التفسير الموضوعى للقرآن الكريم لفضيلة سورة البقرة (1)

التفسير الموضوعي
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

جاء فى أول السورة: {ذلك الكتاب لا ريب فيه} وأنه لا تصلح الحياة إلا به، وبتطبيق أحكامه، والعمل بما جاء فيه.. وغير ذلك مما يتضمنه هذا الكتاب العزيز الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ومن الإيمان بالغيب الإيمان بالرسل -عليهم الصلاة والسلام- جملة وتفصيلاً –أيضاً- فمن حيث الجملة: نؤمن ونوقن بأن الله –تعالى-

لما خلق الناس احتاجوا إلى هداية، وإرشاد، وتوجيه مستمر، فأرسل الله النبيين مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق..

والكتاب هنا اسم جنس، أى كل نبى له كتاب يدعو إليه، ويرشد الناس به. وكذا الإيمان بأن هؤلاء الرسل حق من عند الله، وهم كثير

جدًّا على امتداد تاريخ البشرية إلى عهد نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم وأما تفصيلاً: فمن ورد ذكرهم فى القرآن الكريم أو السنة،

نؤمن بهم ونصدق برسالتهم،وهم: آدم، ونوح، وإدريس، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وصالح، وهود، وذو الكفل،

ويونس، وشعيب، والأسباط، واليسع، ولوط، وموسى، وهارون، وداود، وسليمان، وزكريا، ويحيى، وإلياس، وعيسى، ومحمد -صلى

الله وسلم عليه وعليهم أجمعين- فهؤلاء من ورد ذكرهم فى القرآن، وعددهم خمسة وعشرون.

ومن الإيمان بالرسل الإيمان بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وما جاء به من الحق المبين،

والوحى الآمين، المنزل من رب العالمين. ولا يكفى الإيمان به دعوى الحب باللسان، إن حب النبى -صلى الله عليه وسلم- يتمثل

بطاعته فى كل ما أمر به أو نهى عنه، وحبه وتوقيره، واتباع سنته، وحب أصحابه وآله الطيبين، هذا هو المقياس الحق للإيمان

بمحمد -صلى الله عليه وسلم-. وهكذا فالإيمان بالرسل يعد من الإيمان بالغيب؛ لأنهم لا يرون اليوم فى الحياة، فالإيمان بهم بعد

انقطاع طويل عنهم يعد من الإيمان بالغيب، وحُقَّ لصاحبه أن يدخل تحت قوله –تعالى-: {المتقين}.

ومن الإيمان بالغيب أيضاً: الإيمان باليوم الآخر، الذى أنكره كثير من الكفار من وثنيين وبوذيين، ومجوس ومشركين، وكل الملحدين 

الدهريين.. والإيمان به يتضمن: الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، والإيمان بالبعث والخروج من القبور للقاء الله، والإيمان بالعرض على الله،

والإيمان بالمقام المحمود الذى أوتيه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، والإيمان بالجزاء والحساب، والإيمان بالصراط، والإيمان

بالجنة والنار، والإيمان بحوض النبى -صلى الله عليه وسلم-، وأنه يشرب منه المؤمنون، ويرد عنه المنافقون والكافرون، والإيمان بما

جاء ذكره فى الجنة من نعيم مقيم، وبما جاء فى النار من الأغلال والحميم، كما دل على ذلك القرآن ودلت عليه سنة رسول الله

-صلى الله عليه وسلم-، فيدخل فيه كلما يتعلق باليوم الآخر مما جاء الخبر به. وهناك أمور أخرى يجب أن يؤمن بها الإنسان فى يوم

الدين: كرؤية المؤمنين لربهم فى الجنة، وذبح الموت بين الجنة والنار، وغير ذلك كثير جدًّا، يجب الإيمان به وهو دلالة على قوة

اليقين. ومما يستلزم من الإيمان باليوم الآخر: العمل له، والاستعداد للقاء الله بالباقيات الصالحات، والحسنات النافعات، والبعد عن كل

موارد الهلاك والبوار، نعوذ بالله العظيم من موارد البلاء والحرمان.

