الإعجاز التربوى فـى القرآن الكريم والسنة النبوية

روائع الفتح
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

كتاب اللغة 5

- وفـى قصة أم سليم وأبي طلحه - رضي الله عنهما – وصبرهما على فقد الولد نجد أنفسنا أمام نموذج مضيء للمرأة المسلمة الصابرة التي تؤثر رضا الله على عواطفها، وتصبر على فقد ولدها صبرًا جميلًا، نتعلم العديد من القيم التربوية، منها: الصبر والرضا بقضاء الله – سبحانه على كل حال، والتسليم له – تعالى – فـيما قضى وقدر بنفس راضية مطمئنة، ومنها: عون المرأة لزوجها على الالتزام بأوامر الله، ومشاركته فـى محنته وحضه على الصبر والطاعة كما فعلت أم سليم، كما نتعلم من قصتهما أن الله يجزي الصابرين الجزاء الأوفى، ويعطي الصابر أجره بغير حساب فـى الدنيا والآخرة.

كتاب  الاعجاز التربوى5
- وفـى قصة الغلام مع الملك الظالم يضرب لنا مثلًا رائعًا فـى الفداء والصبر والتضحية بالنفس من أجل الدعوة إلى الله حينما قال للملك: تَجْمَعُ النَّاسَ فـى صَعيدٍ وَاحدٍ وتَصْلُبُني عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فـى كَبدِ القَوْسِ ثُمَّ قُلْ: بسْم الله ربِّ الغُلاَمِ، ثُمَّ ارْمِني، فَإنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ قَتَلتَني، لقد كان هدفه الأول هو هداية الناس إلى طريق التوحيد حتى لو كان ذلك لا يتأتى إلا بصلبه وقتله، لقد جاد بنفسه راضيًا فـى سبيل الله – تعالى – وفـى سبيل الحق، رجاء أن يؤمن الناس بربه الواحد الأحد، إن هذا الثبات على الحق وجود الغلام بنفسه غرس فـى الذين آمنوا بعد موته صلابة فـى دينهم، وتضحية بأنفسهم فـى سبيله.
- وفـى قصة رفق الرجل بالكلب الذي اشتد به العطش نتعرف على رحمة الإسلام الشاملة التي يدخل تحتها الحيوان الأعجم، الذى سخره الله لخدمة الإنسان، فمن الواجب صيانة هذه النعمة حتى يدوم الانتفاع بها، بل إن رحمته شملت الحيوانات الأخرى التى لا تظهر فـىها المنفعة المباشرة فى الأمور الأساسية للحياة؛ لأنها على كل حال مخلوقات تحس بما يحس به كل حيوان.

كتاب  الاعجاز التربوى 2
- ونحن مع القصة الأخيرة مع درس فـى الأخوة فـى الله، تلك الأخوة التي تقوم على المحبة والإخلاص والتقوى، وتثمر رضا الله ومحبته والفوز فـى الدنيا والآخرة، وتزيد من تماسك المجتمع، وتنمية الأخلاق الفاضلة كالإيثار والبذل والستر، والدفاع عن أعراض المسلمين والتعاون بين أفراد المجتمع المسلم الأخوة المتحابين بغية رضا الله فـى الدنيا والآخرة.
هذه رحلتنا مع بعض القصص التربوية فـى السيرة النبوية رحلة إيمانية تنزل على القلب طمأنينة، وعلى الروح هدى، تحمل هذه النماذج قيمًا عالية للتربية القويمة التي تنشئ المسلم القوي السوي، وتحتوي على العديد من الأخلاق التي يقوم عليها الحب والمودة والطهارة والنقاء، وبعد عشنا مع هذه القصص التربوية النبوية الكريمة نتناول جانبًا آخر أولاه القرآن والسنة اهتمامًا كبيرًا وهو تربية الطفل ذلك الجانب الذي يعد من أهم الجوانب فـى التربية الإسلامية لأنه الأساس الذي يقوم عليه الفرد المسلم والمجتمع المسلم، وهذا ما نتناوله فـى الفصل التالي، وهو بعنوان: الإعجاز التربوي للقرآن والسنة فـى تربية الطفل.
الفصل الرابع
الإعجاز التربوي للقرآن والسنة فـى تربية الطفل
محتويات الفصل
المبحث الأول: البناء الإيماني والأخلاقي للطفل.
المبحث الثاني: البناء العاطفـى للطفل.
المبحث الثالث: البناء البدني للطفل.
المبحث الرابع: أحكام خاصة بالطفل.
*خلاصة هذا الفصل:

