليه السلام وعد رجلاً مكاناً أن يأتيه فيه، فجاء ونسي الرجل فظل به إسماعيل، وبات حتى جاء الرجل من الغد، فقال: ما برحت من ههنا؟ قال: لا، قال: إني نسيت، قال: لم أكن لأبرح حتى تأتيني، فلذلك كان صادق الوعد ((.

وقد روى أبو داود في سننه، عن عبد اللّه بن أبي الحمساء قال: بايعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل أن يبعث فبقيت له عليَّ بقية، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك، قال فنسيت يومي والغد، فأتيته في اليوم الثالث وهو في مكانه ذلك، فقال لي: ((يا فتى لقد شققت عليّ أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك))

وقال بعضهم: إنما قيل له (صادق الوعد) لأنه قال لأبيه {ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين}.

وقوله تعالى: {وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا} كان صابراً على طاعة ربه عزّ وجلّ، آمراً بها لأهله، كما قال تعالى لرسوله {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها}.

كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاح والعبادة ؛ ليجعلهم قدوة لمن سواهم كما قال تعالى {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء : 214 ] {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} [ طه : 132] فهم أحق أن يتصدق عليهم فوجب أن يكونوا بالإحسان الديني أولى.

وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ((رحم اللّه رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم اللّه امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء)) «أخرجه أبو داود وابن ماجه.

ومما ورد في هذا الباب قول الله جل وعلا في كتابه الكريم: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].

رُوِي عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان بعد نزول هذه الآية يكرِّر ذَهابه إلى بيت بنته فاطمة وبناته يأمرهم بالصلاة ويُذكرهم؛ كما ثبت في صحيح البخاري عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءهم ليلًا وأمرهم بالصلاة، فقال: ((الصلاة الصلاة))، قالوا: لا زلنا بليل يا رسول الله، فرجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا))، وثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بيت بنته فاطمة لما جاءت تسأله أن يعينها بخادم في إدارة شؤون البيت، فلما جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم ليلًا دلَّهم على الذكر والتسبيح.

القران

وفي تحفة الأحوذي  للمباركفوري، قال العيني: وجه الخيرية إما أن يراد به أنه يتعلق بالآخرة والخادم بالدنيا،  والآخرة خير وأبقى، وإما أن يراد بالنسبة إلى ما طلبته بأن يحصل لها بسبب هذه الأذكار قوة تقدر على الخدمة أكثر مما يقدر الخادم تقولان ثلاثا وثلاثين، وثلاثا وثلاثين، وأربعا وثلاثين من تحميد وتسبيح وتكبير، وفي الرواية المتفق عليها ـ كما في المشكاة ـ ((فسبحا ثلاثا وثلاثين وأحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين)).

وقد أُثِر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يدخل إلى بيته ويذكرهم ويقول: الصلاة الصلاة، ثم يستشعر قول الله جل وعلا: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].

والجانب الآخر الذي يحصن البيوت المسلمة وينزل عليها الأمن والسكينة ويذهب من بين جدرانها الوحشة ويجعلها بيوتًا آمنة مطمئنة تنعم برضا الله وسكينته ورحمته وهداه هو ذكر الله تعالى.

ولقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم آدابًا وأذكارًا وأفعالًا نملأ بيوتنا بها نورًا ونحفظها من كيد الشياطين ونجعلها روضة من رياض الجنة

فأمر المسلم أولاً أن يذكر الله عند دخول منزله فيقول: ((بِاسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا، وَباسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلِجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ)) ويقول الله جلَّ وعلا: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لأنس: ((يا أنس إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك تكون بركة لك وعلى أهل بيتك))، ويسن له أن يذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ ففي الحديث: ((إن المسلم إذا ذكر الله عند دخول منزله وعند طعامه قال الشيطان لجنوده: لا مبيت لكم اليوم ولا عشاء، فإن لم يذكر الله قال: أدركتم المبيت، فإن لم يذكر الله على طعامه ودخوله قال: أدركتم المبيت والعشاء))، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((خَيْرَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِى بَيْتِهِ، إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ))، ويقول: ((أيها الناس اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِى بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا))، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا صلى أَحَدُكُمُ فِي المَسْجِدِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلاَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ في ذلك خَيْرًا))، فإذا النوافل في بيتك فإنك تكون نموذجًا لأبنائك وزوجتك في الاقتداء بك والسير خلفك إلى رضا الرحمن فيعملون مثل عملك فتكون داعية إلى الخير.

القران 2

ومما يحفظ البيوت المسلمة تلاوة القرآن فالنبي صلى الله عليه وسلم رغب في ذلك فقال: ((اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة وقال: إِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ ولا تنالها البطلة)) يعني السحرة، فكتاب الله وقرأته في البيت دائما يحصن البيت ويحفظه من مكائد الشياطين.

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يقول الله تعالى: يا ابن آدم، تفرَّغ لعبادتي أملأْ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلًا ولم أسد فقرك))، وثبت عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من كانت الدنيا همه، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتِب له، ومن كانت الآخرة نيَّته، جمَع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة)). نسأل الله العلي العظيم أن يكتب لنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وأن يقينا هم الدنيا وعذاب الآخرة.