الدكتور / أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
صنائع المعروف فى البيوت المسلمة صون لها من البلاء، وسعة لها فى الرزق، وسعادة لها فى الدنيا والآخرة، فكم من عمل صالح نبت فى بيت مسلم، فكان فاتحة خير عميم من الله رب العالمين فى الدنيا والآخرة.
كانت الصحابيات رضى الله عنهن يضربن أروع المثل فى صنائع المعروف
فهذه إحدى الصحابيات تضرب أروع الأمثلة التطبيقية فى ذلك عندما ضاف الرسول -صلى الله عليه وسلم- رجلاً فقال لنسائه فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله - صلى ا لله عليه وسلم-: ((من يضم أو يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمى ضيف رسول الله، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئى طعامك، وأصلحى سراجك، ونوّمى صبيانك إذا أرادوا عشاءً، فهيأت طعامها، وأصلحت سراجها، ونوّمت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يُريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ضحك الله، أو عجب من صنيعكما)) فأنزل الله :{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [رواه البخارى 3798].
وهناك كثير من القصص التى تبين أن البيوت التى تقوم على صنائع المعروف لا تضام أبدًا، وأن الله يكافئها بتفريج الكروب وغفران الذنوب وسعة الرزق والسعادة فى الدنيا والآخرة.
فمن ذلك ذكرت قصة فى ((دمية القصر)) فى ترجمة العلامة أحمد بن عيسى الكوكبانى الشامي، قال: ((أخبرنى أن زوجته مرضت مرضًا شديدًا، فأخرج فى مكيال شيئًا من الطعام، ونزل إلى الباب، فأعطاه فقيرًا، ثم عاد إلى زوجته، فإذا هى قد أفاقت وذكرت أنها رأت رجلين فى الهواء فى يد أحدهما حربة يريد أن يطعنها بها، فحال بينها وبين الحربة مكيال، ثم لم تر بعد ذلك شيئًا، وأفاقت وعرفت من عندها.
ومن ذلك قصة ذكرت فى كتاب ((نشر العرف: 1/489)) فى ترجمة الفقيه الحسن بن صالح العفارى فقد أخبر أن رجلًا اسمه أحمد بن صلاح العفارى الفقيه من سكان قلعة شهارة، أعرفه أنا وغيرى بالصلاح والزهد مرض وأغمى عليه وأيس منه أهله ووجهوه إلى القبلة وقعدوا يقرأون القرآن حوله، واتفق أن مسكينًا جاء إلى بابه، فأعطته زوجته حبًا فى طبق، ثم بعد مضى السائل، أفاق الفقيه وطلب مأكولًا وكلمهم، وقال: بينما أنا فى شدة عظيمة لا أغفل إذ دخل على من هذا الباب شخص كالجزار مشمر عن ساقيه وذراعيه، وبيده سكين، فأخرج من نطاقه مسنًا وجعل يسن السكين، ثم تقدم إلى ليذبحني، وقعد فوق صدرى وأنا شاخص إليه، وله هيبة ومنظر موحش، فبينما هو فى تقوية الذبح، إذ أنفلق السقف ونزل منه شخصان أبيضان فى غاية الوسامة وطيب الرائحة وبيد أحدهما طبق فيه حب، فكفاه عن قتلى وساراه بشيء، وأشارا إلى الطبق، وفهمت أن الله زاد فى عمرى ببركة الصدقة.
ومن ذلك أيضًا كان ابن الفرات أبو الحسن على بن محمد الوزير المعروف فى عهد العباسيين يتتبع أبا جعفر بن بسطام بالأذية ويضطهده بالمكارة، ويذل رجولته أمام الناس، وكانت أم أبى جعفر قد عودته منذ أن كان طفلًا أن تضع تحت وسادته التى ينام عليها رغيفًا من الخبز، فإذا كان من الغد تصدقت به على الفقراء، فلما كان بعد مدة من أذية ابن الفرات له،دخل ابن الفرات على أبى جعفر مفزوعًا، وقال له: لك مع أمك خبر فى رغيف، فأجابه:لا فقال: لابد أن تصدقني،فذكر أبو جعفر الحديث على سبيل التطايب بذلك من أفعال النساء، فقال ابن الفرات: لاتفعل " أى لا تتكلم بهذا ساخرًا" فإنى بت البارحة،وأنا أدبر عليك تدبيرًا لو تم لاستأصلتك، فنمت، فرأيت فى منامى كأن بيدى سيفًا، وقد قصدتك لأقتلك، فاعترضتنى أمك بيدها رغيف تدافع به عنك وتدفعنى بعيدًا، فما وصلت إليك.. بعد ذلك تصافيا، وقال له ابن الفرات والله لا رأيت منى بعدها سوءًا أبدًا.
إن لصنائع المعروف فى البيوت المسلمة التى كتب الله لها السعادة لثمرات وثمرات، منها :
1-صرف البلاء وسوء القضاء فى الدنيا:
عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة)) [ابن ماجه:2417].
ولما عرض جبريل للنبى صلى الله عليه وسلم فى غار حراء رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضى الله عنها فقال: ((زملونى زملوني)) فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسى فقالت خديجة: ((كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الدهر)) [البخارى ومسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو أمامة ((صنائع المعروف تقى مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب)) [رواه الطبرانى فى معجمه الكبير 8014].
2- دخول الجنة: روى عن أبى أمامة رضى الله عنه أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول:((إن أهل المعروف فى الدنيا هم أهل المعروف فى الآخرة، وإن أول أهل الجنة دخولًا أهل المعروف)) [رواه الطبرانى فى الكبير 8015]. وعن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((لقد رأيت رجلًا يتقلب فى الجنة فى شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذى الناس)) [مسلم 1914].
3- مغفرة الذنوب والنجاة من عذاب وأهوال الآخرة:
عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا: أعملت من الخير شيئًا؟ قال: لا. قالوا: تذكر، قال: كنت أداين الناس فآمر فتيانى أن ينظروا المعسر ويتجوزوا عن الموسر، قال: قال الله: عز وجل تجوزوا عنه))، وفى رواية عند مسلم ((فقال: الله أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدى )) [مسلم 1560، البخارى 2077].
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا رجل بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذى كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله وإن لنا فى البهائم لأجرًا؟ فقال: فى كل ذات كبد رطبة أجر)) [البخارى، مسلم].
وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما رجل يمشى بطريق وجد غصن شوك على الطريق، فأخذه، فشكر الله له فغفر له)) [البخارى 2471، مسلم 1914].
هذه ثمرات قليلة من ثمرات كثيرة وحسنات مدخرة وكنوز وجنات أعدها الله سبحانه وتعالى لبيوت تسعى إلى صناعة المعروف وإعانة المحتاج وتفريج الكروب عن المكروبين نسأل الله العلى العظيم أن يجعل لنا من فضله ورحمته وغفرانه نصيبًا إنه سبحانه المنعم الوهاب.
بيوت صنائع المعروف.. تقى مصارع السوء
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة