الأستاذ الدكتور / أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
لا بد أن نعلم علم اليقين أن خير أرض تنبت فيها تعاليم الإسلام وأوامره ونواهيه هى أرض البيت المسلم تلك التربة الطيبة التى يتربى فيها رجال المستقبل ونساء المستقبل، فإذا بذرت فى هذه التربة بذور الصلاح أينعت بساتين الإسلام وأعجبت الزارعين وأدخلت السرور على قلب الناظرين .
وإن من أهم البذور التى تشيع السعادة فى البيت المسلم نعمة الاعتدال، فلا إفراط فى أمر من أمور هذا البيت ولا تفريط فيه، فلا إثقال على كاهل الزوج بالإسراف فى النفقات وشراء الغالى والنفيس، ولا شح وبخل بما من الله به من الخيرات، وأسبغ الله من النعم ، ولا تفريط فى تطبيق ما أمر الله به من الستر والعفاف والحجاب، ولا إفراط فى الغيرة على الزوجة أو الزوج من غير ريبة بحيث تتسرب الظنون إلى القلوب ويدب الشك إلى النفوس، ولا استبداد للرجل برأيه فلا يرى رأيا غير رأيه ولا يعتقد سواه، ولا تفريط فى القوامة بحيث يترك أمره إلى زوجته أو أبنائه ويتخلى عن القوامة التى أقامه الله فيها راعيًا يحاسب يوم القيامة عن رعيته.
بين الإفراط والتفريط تبرز قيم الإسلام وشريعته يانعة مثمرة، فنرى أشجار الشورى وإعطاء حق الزوجة والاستقامة والعفاف والمودة والإنفاق والعطاء والمحبة والصدق فى ظل بستان بيت سعيد.
جاء سلمان الفارسى لأبى الدرداء رضى الله عنهما يزوره، وقد آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أم الدرداء مبتذلة، فقال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك لا حاجة له فى الدنيا، يقوم الليل، ويصوم النهار!! فجاء أبو الدرداء، فرحب به، وقرب إليه طعامًا فقال له سلمان: كُلْ. قال: إنى صائم، قال: أقسمت عليك لتفطرن، فأكل معه، ثم بات عنده، فلما كان الليل، أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان. وقال: إن لجسدك عليك حقًا، ولربّك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، صُم وافطر، وائت أهلك، وأعط كل ذى حق حقه، فلما كان وجه الصبح، قال: قم الآن إن شئت، فقاما، فتوضآ ثم ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فأتى النبى صلى الله عليه، فذكر ذلك له، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: “صدق سلمان” [رواه البخارى 0فتح 4/209)]
ففى هذا الحديث ينبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خير العبادة ما كان وسطًا وأن العابد الحق هو الذى لا يهمل حقوق زوجته، بل يجعل لها من وقته وحياته النصيب الذى أمر الله سبحانه وتعالى به.
وأكثر من ذلك، ما يقع من إهمال كثير من النساء لزينتهن أمام أزواجهن، أصحاب الحق بالزينة وقد تمرُّ بالواحدة الأيام والليالى لم تبدُ خلالها بمظهر حسن لزوجها، وهذا ينافى الاعتدال فكما للزوجة حق على زوجها كذلك للزوج حق على زوجته أن تظهر من الكلف به والرعاية والمحبة والتزين ما يجعله يزداد منها قربًا ومحبة.
وإن من خير ما تحلّت به المرأة المسلمة من الصفات مع زوجها مراعاتها لطاقته وقدرته فى النفقة، فلا إلحاح فى حالة العسر، ولا شراهة فى وقت اليسر، بل تلبس لكل حالة لَبُوسها، وترضى منه باليسير، وشر ما اتصفت به المرأة الشراهة وكثرة المطالب وهذا لا يزيدها من زوجها إلا بُعدًا، ولا من قلبه إلا بُغْضًا.
وقد هجر النبى صلى الله عليه وسلم أزواجه شهرًا لما سألنه فى النفقة، وأكثرن عليه فيها حتى أنزل الله سبحانه قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِى قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28، 29]. فخَيَّرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنه [رواه مسلم (1478) ]. وعلى الرجل ألا يكون شحيحًا على أهله، مقتّرًا عليهم، بل ينفق عليهم من سعته ولا يكلف الله نفسًا إلى ما آتاها، {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7].ويعلمنا النبى صلى الله عليه وسلم قيمة الشورى فى البيت المسلم وعدم استبداد الرجل برأيه فالقوامة لا تعنى أن يكون الرجل له الكلمة الأولى والأخيرة بلا أخذ ولا رد ولا تشاور مع زوجته وأولاده .فقد كان الرجل من الصحابة يطلب المشورة من زوجته فهذا أبو طلحة –رضى الله عنه- يريد أن يدعو رسول الله –صلى الله عليه وسلم – على طعام وليس فى بيته شيء، فيعرض الأمر على زوجته مستشيرًا مستنصحًا، فقال أبو طلحة : ((يـا أم سليم قد جاء رسول الله بالناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت : الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتى لقى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم – وأبو طلحة معه فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: ((هلمى يا أم سليم ما عندك ))، فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت وعصرت أم سليم عكة فآدمته . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن يقول، ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، والقوم سبعون أو ثمانون رجلا)).
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: خطب النبى صلى الله عليه وسلم على جليبيب امرأة من الأنصار إلى أبيها، فقال: حتى أستأمر أمها فقال النبي: فنعم إذن قال: فانطلق الرجل إلى امرأته فذكر لها)) وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فى هذا الحديث - قد أقر الرجل على استئمار زوجته فى نكاح ابنته، رغم أن الخطبة كانت بطلب وأمر منه – صلى الله عليه وسلم - فهذا القرار يفيد بجانب الجواز الحث والاستحباب. وكانت المرأة تطلب المشورة من زوجها : فعن ميمونة بنت الحارث رضى الله عنها أخبرته أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبى صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذى يدور عليها فيه قالت: أشعرت يا رسول الله أنى أعتقت وليدتي؟ قال: أو فعلت؟ قالت: نعم قال : أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك)) فقوله صلى الله عليه وسلم –: ((إما أنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك )) يُفهم منه أنها لو استشارته –صلى الله عليه وسلم –لأشار عليها بما هو أعظم لأجرها.
وإن من ميادين الاعتدال فى البيت المسلم الواقعية فى المطالبة بالحقوق وأداء الواجبات: فليس من حسن العشرة أن يُكلّف الزوج امرأته شططًا، وينهكها فى تحقيق حقوقه تعبًا، بل عليه أن يسلك هديًا قاصدًا، ويتغاضى عن بعض حقوقه فى سبيل تحقيق المهم منها، إحسانًا للعشرة، وتخفيفًا على الزوجة.
وكذا حال المرأة مع زوجها لتستديم محبته، وتكسب ثقته ومودته.
نسأل الله العلى العظيم أن يرزقنا وإياكم بيوتًا ننعم فيها بالطاعة والسكينة والمودة والرحمة إنه المنعم الوهاب.
الاعتدال..فضيلة غائبة عن بيوتنا
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة