التفسير الموضوعي:سورة البقرة 231-245

التفسير الموضوعي
طبوغرافي

لفضيلة الدكتور /أحمد عبده عوض

 

القران 2

قال – تعالى- : {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم* وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون* وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير* وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير* وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيم* لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِين* وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير* حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِين* فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُون* وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم* وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين* كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُون* وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيم* مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون} [البقرة: 231-250].

 DSC_0820

معاملة المطلقات في الإسلام:

قال تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 231].

المراد بالأجل: هو زمن العدة من التربص بالأقراء، ومعنى ﴿ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ أي: قاربن إتمام العدة.

﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ أي: اعزموا على أحد الأمرين.

﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾ أي: لا تراجعوهن بقصد الإضرار بهن، كما هو شأن أهل الجاهلية.

﴿ ومَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ وجلب إليها الضرر، لانتقاصه أوامر الله والاستهانة والاستخفاف بها. وقوله سبحانه: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ﴾ يعني: اذكروا نعمة الله عليكم حيث هداكم للإيمان.

وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 232].

قال الشافعي رحمه الله:

دل سياق الكلام على افتراق البلوغين، وذلك أن الإمساك بمعروف، والتسريح بمعروف في الآية السابقة، لا يتأتى بعد انقضاء العدة، لأن انقضاءها إمضاء للتسريح، لا مجال معه للتخيير، وإنما التخيير يستمر إلى قرب انقضائها.

ولا يجوز الإضرار بالزوجة بأي حال من الأحوال وقد كلف الله تعالى الرجل إما أن يمسك زوجته بمعروف أو يسرحها بإحسان ، وهذا التكليف نصت عليه ثلاث آيات في كتاب الله تعالى ؟

1-قوله تعالى :{الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة 229].

2-وقوله تعالى : {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا} [البقرة 231].

3-وقوله تعالى : {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} [الطلاق: 2].

وعضل النساء عن النكاح هو من سنن الجاهلية، فأحياناً يعضلها زوجها، بصد الناس عنها، وتحذيرهم، أنفة منه أن يرى زوجته تحت غيره، وأحياناً يكون العضل من جهة الأولياء يمنعونها من الزواج ممن تحبه ، ويكرهونها على من لا تريده تحكماً فيها.

وقد أخرج البخاري وأصحاب السنن وغيرهم من حديث معقل بن يسار قال: ((كان لي أخت، فأتاني ابن عم لي فأنكحتها إياه، فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقة، ولم يراجعها حتى انقضت العدة، فهويها وهويته، ثم خطبها في الخطاب، فقلت له: يا لكع، أكرمتك بها، وزوجتكها فطلقتها، ثم جئت تخطبها، والله لا ترجع إليك أبداً، وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فعلم الله حاجته إليها، وحاجتها إلى بعلها، فأنزل الله هذه الآية، قال: ففيَّ نزلت وكفَّرت عن يميني وأنكحتها إياه)).

حق المولود في الرضاعة:

قال تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 233].

جاء الأمر من الله بصيغة الخبر للتقرير، وكما يجب على الأم إرضاع ولدها فإنه يجب اختصاصها بإرضاعه، بمعنى أنه ليس للوالد أن يمعنها منه ولا أن تمتنع هي عن إرضاعه، فإن من حقوق الوالدات إرضاع أولادهن.

﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ بالشيء المتعارف به والمولود له هو الأب.

وقوله تعالى: ﴿ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ الوسع ضد الضيق، وهو ما تتسع له القدرة، وذلك لتفاوت الناس في الإعسار واليسار.

وقوله سبحانه: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ فيه نهي صريح عن المضارة، مضارة المرأة بولدها، فتمنع من إرضاعه، فإضرارها بولدها أمر مجانب للرحمة.

وقوله سبحانه: ﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾ الفصال: هو الفطام، لأنه يفصل الولد عن أمه ويفصلها عنه. والمعنى: أن الوالدين هما صاحبا الحق المشترك في الولد ، فلا يجوز التقليل من مدة إرضاعه إلا إذا اتفقا على فطامه.

وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ استرضاع الطفل هو أن يتخذ له مرضعاً، والمعنى: إن أردتم أن تسترضعوا أولادكم المراضع الأجنبيات، بعد الاتفاق منكم والتراضي فلا حرج عليكم ثم ختم الله الآية بالأمر بتقوى الله الذي هو أساس كل خير، فقال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ أي: اعلموا علم اليقين أن الله سبحانه وتعالى بصير بجميع ما تعملونه.

عدة المتوفى عنها زوجها:

قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 234].

المرأة المتوفى عنها زوجها إما أن تكون حاملاً وإما أن تكون غير حامل، فإن كانت حاملاً فعدتها تنتهي بوضع حملها لقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق:4] ولما رواه المسور بن مخزمة أن سبيعة الأسلمية رضي الله عنها نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لها فنكحت" والحديث في الصحيحين وفي لفظ "أنها وضعت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلة" وفي لفظ لمسلم، قال ابن شهاب: " ولا أرى بأساً أن تتزوج حيث وضعت وإن كانت في دمها غير أن لا يقربها زوجها حتى تطهر".

وأما إن كانت المتوفى زوجها غير حامل فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام قال تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً} [البقرة:234] ويجب على المعتدة بالوفاة ترك الزينة والطيب ولبس الحلي ولبس الملون من الثياب والمزركش، لما فيه من الزينة. وكذا عليها ألا تكتحل.

فعن أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً : المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل، رواه النسائي.

ولا تخرج من بيتها إلا لعذر أو حاجة لقوله صلى الله عليه وسلم : "امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله" رواه الخمسة، فإن كان ثم عذر أو حاجة جاز لها الخروج من بيتها نهاراً لحاجتها تلك، كخروج لعلاج أو سعي على نفس أو أولاد أو نحو ذلك، ولها أن تذهب إلى بيت أهلها إن كانت تستوحش في بيت زوجها إذا لم يكن معها فيه أحد، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم "اخرجي فجذي نخلك" رواه أبو داود وغيره، وروى مجاهد قال: استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن يا رسول الله: نستوحش بالليل فنبيت عند إحدانا حتى إذا أصبحنا بادرنا بيوتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن فإذا أردتن النوم فلتأت كل امرأة إلى بيتها " ولا تخرج من بيتها ليلاً إلا لضرورة ولها أن تقابل وتحادث من الرجال من كانت تقابلهم وتحادثهم حال حياة زوجها من محارمها.

 

خطبة النساء وأحكامها:

قال تعالى: ﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 235].

الخطبة - بكسر الخاء - هي طلب الرجل المرأة للزواج بالوسيلة المعروفة بين الناس.

وأما التعريض فهو في الأصل إمالة الكلام عن وجهته إلى إحدى جوانبه وهو أن تفهم المخاطب ما تريده بضرب من الإشارة والتلويح، ويقابله التصريح.

فالله سبحانه عفا عن التعريض بالخطبة دون التصريح، فقال سبحانه: ﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾.

والإكنان: هو الإخفاء والستر، وخطبة النساء على ثلاثة أقسام:

1- ما تجوز تعريضاً وتصريحاً، وذلك فيما إذا كانت المرأة خالية من الأزواج والعدة.

2- ما لا تجوز لا تعريضاً ولا تصريحاً، وذلك إذا كانت المرأة في عصمة زوج.

3- ما تجوز تعريضاً لا تصريحاً، وذلك إذا كانت المرأة مطلقة ثلاثاً، أو كانت متوفى عنها زوجها.

مكانة الصلاة الوسطى والمحافظة عليها:

قال تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 238-239].

معاملة المطلقات في الإسلام:

قال تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 231].

المراد بالأجل: هو زمن العدة من التربص بالأقراء، ومعنى ﴿ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ أي: قاربن إتمام العدة.

﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ أي: اعزموا على أحد الأمرين.

﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾ أي: لا تراجعوهن بقصد الإضرار بهن، كما هو شأن أهل الجاهلية.

﴿ ومَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ وجلب إليها الضرر، لانتقاصه أوامر الله والاستهانة والاستخفاف بها. وقوله سبحانه: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ﴾ يعني: اذكروا نعمة الله عليكم حيث هداكم للإيمان.

وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 232].

قال الشافعي رحمه الله:

دل سياق الكلام على افتراق البلوغين، وذلك أن الإمساك بمعروف، والتسريح بمعروف في الآية السابقة، لا يتأتى بعد انقضاء العدة، لأن انقضاءها إمضاء للتسريح، لا مجال معه للتخيير، وإنما التخيير يستمر إلى قرب انقضائها.

ولا يجوز الإضرار بالزوجة بأي حال من الأحوال وقد كلف الله تعالى الرجل إما أن يمسك زوجته بمعروف أو يسرحها بإحسان ، وهذا التكليف نصت عليه ثلاث آيات في كتاب الله تعالى ؟

1-قوله تعالى :{الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة 229].

2-وقوله تعالى : {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا} [البقرة 231].

3-وقوله تعالى : {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} [الطلاق: 2].

وعضل النساء عن النكاح هو من سنن الجاهلية، فأحياناً يعضلها زوجها، بصد الناس عنها، وتحذيرهم، أنفة منه أن يرى زوجته تحت غيره، وأحياناً يكون العضل من جهة الأولياء يمنعونها من الزواج ممن تحبه ، ويكرهونها على من لا تريده تحكماً فيها.

وقد أخرج البخاري وأصحاب السنن وغيرهم من حديث معقل بن يسار قال: ((كان لي أخت، فأتاني ابن عم لي فأنكحتها إياه، فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقة، ولم يراجعها حتى انقضت العدة، فهويها وهويته، ثم خطبها في الخطاب، فقلت له: يا لكع، أكرمتك بها، وزوجتكها فطلقتها، ثم جئت تخطبها، والله لا ترجع إليك أبداً، وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فعلم الله حاجته إليها، وحاجتها إلى بعلها، فأنزل الله هذه الآية، قال: ففيَّ نزلت وكفَّرت عن يميني وأنكحتها إياه)).

حق المولود في الرضاعة:

قال تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 233].

جاء الأمر من الله بصيغة الخبر للتقرير، وكما يجب على الأم إرضاع ولدها فإنه يجب اختصاصها بإرضاعه، بمعنى أنه ليس للوالد أن يمعنها منه ولا أن تمتنع هي عن إرضاعه، فإن من حقوق الوالدات إرضاع أولادهن.

﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ بالشيء المتعارف به والمولود له هو الأب.

وقوله تعالى: ﴿ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ الوسع ضد الضيق، وهو ما تتسع له القدرة، وذلك لتفاوت الناس في الإعسار واليسار.

وقوله سبحانه: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ فيه نهي صريح عن المضارة، مضارة المرأة بولدها، فتمنع من إرضاعه، فإضرارها بولدها أمر مجانب للرحمة.

وقوله سبحانه: ﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾ الفصال: هو الفطام، لأنه يفصل الولد عن أمه ويفصلها عنه. والمعنى: أن الوالدين هما صاحبا الحق المشترك في الولد ، فلا يجوز التقليل من مدة إرضاعه إلا إذا اتفقا على فطامه.

وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ استرضاع الطفل هو أن يتخذ له مرضعاً، والمعنى: إن أردتم أن تسترضعوا أولادكم المراضع الأجنبيات، بعد الاتفاق منكم والتراضي فلا حرج عليكم ثم ختم الله الآية بالأمر بتقوى الله الذي هو أساس كل خير، فقال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ أي: اعلموا علم اليقين أن الله سبحانه وتعالى بصير بجميع ما تعملونه.

عدة المتوفى عنها زوجها:

قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 234].