كتاب  الاعجاز التربوى6

1- عني الإسلام فـى تربية الطفل الإيمانية والأخلاقية أن يضع أمامه أهم مصادر الاستقامة الإيمانية التي تضمن له الاستمساك بالعقيدة الصافـية والتي تمثل زادًا فـى حياته كلها، وهذه المصادر هي شهادة أن لا إله إلا الله التي تلامس أذنه بعد الولادة، ثم أمره بالصلاة ذلك الركن الذي يعد أعظم أركان الإسلام، ثم دعا الإسلام إلى ترغيب الصغير فـى حفظ القرآن حتى يبنى إيمانه على المصدر الناصع للإسلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
2- كما حرص الإسلام على تعويد الطفل على القيم الأخلاقية فـى صغره حتى يشب مسلمًا محملًا بالقيم الأخلاقية العظيمة، التي تجعله عضوًا صالحًا فـى المجتمع المسلم يكون أهلًا لحمل الشدائد.
3- حرص الإسلام على مراعاة السمات العاطفـية للطفل، فدعا إلى الرفق فـى معاملة الطفل حتى يحمل الطفل ذلك الخلق فـى حياته كلها، كما راعى الإسلام الحالة الخاصة لليتيم، وما يمر به من الشعور بفقد الأب فحض على الإحسان إليه وإكرامه وكفالته.
4- ترك لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – نماذج مضيئة فـى التعامل مع الأطفال فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يداعب الأطفال ويمازحهم ويرفق بهم، ولا شك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لنا خير قدوة وأسوة فـى أمور ديننا ودنيانا.
5- عني الإسلام بالتربية البدنية للطفل حتى يكون فردًا يتمتع بالقوة التي يحتاجها الفرد المسلم فـى تحمله لأعباء الدعوة، والجهاد فـى سبيل الله، ونفع مجتمعه بما حباه الله من قوة، ولذلك دعا الإسلام إلا الاهتمام بهذا الجانب عند الأطفال فأمرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – أن نعلم أبناءنا السباحة والرماية وركوب الخيل، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعلم الصحابة المسابقة، والفروسية كل ذلك يصب فـى قوة الفرد المسلم التي يستفـىد منها المجتمع بصفة عامة.
6- فـى أحكام الإسلام التي وضعها للطفل تتمثل عظمة الإسلام الذي يراعي مصلحة الصغير الضعيف، ويوجب له ما يحافظ على حقوقه فـى هذه المرحلة التي لا يملك فـىها الاختيار؛ فقد أوجب له اختيار الاسم الحسن والعق عنه، وأوجب له الرضاعة والنفقة حتى يشب عضوًا صالحًا فـى المجتمع المسلم.
الفصل الخامس
جوانب الإعجاز التربوي فـى خصائص التربية الإسلامية فـى القرآن الكريم والسنة النبوية
محتويات الفصل
المبحث الأول: التربية بمراعاة الفطرة (موافقة الشريعة للفطرة).
المبحث الثاني: التربية بالمعايشة.
المبحث الثالث: التربية الأسرية الشاملة.
المبحث الرابع: التربية بالعادة.
المبحث الخامس: التربية بالتدرج.
المبحث السادس: خصائص القيم التربوية فـى القرآن الكريم.
خلاصة هذا الفصل:

كتاب  الاعجاز التربوى4
1- إن الفطرة متأصلة فـى قرارة النفس الإنسانية إذ هي تعلم أن هذا الكون بكل ما فـيه من عجائب وأمور عظام هو مخلوق لله الواحد الأحد، ولذا جاء الإسلام ليعيد الإنسان إلى فطرته الأولى والطريق الحق، ويزيل الوسائط بينه وبين الله، فكانت إحدى خصائص التربية الإسلامية هي موافقة الإسلام للفطرة.
2- المتأمل فـى أحكام الإسلام يجد التوازن الذي لا يغفل جانبًا إنسانيًّا على حساب جانب آخر، كما أنه لا يغفل أي جانب فـى حياة الفرد والجماعة، لقد وضع الإسلام على كل حقوق، وأعطى كلًّا واجبات، ومن يتأمل الواجبات والحقوق التي جاء بها الإسلام يجد أنها تصب كلها فـى مصلحة الإنسان فالإسلام جاء بمنهج التكافل بين المؤمنين، وهو ما يعود على الجميع بالخير، والإسلام حض على عدم أكل مال الغير، والعدل، وعدم الظلم وهو ما يشعر الفرد المؤمن فـى ظل هذا المجتمع بالأمان والراحة النفسية، حيث يكون مطمئنًا أنه لن يظلم، ولن يهضم حقه، ولن يعتدى على نفسه ولا عرضه.
3- التربية بالعقاب والثواب تحدث عنها القرآن الكريم وتتضح معالمها جلية فـى قصة ذي القرنين فـى قوله تعالى: [قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا. وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا] [الكهف: 87، 88]، ولقد اتبع النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا الأسلوب فـى تربية أصحابه، وقد اتخذ هذا المنهج عند النبي – صلى الله عليه وسلم – صورًا منها الغضب، ومنها العقاب بالفعل، ومنها الهجر، إلا أن ذلك لم يكن هديه الراتب - صلى الله عليه وسلم - فقد كان الرفق هو صفته وهديه – صلى الله عليه وسلم.
4- يتمثل مفهوم المعايشة فـى التربية أن يكون المربي والمعلم مخالطًا لمن يتعلم، ومن يتلقى عنه فـى أمور حياته، وليس منعزلًا عنه لا يعرف من أحواله وأموره شيئًا، ولقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم –يخالط أصحابه ويسأل عنهم، ويعودهم إذا مرضوا، وكان لهذا أثره الكبير فـى حب الصحابة للتعلم وإخلاصهم فـى تلقي الدعوة.
5- من الأسس العظيمة التي جاء بها الإسلام فـى تربية الأسرة أن جعل الإساس الذي تبنى عليه الأسرة المسلمة يقوم على الصلاح والإيمان والعفاف حتى يثمر ذلك البناء بيتًا صالحًا وذرية صالحة تكون لبنة فـى المجتمع المؤمن الذي يعبد الله حق عبادته.
6- والإسلام ينظر إلى التربية بالعادة على أنها وسيلة من وسائل التربية، فـيحول الخير كله إلى عادة تقوم بها النفس من غير جهد وبغير مقاومه، ولا يعني هذا أن يتحول الفعل إلى آلية جامدة فـى الأداء فالإسلام يحول دون هذه الآلية الجامدة فـى الأداء بالتذكير الدائم بالهدف المقصود من العادة، والربط الحي بين القلب البشري وبين الله ربطاً تسري فيه  الاشعاعة المنيرة للقلب، فهو يهدف إلى استمرارية العبادة مع استشعارها دون النظر فـى الكم.
7- اتخذ الإسلام التدرج فـى التربية والدعوة والتعلم منهجًا بارزًا، ولم يعرض الإسلام جملة واحدة، بل تدرج النبي – صلى الله عليه وسلم – فـى تربية الصحابة الكرام حتى أثمر هذا المنهج وجعل منهم أعظم جيل عرفه التاريخ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَنَسْأَلُكَ حُبًّا يُقَرِّبُنَا إِلَى حُبِّكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الصِّدْقَ وَالوَفَاءَ، ونَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَنَسْأَلُكَ إِخْلَاصَ الأَتْقِيَاءِ، وَنَسْأَلُكَ مَوْتَ الشُّهَدَاءِ، وَنَسْأَلُكَ أَنْ تَحْشُرَنَا فِي زُمْرَةِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ صلى الله عليه وسلم.
وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، والحمد لله رب العالمين.