بقلم أ.د/أحمد عادل عبد المولى.. أستاذ البلاغة والنقد الأدبي المساعد
اللغة كائن حيّ، تحيا على ألسنة الناس، ويحيا بها الناس أيضًا؛ إذ إنها وسيلة التواصل بين البشرية جميعًا، ولذلك أشبهت الهواءَ الذي لا غنى للإنسان عنه، ومن هنا يأتي هذا المقال بعنوان "نسمات لغوية"، نسعى فيه جاهدين لتقديم فائدة لغوية في لغتنا العربية.
ولأن اللغة كائن حي؛ فكثيرًا ما نستخدم في حياتنا اليومية تعبيراتٍ وألفاظًا نعتقد أنها منبتّة الصلة عن الفصحى، ولكنها في الحقيقة من أصل فصيح في لغتنا العربية، من هذا استخدامنا للفعل (شاف) بمعنى (نظر إلى الشيء)، ويظن البعض أن هذا الفعل ليس فصيحًا، بل عاميًّا، وأن مقابله في الفصحى هو (رأى) أو (نظر).
ولكن الحقيقة أن هذا الفعل صحيح في العربية الفصحى، فنقول: شاف يشوفُ، وشفتُ، وشفنا... وغير ذلك؛ حيث تدور معاني الكلمات المشتقة من الجذر (ش و ف) في المعاجم القديمة والحديثة حول النظر والرؤية والتطلُّع للشيء، ففي اللسان: (اشتاف فلان): إذا تطاول ونظر، و(تَشَوَّف إلى الشيء) أي تطلع. ولأن الفعل «شاف» لم يرد ضمن الكلمات الدالة على معنى النظر والرؤية في المعاجم القديمة؛ جاء الظن بأنه ليس موجودًا في العربية الفصحى، لكن المعاجم الحديثة كالوسيط والأساسي ذكرت هذا الفعل بهذا المعنى.
ولعلّ هذا الفعل يتميز عن الفعلين (رأى) و(نظر) بأنه مختص بالنظر العيني فقط؛ لأن الفعل (رأى) كما هو معلوم يحتمل دلاليًّا الرؤية العينية البصرية، والرؤية العلمية القلبية، وتلحق بالأخيرة الرؤية المناميّة، فنقول: "رأيت الله كريما"، بمعنى علمت وأيقنت، ومن الرؤية المناميّة قوله تعالى: "إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ" (يوسف 4).
ومن الرؤية العينية قوله تعالى لنبيه –صلى الله عليه وسلم- عن المنافقين: " وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ." (المنافقون 63).
وكذلك الفعل (نظر) إذ يتسع معناه طبقًا للمتعلّق به، فنقول: (نظر في) بمعنى (تأمل وتدبّر)، و(نظر الأمرَ) بمعنى (انتظره وتوقعه)، و(نظر بينهم) أي (حكم)، و(نظر، ونظر لـ، ونظر إلى) بمعنى (شاف).
إذًا فالفعل (شاف) يختص بالحالة الأخيرة فقط؛ ولهذا نقول: شافَ يَشُوف، شُفْ، شَوْفًا، فهو شائف، والمفعول مَشُوف. ويستخدم لازمًا فنقول: "شاف الرجلُ"، بمعنى صعد إلى مكان مرتفع ونظر، ويستخدم متعديًا فنقول: "شاف الولدُ المباراةَ" أي شاهدها ونظر إليها. وكان ذلك هو المسلك الأثير للعامية في تخيرها من فصيح العربية.
نسمات لغوية - الفعــــل: شاف
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة