كان النبى صلى الله عليه وسلم يتشوق لاستقبال الكعبة دائمآ

روائع الفتح
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

maxresdefault

سورة البقرة : الآيات من 141-160

{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141) سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِى وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِى وَلَا تَكْفُرُونِ (152) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)}.

بيت-الله-الحرام

الذى ينفع العمل لا النسب:

يقول الله - تعالى -: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[141].

أعاد الله - سبحانه وتعالى - هذه الآية الفاصلة بين قصة إبراهيم وبنيه عليهم السلام، وبين قصص بنى إسرائيل، مؤكدًا سبحانه هذه القاعدة التى يثبتها كل دين قويم من الله، وكل عقل سليم.

وسياق هذه الآية يقطع أطماع أهل الكتاب فى الانتفاع بأسلافهم أو أجداد أسلافهم من الأنبياء العظام فالنافع هو العمل لا النسب.

إخبار القرآن باعتراض السفهاء على تحويل القبلة:

قوله سبحانه: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[142].

اشتملت هذه الآية الكريمة على سبع فوائد:

1-معجزة.

2-تسلية.

3-طمأنة قلوب المؤمنين.

4-اعتراض.

5-وجوابه من عدة وجوه.

6-صفة المعترض.

7-صفة المسلم لحكم الله.

أما المعجزة فهو إخباره عما سيقوله السفهاء من الناس قبل أن يقع، وأما التسلية فهى ضمنية فى إخباره للمؤمنين عما سيقع، وأما طمأنته لقلوب المؤمنين فهو بوصفه للمعترض بقلة العقل والحلم والديانة، وأنه لا يستحق الالتفات إليه بتاتًا. وأما الاعتراض فهو قولهم: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُوا عَلَيْهَا} وأما صفة المعترض فهى السفاهة بجميع معانيها ومبانيها، وأما صفة المسلم لحكم الله فهو السامع المطيع المنقاد بالتسليم والقبول.

وقد كان أنبياء بنى إسرائيل يصلون إلى صخرة بيت المقدس، وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم هو والمسلمون إليها زمنًا قبل الهجرة وبعده، وكان صلى الله عليه وسلم يتشوق لاستقبال الكعبة ويتمنى لو حول الله القبلة إليها، وكان يجمع بين استقبالها واستقبال الصخرة لما كان فى مكة، فإنه يصلى من جهة الجنوب بين الحجر الأسود والركن اليماني، فلما هاجر إلى المدينة تعذر عليه هذا الجمع فأخذ يقلب وجهه فى السماء يرجو الله أن يحوله عن هذه الوجهة التى يشترك بها مع اليهود، حتى أمره باستقبال الكعبة وحوله عن وجهة اليهود.

وقد ابتدأ الله الكلام فى هذه المسألة بإخباره عما سيقع من اعتراض اليهود عليها ووصفهم بالسفاهة.

فالسفهاء هم الذين لا يدركون شيئًا من حكمة الله فى توجيه المسلمين إلى قبلتهم الخاصة، ولا يمكن أن تعى قلوبهم ولا عقولهم ذلك، ولهذا يبادرون إلى الإنكار، لأنهم محجوبون عن حكمة التوجيهات.

{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُوا عَلَيْهَا} يعنى ما الذى صرفهم عن قبلتهم التى كانوا يستقبلونها وهى قبلة النبيين والمسلمين من قبلهم؟ وهذا الاستفهام والاستنكار والتعجب.

وفائدة تقديم الإخبار عن الله أنه لتوطين النفس وإعداد الجواب، لأن فى هذا الاعتراض على حكم الله وشرعه وفضله ما يؤذى المؤمنين؛ فسلاهم الله وأخبر بوقوعه وأنه إنما يقع من السفهاء فلا تبالوا بهم، لأن العاقل لا يبالى باعتراض السفيه ولا يلقى له سمعًا.

وسطية أمة الإسلام ومكانتها:

يقول الله - سبحانه -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[143].

الوسط هو العدل الخيار، فمن هداية الله لهذه الأمة وإكرامها لها وعنايته بها، أن جعلها أمة وسطًا بجميع معانى الوسط الطيب، اختارها الله أن تكون أمة وسطًا لتكون أمة القيادة للناس، والقوامة على الناس والوصاية على الناس بحكم رب الناس، ملك الناس، إله الناس جل وعلا.

وقوله سبحانه: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} يعنى جعلناكم وسطًا خيارًا فى كل ناحية من نواحى الدين والعقيدة والأخلاق والعلم والعقل والسلوك، لتكونوا خير أمة أخرجت للناس، وتكونوا شهداء على الناس بسبب عدالتكم وحكمكم بالقسط.

وفى قوله تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} تحذير للأمة من التفريط فى رسالته أو الرغبة عن سنته صلى الله عليه وسلم.

وقوله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} يعني: أن قضية التحول عن القبلة كبيرة الشأن، شاقة على النفوس، وقعها شديد، لما لابسها من دجل اليهود ومكرهم وتهويلهم وأراجيفهم، مما جعل بعض الناس ينقلب على عقبيه، ويظهر ما أكنه فى نفسه من الريب.

فهذا التحول صعب شاق {إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} يعني: هداهم إلى معرفته والعلم بحكم شريعته، فعرفوا بذلك نعمة الله عليهم، وشكروه شكرًا عمليًا، وأقروا له بالإحسان.

ثم قال سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أى لا يليق به، وليس من حكمته ورحمته.

وقوله سبحانه: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [144].

يذكر الله نبيه بتقليب وجهه فى السماء، يعني: كثرة تردده فى جميع جهاته شوقًا وانتظارًا لنزول الوحى بتحويل القبلة إلى الكعبة.

وقوله سبحانه عن نبيه: {تَقَلُّبَ وَجْهِكَ} ولم يقل (تقلب بصرك) لزيادة اهتمامه، ولأن تقلب الوجه مستلزم لتقلب البصر، وذلك لأن الكعبة قبلة أبيه إبراهيم، والتوجه إليها أدعى إلى إيمان العرب.

الصلاة هى المدد الروحى الذى لا ينقطع.. وفيها يزداد القلب لذة وسرورًا ومحبة لله

ولا غرابة فى تشوقه صلى الله عليه وسلم لقبلة إبراهيم، وقد جاء بإحياء ملته الحنيفية وتجديد دعوته، وليس بعد هذا من الرغبة عن أمر الله تعالى إلى هوى النفس، لأن تشوقه وتقلب وجهه ليس ناشئًا عن شهوة نفسية، وإنما نشأ عن رغبة دينية هى مخالفة اليهود، ومخالفة أعداء الله مما يرضاها الله لرسوله وأتباع رسوله، ويعينهم عليها.

وهكذا كانت قضية تحويل القبلة فى شعوره حتى قال له الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ} مصدر الوحى انتظارًا لما ترجوه من تحويل القبلة: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} لأن هذا التوجه بالرجاء إلى الله هو الذى يحبه الله ويهدى قلب صاحبه إلى ما يرجوه ويطلبه، فلذلك قال له فلنجعلنك متوليًا قبلة تحبها وترضاها، وقد قرن الوعد بالأمر فقال: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وتولية الوجه لمكان ما هى جعله قبلته وأمامه، كما أن التولى عنه جعله وراءه، والشطر يطلق على الجهة وعلى قسم من أقسام البيت.

لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا:

قوله تعالى: {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} النهى فى هذه الآية كالوعيد فى الآية السابقة، وجه الله الخطاب بها إلى محمد صلى الله عليه وسلم، والمراد أمته من كان منهم غير راسخ فى الإيمان أن لا يغتر بمظاهر المخادعين ولا يحصل له أدنى شك أو ريبة.

وقوله سبحانه: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَى قَدِيرٌ}[148].

يعنى أن أهل كل ملة له وجهة يتوجه إليها فى عبادته، فلم تكن جهة من الجهات قبلة للجميع تعتبر ركنًا، كالتوحيد والإيمان بالبعث، فإبراهيم وإسماعيل قبلتهما الكعبة، وبنو إسرائيل يستقبلون صخرة بيت المقدس ثم خالفهم النصارى فاستقبلوا المشرق، وكان الأنبياء المتقدمون يستقبلون جهات أخرى، فإذا كان الأمر كذلك، لم تكن جهة معينة ركنًا ثابتًا فى الأديان، فأى شبهة عقلية أو دينية يتشبث بها المشاغبون فى أمر القبلة؟ فليس الشأن فى استقبال القبلة فإنه من الشرائع التى تتغير بحسب الأزمنة والأحوال ويدخله النسخ، وإنما الشأن كل الشأن فى امتثال أمر الله والتقرب إليه بطاعته.

ولذا قال سبحانه: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} يعني: ابتدروا كل نوع من أنواع الخير بسرعة فعله، وليحرص كل واحد منكم على مسابقة غيره فيه وفق متابعة الشريعة لا متابعة الهوى، وهذا الأمر عام موجه إلى جميع أمة الدعوة ليس لأمة الإجابة فقط، فهو سبحانه يخبرهم أن العبرة بالمسابقة إلى الخيرات والتقرب إلى الله فيها وطلب الزُّلفى عنده، فإن هذا هو عنوان السعادة.

وقوله سبحانه: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[149].

يعني: من أى مكان خرجت، وفى أى بقعة حللت فى مراحل أسفارك، فاتجه فى صلاتك نحو المسجد الحرام، يعنى الكعبة، وهذا للعموم، ومن المعلوم أن المتنقل فى السفر يصلى حيث توجهت به راحلته، وذلك فى تفسير قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]، وأن المخطئ للقبلة فى السفر تجزيه صلاته فيما اتجه.

ثم قال سبحانه وتعالى: {ومِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِى وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[150].

ابتدأ الله سبحانه وتعالى هذه الآية بصيغة الأمر الوارد فيما قبلها وقرن بها صيغة الأمر السابقة، كما جمع فيها بين خطابه لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وخطابه لجميع المكلفين، ليترتب على ذلك التعليل وبيان الحكم له، وهى ثلاث: الأولى: قوله سبحانه: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} فليس هذا الجمع والإعادة لمجرد التأكيد، وإنما هو تمهيد للعلة وتوطئة لبيان الحكم الموصولة به، وهو أسلوب معهود عند البلغاء.

والمراد بالناس هنا هم المشاغبون المحاجون فى أمر القبلة المعروفون؛ وهم أهل الكتاب يعرفون من كتبهم أن قبلته الحقيقية هى الكعبة.

وأما المشركون فإنهم كانوا يرون أن نبيًا جاء من ولد إبراهيم لا ينبغى له أن يستقبل غير بيت ربه الذى بناه إبراهيم وإسماعيل وتوجها إليه فى صلاتهم، فلما جاء التحويل للقبلة الى هذا البيت الحرام دحضت حجتهم، ثم دحضت شبهات المنافقين، من ورائهم، فلم يبق لأحد حجة عليه وعلى المؤمنين، لا من يهود ولا من المشركين والمنافقين {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} ولم يقتنعوا بالحجة ظاهرًا وإلا فكأنهم فى قراره أنفسهم مدحوضون مغلوبون.

ويوجد من أجناس هؤلاء من يقول إنه رجع الى قبلة قومه لإرضائهم، وسيرجع إلى دينهم، ويقول المشركون: هكذا رجع إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا، ويقول المنافقون: إنه مضطرب متردد لا يثبت على قبلة.

وأمثال هذه الأقوال المزيفة من أهل الأهواء حسدًا وعنادًا لا قيمه لها ما دام البرهان بضدها وما دام الدليل قامعًا لرءوس أهلها، فإنه لا بد أن يبقى فيهم لفيف على سفاهته يتجاهل الدليل والبرهان، فلذلك قال الله سبحانه: {فَلا تَخْشَوْهُمْ} حيث لا مرجع لكلامهم من الحق، فلا يتمكن فى النفوس أبدًا لعدم استناده إلى برهان عقلى أو هداية سماوية {و} لكن {وَاخْشَوْنِ} أنا، فلا تعصونى بمخالفة ما جاءكم به رسولى عني، فإننى القاهر القادر على جزائكم بما وعدتكم وبما أوعدتكم، فخشية الله رأس كل خير، لأن من لم يخش الله لم ينكف عن معاصيه ولم يبتعد عن مشابهة أعدائه والتلقى منهم خشية منهم، لأن من زالت منه خشية الله ابتلى بخشية المخلوقين.

وهذه الآية الكريمة ترشدنا بكل جلاء ووضوح على أن صاحب الحق هو المرهوب الذى يخشى جانبه، وأن المبطل لا ينبغى أن يخشى، لأن المبطل مخذول كباطله، زاهق {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] وأن الحق يعلو ولا يعلى عليه.

الصبر والصلاة أكبر عون للمسلم فى مواجهة المصائب والبلاء:

يقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[153].

يعني: استعينوا على إقامة دينكم والدفاع عنه، وعلى سائر ما يشق عليكم من مصائب الحياة بالصبر وتوطين النفس على احتمال المكاره، فالصبر هو حبس النفس على ما تكره، وهو ثلاثة أقسام: صبرها على طاعة الله حتى تؤديها، وعن معاصيه حتى تتركها، وعلى أقداره المؤلمة فلا تتسخطها.

والصبر نصف الإيمان، لأنه ماهية مركبة من صبر وشكر، قال بعض السلف مستندًا إلى قوله تعالى: {إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ: 19].

قال ابن القيم ما معناه: لا يصل أحد إلى مقصوده إلا على جسر الصبر، كما لا يصل أحد إلى الجنة إلا على الصراط، وقد قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: ((خير عيش أدركناه بالصبر)).

ولئلا يضعف الصبر بطول المدة وكثرة المشقة أرشد الله عباده إلى الزاد والمدد الروحى العظيم، فقرن الصلاة إلى الصبر، وقال: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}، فهى المدد الروحى الذى لا ينقطع، والزاد المعنوى الذى لا ينضب ولا ينفد، فيها يزداد القلب قوة ولذة وسرورًا ومحبة لله، يستسهل بها الصعاب، ويقرب عليه بها البعيد، فتتجدد طاقات المؤمنين، ويمتد حبل صبرهم، وتكسبهم هذه الصلاة كمال الرضى والثقة واليقين.

ثم إن فى الصلاة منفعة عظيمة وعلاجًا واقيًا شافيًا من شر ما يصاب به الإنسان فى حياته الاجتماعية، وهو الشح والجبن القاضيان على شخصيته، والذى نبه الله عليها ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا* إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ } [المعارج: 19، 23].

ويقول الله - تعالى -: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [154].

الله سبحانه وتعالى لما حض على الاستعانة بالصبر والصلاة على جميع الأحوال ذكر نمودجًا مما يستعان بالصبر عليه، وهو المصير الحسن العظيم للجهاد فى سبيله الذى هو أفضل الطاعات البدنية وأشقها على النفوس لمشقته فى نفسه أولًا ولكونه مؤديًا للقتل وإزهاق النفس ثانيًا، تلك النفس التى يرغب الراغبون فى الحياة الدنيا من أجلها، ويعملون سائر التصرفات لجلب النفع والسرور لها ودفع ما يضرها، فالنفس أحب محبوب على الإنسان لا يرخصها إلا فى سبيل ما هو أغلى منها.

ولما كان حب الله ورسوله عند المؤمنين أعلى وأغلى من حبهم لأنفسهم أرخصوها فى سبيل الله، والله عز وجل سهل عليهم بذلها بإخباره لهم عن حسن مصير أنفسهم، وأنها تكون فى حياة جديدة سعيدة سعادة تامة لا تشبه حياتها الأولى، وأنها ترتع فى نعيم الجنة طيلة البرزخ إلى يوم القيامة.

المؤمن الموفق هو الذى يستفيد من مجارى الأقدار.. وينطق لسانه: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}

البلاء والرضا والبشرى:

قوله سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[155-157].

أكد الله هذا الابتلاء والامتحان بلام القسم فى قوله سبحانه {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} لتوطين الأنفس عليه، وقدم ابتلاءهم بالخوف لأنه من أعظم المصائب وأشدها وأقساها وقعًا فى النفوس، ثم بعد الخوف ثنى الله بالجوع لسوء وقعه على النفوس. ثم ثلث بالنقص الحاصل على الأموال والأنفس بالأمراض المختلفة الفاتكة وعلى الثمرات بالجوائح السماوية والأرضية من برد أوثلج أو مطر أو فيضان أو فساد فى الإنتاج، وقدم النقص فى الأموال لشدة وقعه على النفوس، لأن الإنسان فى الغالب يخاطر بنفسه مخاطرة مهلكة فى سبيل ماله المحبوب.

فالمؤمن الموفق هو الذى يستفيد من مجارى الأقدار، حيث يتربى ويتأدب بمقاومة الشدائد والأخطار فالمؤمن ينطق بـ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} بدافع الشعور بهذا المعنى ولا ينافى الصبر ولا المنطق بهذه الكلمة المباركة ما يحصل للمصاب من الحزن والبكاء الخفيف، لأن هذا من الرحمة ورقة القلب الذى لو فقدها الإنسان لكان قاسيًا، لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره، فليس هذا من الجزع المذموم.

{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157].

يعني: أن أولئك الصابرين المحتسبين عليهم من ربهم الرحمن الرحيم ما يحول دون تبريح المصائب لهم من أنواع صلواته العامة ورحمته الخاصة.

فأما الصلوات فالمراد بها ثناء الله عليهم فى الملأ الأعلى، كما فسر البخارى صلاة الله على خلقه بذلك.

وأما الرحمة فهى عامة، أولها: توفيقه إياهم للصبر وحسن العزاء، وجبرهم فى مصيبتهم بأن يخلف عليهم خيرًا منها.

تعظيم شعائر الله:

وقوله سبحانه: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [158].

الصفاء والمروة مصروفان، وهما {مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} يعني: أعلام دينه الظاهرة التى تعبد الله بها عباده. وإذا كانا من شعائر الله فقد أمر الله بتعظيم شعائره حيث قال: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: من الآية32]، فدل مجموع النصين على أنهما من شعائر الله، وأن تعظيم شعائره من تقوى القلوب، والتقوى واجبة على كل مكلف، وذلك يدل على أن السعى بهما فرض لازم، وركن من الأركان للحج والعمرة، كما عليه الجمهور، وكما دلت عليه الأحاديث النبوية الصحيحة من فعله - صلى الله عليه وسلم - وقوله ))خذوا عنى مناسككم)) {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، وهذا دفع لوهم من توهم وتحرج من المسلمين عن السعى بينهما، لكونهما فى الجاهلية تعبد عندهما الأصنام، فنفى سبحانه وتعالى الجناح لدفع هذا الوهم، لا لأنه غير لازم، وقيل إنه للإشارة إلى تخطئة المشركين الذين كانوا ينكرون كون الصفاء والمروة من شعائر الله، وأن السعى بينهما من مناسك إبراهيم، وذلك لفرط جهلهم بحقيقة دين إبراهيم، وجهلهم بدعوته لله، إذ يقول:{وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128]، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل شيئًا من تلقاء نفسه.

و(الجناح) بضم الجيم: الميل إلى الإثم، كجنوح السفينة إلى وحل ترتطم فيه. والمعنى: فليس عليه شيء من جنس الجناح، وهو الميل والانحراف عن مناسك الحج كما تزعمه الجاهلية.

وقوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} يعني: من فعل شيئًا من شعب الإيمان وأركان الإسلام تطوعًا غير مفروض عليه، ولكن يبتغى به نافلة له من تكرار حج أو عمرة أو طواف وغيره من أنواع الطاعات.

وقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 159، 160].

كان علماء أهل الكتاب يكتمون بعض ما أنزل الله فى كتبهم ولو بعد ذكر بعض نصوصه عند الحاجة إليه، لمقاصد خاصة وأغراض نفسية، مثل كتمانهم البشارة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - بعد أن كانوا يخبرون بها لحاجة الاستنصار على المشركين، ثم بعد مجيئه كتموا الحقيقة وحرفوها زاعمين أن الذى فى التوراة على غير هذا الوصف أو أنه الدجال الثانى المحذر منه فى التوراة، عكس المبشر به، وكتمانهم لحد الزنا وغيره، ففضحهم الله فى آيات عديدة.

وأوضح فى هذه الآية حقيقة عقوبتهم، وكيف سجلت عليهم وعلى أمثالهم اللعنة الدائمة من الله ثم من الناس أجمعين. فقوله: {يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} يعنى من جميع خلقه ثم استثنى التائبين الذين عادوا إلى ربهم وأصلحوا أعمالهم فإن الله سبحانه وتعالى كريم عفو رحيم لا يرد أحبابه عن بابه نسأل الله العلى العظيم أن يجعلنا من عباده المقبولين ومن أحبابه المكرمين.