المرأة المتوفى عنها زوجها إما أن تكون حاملاً وإما أن تكون غير حامل، فإن كانت حاملاً فعدتها تنتهي بوضع حملها لقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق:4] ولما رواه المسور بن مخزمة أن سبيعة الأسلمية رضي الله عنها نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لها فنكحت" والحديث في الصحيحين وفي لفظ "أنها وضعت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلة" وفي لفظ لمسلم، قال ابن شهاب: " ولا أرى بأساً أن تتزوج حيث وضعت وإن كانت في دمها غير أن لا يقربها زوجها حتى تطهر".

وأما إن كانت المتوفى زوجها غير حامل فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام قال تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً} [البقرة:234] ويجب على المعتدة بالوفاة ترك الزينة والطيب ولبس الحلي ولبس الملون من الثياب والمزركش، لما فيه من الزينة. وكذا عليها ألا تكتحل.

فعن أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً : المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل، رواه النسائي.

ولا تخرج من بيتها إلا لعذر أو حاجة لقوله صلى الله عليه وسلم : "امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله" رواه الخمسة، فإن كان ثم عذر أو حاجة جاز لها الخروج من بيتها نهاراً لحاجتها تلك، كخروج لعلاج أو سعي على نفس أو أولاد أو نحو ذلك، ولها أن تذهب إلى بيت أهلها إن كانت تستوحش في بيت زوجها إذا لم يكن معها فيه أحد، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم "اخرجي فجذي نخلك" رواه أبو داود وغيره، وروى مجاهد قال: استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن يا رسول الله: نستوحش بالليل فنبيت عند إحدانا حتى إذا أصبحنا بادرنا بيوتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن فإذا أردتن النوم فلتأت كل امرأة إلى بيتها " ولا تخرج من بيتها ليلاً إلا لضرورة ولها أن تقابل وتحادث من الرجال من كانت تقابلهم وتحادثهم حال حياة زوجها من محارمها.

 

خطبة النساء وأحكامها:

قال تعالى: ﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 235].

الخطبة - بكسر الخاء - هي طلب الرجل المرأة للزواج بالوسيلة المعروفة بين الناس.

وأما التعريض فهو في الأصل إمالة الكلام عن وجهته إلى إحدى جوانبه وهو أن تفهم المخاطب ما تريده بضرب من الإشارة والتلويح، ويقابله التصريح.

فالله سبحانه عفا عن التعريض بالخطبة دون التصريح، فقال سبحانه: ﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾.

والإكنان: هو الإخفاء والستر، وخطبة النساء على ثلاثة أقسام:

1- ما تجوز تعريضاً وتصريحاً، وذلك فيما إذا كانت المرأة خالية من الأزواج والعدة.

2- ما لا تجوز لا تعريضاً ولا تصريحاً، وذلك إذا كانت المرأة في عصمة زوج.

3- ما تجوز تعريضاً لا تصريحاً، وذلك إذا كانت المرأة مطلقة ثلاثاً، أو كانت متوفى عنها زوجها.

مكانة الصلاة الوسطى والمحافظة عليها:

قال تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 238-239].

الصلاة الوسطى، هي إحدى الصلوات الخمس، وهي صلاة العصر على الصحيح لما روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)).

وروى أحمد والشيخان عنه بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: ((ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس )) ولم يذكر العصر هنا لكن المراد واضح بأنه صلاة العصر.

وقوله سبحانه: ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ أي: قوموا ملتزمين لخشية الله، مستشعرين هيبته وعظمته، وقد روى الإمام أحمد والشيخان من حديث زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل من إلى جنبه حتى نزلت ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام.

والأحاديث في مفهوم الآية ، نقتصر منها على ما في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)).

وقد روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة)).

وروى الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة وابن حبان من حديث بريدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)).

وقوله سبحانه: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ﴾ يعني: إن خفتم هجوم الأعداء فصلوا كيفما تيسر لكم راجلين - أي: ماشين - أو راكبين على ركوبتكم دابة كانت أو غيرها.