ومن الإيمان بالغيب: الإيمان بالقدر خيره وشره من الله –تعالى-: فكل ما يحصل فى الحياة قد علمه الله قبل خلقه، وكتبه عنده، فهو

{عند ربى فى كتاب لا يضل ربى ولا ينسى} وعلى هذا فما أصاب العبد لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كما جاء فى

الحديث. فكل ما يحصل فهو مقدر فى اللوح المحفوظ، ولا يمكن أن يخرج عن قدر الله تعالى شيء كيف؟ وهو –تعالى- قد علم ما كان

وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون. وقد جاء ذكر القدر فى مواضع كثيرة من القرآن والسنة قال تعالى:  {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ

بِقَدَرٍ } [القمر: 49].
‏وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ‏قال: ‏سمعت رسول الله ‏-صلى الله عليه وسلم- ‏ ‏يقول: ((‏كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق

السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء)) رواه مسلم.

ومن الإيمان بالغيب: الإيمان بما أخبر الله به من الأمور المستقبلية، التى لم تحصل بعد: كخروج الدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، ونزول

عيسى -عليه السلام-، وما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أشراط الساعة الصغرى والكبرى، وغير ذلك.

الصفة الثانية: {ويقيمون الصلاة} قال ابن عباس -رضى الله عنهما-: إقامة الصلاة إتمام الركوع، والسجود، والخشوع، والإقبال عليها

فيها، وقال قتادة: إقامة الصلاة: المحافظة على مواقيتها، ووضوئها، وركوعها وسجودها، وكلام المفسرين فى هذا متقارب، والمعنى

واحد، وهو أن المقصود بإقامة الصلاة أن تكون صلاة كاملة كما أراد الله.

الصفة الثالثة: دفع الزكاة الواجبة والمستحبة: {ومما رزقناهم ينفقون} أى ومما أعطاهم الله من الرزق الذى سهله لهم فى الأرض

ينفقون ويخرجون زكاة أموالهم، التى هى ركن من أركان الإسلام.. قال قتادة: فأنفقوا مما أعطاكم الله، هذه الأموال عوار وودائع عندك

يا ابن آدم، يوشك أن تفارقها.

الصفة الرابعة: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}.

قال ابن عباس: يصدقون بما جئت به من الله، وما جاء به مَن قبلك مِن المرسلين، لا يفرقون بينهم، ولا يجحدون ما جاؤوهم به من

ربهم، وهذا يدخل فى عموم قوله –تعالى-: {الغيب} لأن كتب من قبلنا وإنزالها على الرسل لم نشهده ولم نعلمه، فالإيمان بذلك من

الإيمان بالغيب، وهذا التخصيص هنا يدلنا على أهمية الإيمان بالكتب، وأشرفها: القرآن الذى نسخ من قبلها؛ لأن الإيمان به يستلزم

الإيمان ببقية أمور الغيب.

الصفة الخامسة: {وبالآخرة هم يوقنون} أى بالبعث، والقيامة، والجنة، والنار، والحساب، والميزان  وسميت ( الآخرة) بذلك؛ لأنها بعد

الدنيا متأخرة عنها، واليقين معناه: التصديق الجازم الذى لا يعتريه شك، وهو ضد الريب والشك، فاليقين منتهى التصديق، ومنه عين

اليقين، وحق اليقين، وعلم اليقين، فعلم اليقين: الإيمان بالشيء عن بعد، وحق اليقين: الإيمان بالشيء عن قرب منه، وتلمس

لأحواله ودلالاته، وعين اليقين: هو أعلى درجات اليقين.

وقوله –تعالى-: {أولئك}: إشارة إلى من تقدمت صفاتهم من الإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة والإنفاق، والإيمان بما أنزل

على الرسل، واليقين بالدار الآخرة.

{على هدى}: أى على نور وبيان وبصيرة من الله، {وأولئك هم المفلحون}. أى الفائزون فى الدنيا والآخرة نسأل الله العلى العظيم أن

يجعلنا من الذين على طريق الهدى ومن عباده المتقين إنه نعم المولى ونعم النصير.