ثم قال سبحانه: ﴿ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ فإذا زال خوفكم واطمأننتم فصلوا الصلاة الكاملة وعلى الطريقة المعروفة بإتمام أركانها وجميع حركاتها التي علمكم إياها من قبل

وصية الأزواج:

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 240].

في الآية قولان:

أحدهما: أن عدة الوفاة كانت في أول الإسلام حولاً كاملاً تخير فيها المرأة بالاعتداد في بيت الزوج، فلها النفقة عند ذلك من تركته، أو تخرج من بيت الزوج فيسقط حقها في النفقة إلى إن نسخت بالآية ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ﴾ وهذا قول الجمهور من الأصوليين والفقهاء والمفسرين، وعليه العمل منذ فجر الإسلام إلى يومنا.

ثانيها: أنه فيها ذكر الوصية للأزواج، والمراد أن يستوصي الرجال بالنساء اللواتي يتوفى أزواجهن خيراً، فلا يخرجوهن من بيوت أزواجهن مدة سنة كاملة إلا إذا خرجن بأنفسهن، وهو قول لم يعمل به أحد من الصحابة والتابعين ولا من بعدهم.

وقوله سبحانه في ختام الآية ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ تذكير للمسلمين بأنه سبحانه له العزة والغلبة فيما يريد من تحويل الأمة من عادات ضارة من عادات الجاهلية في العدة والحداد إلى سنن نافعة.

قال تعالى: ﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 241].

فيها تأكيد على حق متعة الزوجة بالمعروف ووجوب ذلك وحتميته على الزوج .

قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 242].

يعني أن سنته قضت أن يبين لنا الآيات الواضحات في أحكام دينه.

العظة والعبرة في أخبار من سبق:

قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 243].

ذَكَرَ غَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْم كَانُوا أَهْل بَلْدَة فِي زَمَان بَنِي إِسْرَائِيل اِسْتَوْخَمُوا أَرْضهمْ وَأَصَابَهُمْ بِهَا وَبَاء شَدِيد فَخَرَجُوا فِرَارًا مِنْ الْمَوْت هَارِبِينَ إِلَى الْبَرِّيَّة فَنَزَلُوا وَادِيًا أَفْيَح فَمَلَئُوا مَا بَيْن عُدْوَتَيْهِ فَأَرْسَلَ اللَّه إِلَيْهِمْ مَلَكَيْنِ أَحَدهمَا مِنْ أَسْفَل الْوَادِي وَالْآخَر مِنْ أَعْلَاهُ فَصَاحَا بِهِمْ صَيْحَة وَاحِدَة فَمَاتُوا عَنْ آخِرهمْ مَوْتَة رَجُل وَاحِد فَحِيزُوا إِلَى حَظَائِر وَبُنِيَ عَلَيْهِمْ جُدْرَان وَفَنُوا وَتَمَزَّقُوا وَتَفَرَّقُوا فَلَمَّا كَانَ بَعْد دَهْر مَرَّ بِهِمْ نَبِيّ مِنْ أَنْبِيَاء بَنِي إِسْرَائِيل يُقَال لَهُ حِزْقِيل فَسَأَلَ اللَّه أَنْ يُحْيِيَهُمْ عَلَى يَدَيْهِ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُول : أَيَّتُهَا الْعِظَام الْبَالِيَة إِنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَجْتَمِعِي فَاجْتَمَعَ عِظَام كُلّ جَسَد بَعْضهَا إِلَى بَعْض ثُمَّ أَمَرَهُ فَنَادَى أَيَّتهَا الْعِظَام إِنَّ اللَّه يَأْمُرك بِأَنْ تَكْتَسِي لَحْمًا وَعَصَبًا وَجِلْدًا فَكَانَ ذَلِكَ وَهُوَ يُشَاهِدهُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَنَادَى أَيَّتهَا الْأَرْوَاح إِنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَرْجِع كُلّ رُوح إِلَى الْجَسَد الَّذِي كَانَتْ تَعْمُرهُ فَقَامُوا أَحْيَاء يَنْظُرُونَ قَدْ أَحْيَاهُمْ اللَّه بَعْد رَقْدَتهمْ الطَّوِيلَة وَهُمْ يَقُولُونَ : سُبْحَانك لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ وَكَانَ فِي إِحْيَائِهِمْ عِبْرَة وَدَلِيل قَاطِع عَلَى وُقُوع الْمَعَاد الْجُسْمَانِيّ يَوْم الْقِيَامَة.

والاستفهام في قول الله: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ للتعجب والرؤية هنا بمعنى العلم لا الإبصار.

وقوله سبحانه: ﴿ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ﴾ يعني بعدما أماتهم، وهذه الآية تدل دلالة واضحة على أنه سبحانه أحياهم بعدما أماتهم ، وقوله جلا وعلا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ معناه أنه تفضل على أولئك الأقوام الذين أماتهم بسبب أنه أحياهم، وذلك لأنهم خرجوا من الدنيا على المعصية التي هي النكول عن الجهاد، فأعادهم إلى الدنيا ومكنهم من التوبة والتلافي لما بدر منهم، وقوله: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ أي: لا يقومون بحقوق هذه النعمة.

وجوب القتال للدفاع عن الدين:

قال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[البقرة: 244].

ذكر العلماء أن الجهاد يتعين على الشخص في حالات ثلاث :

*إذا تقابل الصفان ، فيحرم على من حضر الانصراف ، يقول تعالى : {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار* ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير } [سورة الأنفال آيات 15 ، 16].

*إذا نزل الكفار ببلد معين ، تعين على أهله قتالهم ودفعهم ، فالدفاع عن النفس واجب ، قال تعالى : {وقاتلوا في سبيل الله الذي يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [سورة البقرة آية 190].

*إذا استنفر ولي الأمر قوماً لزمهم النفير ، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله أثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل * إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير} [سورة التوبة آيات 38 ، 39] .

الحث على بذل المال في سبيل الله:

قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245].

وقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ﴾ يعني: يقبض الرزق عن بعض الناس كما أنه يبسط لما يشاء ويفتح لهم أبواب الرزق ويسهل عليهم أسبابه، وقوله سبحانه: ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ قال بعض العلماء: إن هذا التعقيب يدل على أن البذل واجب يعاقب على تركه.

ولقد جاءت النصوص الكثيرة التي تبين فضائل الصدقة والإنفاق في سبيل الله ، وتحث المسلم على البذل والعطاء ابتغاء الأجر الجزيل من الله سبحانه ، فقد جعل الله الإنفاق على السائل والمحروم من أخص صفات عباد الله المحسنين ، فقال عنهم : { إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ، كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ، وبالأسحار هم يستغفرون ، وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} [الذاريات 16-19] وضاعف العطية للمنفقين بأعظم مما أنفقوا أضعافاً كثيرة في الدنيا والآخرة فقال سبحانه: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة} [البقرة: 245].

والصدقة من أبواب الخير العظيمة ، ومن أنواع الجهاد المتعددة ، بل إن الجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس في جميع الآيات التي ورد فيها ذكر الجهاد إلا في موضع واحد ، يقول - صلى الله عليه وسلم : ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)) [رواه أبو داود].

وأحب الأعمال إلى الله كما جاء في الحديث: ((سرور تدخله على مؤمن ، تكشف عنه كرباً ، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً)) [رواه البيهقي ، وحسنه الألباني] .

والصدقة ترفع صاحبها حتى توصله أعلى المنازل ، قال - صلى الله عليه وسلم : ((إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ، ويصل فيه رحمه ، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل))) رواه الترمذي) .

كما أنها تدفع عن صاحبها المصائب والبلايا ، وتنجيه من الكروب والشدائد ، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ((رواه الحاكم وصححه الألباني ، أضف إلى ذلك إطفاؤها للخطايا وتكفيرها للسيئات ، ومضاعفتها عند الله إلى أضعاف كثيرة ، ووقايتها من عذاب الله كما جاء في الحديث ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)) رواه البخاري إلى غير ذلك من فضائل الصدقة التي تقرب من باب الله وتفتح أبواب الرحمة .