أقرب الدعاء إلى الإجابة.. دعاء الحال

حكمة ربانية من تقديم فضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض

أقرب الدعاء إلى الإجابة دعاء الحال

أحبابى الكرام:

أهلًا بكم في حكمة اليوم، وهي حكمة تراثية  قالها الإمام سهل بن عبدالله التستري، وكلام هؤلاء العلماء الربانيين الصالحين الكبار فرائد وقلائد، والحكمة تقول: " أقرب الدعاء إلى الإجابة دعاء الحال".

بين يدي هذه الحكمة اسمحوا لي أن أقدم مجموعة من المعاني.

يقول الشيخ الإمام بديع الزمان النورسى- وهو أحد أساتذتى الكبار-: إن الدعاء ثمرة من ثمرات الإيمان فإذا عظُمَت شجرة الإيمان عظُمَت شجرة الدعاء، فالإيمان والدعاء يسقيان بماء واحد، ومدادٍ واحد، وهو مداد معرفة الله تعالى رب العالمين، فمن تعرف إلى الله الملك جل جلاله فإنه لا يشبع من مناجاته ولا يمل من التودد إليه، وإن التودد إلى الله تعالى على حد قول ابن عطاء الله، وإن التودد إلى الله تعالى يكون بالدعاء وبالصلاة وبالذكر وبالإيمان الخالص والنبع الصافى لله رب العالمين.

أحبابي الكرام:

وجب عليكم التودد إلى الله تعالى؛ لأن الله تعالى يحب أن يكون بينه وبين عباده ودًّا كما قال الملك {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96].

فصار هناك ودّ بينك وبين الله تعالى، وعلى قدر هذا الود والحب الخالص، والتعلق بينك وبين الله تعالى فإنك تطرق بابه، وعندما تطرق بابه إما أن تكون سائلًا وطالبًا وإما أن تكون مرتقيًا، وإما أن تكون صاحب حاجة.. هذه بعض أصناف الدعاء.

النوع الأول من الأدعية:

أن تكون سائلًا طالبًا كأن تقول: اللهم اغفر لي.. ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

هذا دعاء مسألة دعاء أخروى دعاء للآخرة: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (آل عمران: 194).

الله أكبر هده الأدعية يسميها علماؤنا الكبار (أدعية السؤال.. أدعية الرجاء) ترجو من الله تعالى النجاة سبحانه وتعالى، وهذا رجاء عام.. {ربنا اغفر لنا ذنوبنا} رجاء عام، {وإسرافنا في أمرنا} رجاء عام، {وانصرنا على القوم الكافرين} رجاء عام.

 

النوع الثاني من الأدعية:

أدعية الترقي التي يرغب فيها الإنسان أن ينتقل من حالٍ إلى حال كما قال يوسف الصديق عليه السلام {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف : 101].

هذه أدعية الترقي الإنتقال من حاله إلى حاله، والثبات على حاله، وهي الحالة السلمانية {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص : 35].

الله أكبر هذه أدعية- إخواني وأخواتي- داخلة في إطار الترقي من حالة إلي حالة.

 

النوع الثالث دعاء الحاله:

ادع ربك بما أنت عليه الآن، وماذا تريد من ربك ؟ يقول الشيخ أقرب الدعاء إلى الإجابة دعاء الحاله، وليس معنى هذا أن النوعين السابقين لا يستجاب لهما إلى هو دعاء السؤال، والمسأله، ودعاء الترقي لا،

ولكن النوع الثالث الذي يعرب فيه الإنسان عن حالته فيه إستشعار إنك محتاجا إليه فيه إستشعار بالإلتصاق برحمة الله تعالى الملك.

كما قال الملك على لسان نوح عليه السلام {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}[القمر : 10].

هذه حالة سيدنا نوح عليه السلام

دعا ربه أني مغلوب فانتصر هذا دعاء حاله بيعرب عن حاله معينه يقول: يا رب كن معى، وأنا مغلوب، وهذا المغلوب يحتاج إلى غالب على أمره فكن معي يا الله فيما أنا فيه دعاء.

 

الأخوة الأحباب

المريض في حالة مرضه يلح على الله تعالى وهو في مرضه، ويشتد في الدعاء هذا يُسمىَ دعاء الحالة.

والذي عليه دين يدعوا الله تعالى أن يكشف الدين عنه أو أن يسدد عنه أو أن يقضِ الدين عنه هذه الأدعيه بخلاف

 

أدعية المناسبات

حيث إنه توجد أنواع من الأدعيه اسمها أدعية المناسبات:

ماذا يقول المسلم عند النوم؟  وعند اليقظة، وعند نزول المطر، وعند خروجه من بيته، وعند الفرح، وعند السرور، وعند المأتم، وعند التعزيه، وعند التهنئه، وعند السلام، وعند الإستقبال، وعند، وعند، وعند... التى جمعها شيخنا، وأمامنا، وأستاذنا ابن القيم في كتابه  (الوابل الصيب من الكلم الطيب)

هذه أدعية المناسبات، والتي جمعها الشيخ الإمام النووي في كتابه المعروف (الأذكار) كل ما جمعه القيم رحمه الله تعالى، وإمامنا النووي الشافعي دخل في إطار أدعية المناسبات، كل مناسبة لها دعاء: النوم له أدعية، الطعام له أدعية، وهكذا... كل مناسبة لها أدعيتها التي تناسبها..

لكن الإمام سهل بن عبد الله التستري يحدثنا في حكمة اليوم المزلزلة تقول:  أقرب الدعاء إلى الإجابة هو دعاء الحال.

إحساسك أنك محتاج إليه {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[النمل:62]، وقلت لكم قديمًا: إن المضطر ليس الإنسان الذي نزل به ضر.. لا، كل إنسان عنده حالة كرب فهو مضطر إلى الله تعالى عزوجل، كما قال الملك: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران: 123].

يعني: وأنتم محتاجون إليه، محتاجون إلى مساندته إلى تأييده إلى نصره، وقال الملك في هذا الإطار العظيم: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}[الأنفال:9].

فهذا سيدنا أيوب يقول عنه القرآن الكريم {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[الأنبياء: 83].

ولم لا تكن مثل أيوب فتقول: اللهم اكشف كربتي، وأقل عثرتي، وقرب بعيدي، وهون صعيبي.

 

كثيرٌمنا يا أحبابى يدعو الله تعالى في سجوده دون أن يكون مدركًا لما يقول، ويدعو الله تعالى في قنوته فى الصلاة دون أن يكون واعيًا بما يقول، ويدعو الله تعالى بعد الصلاة دون أن يكون مدركًا لما يقول

ورب العزة يستجيب لدعاء الحال لأن القلب وقتها يلجأ إلى الله وحده

فأمثال هؤلاء المكروبين جهروا إلى الله تعالى بالشكوى ففرج الله تعالى عنهم ما هم فيه.

 

الأحباب الأكارم لابد أن يستشعر الملك منك أنك مدرك لما تقول، وأحبك أن ترى أحد أحبابك بين الموت، فماذا أنت فاعل وأنت تريد له أن ينجو؟! وقد تكون صادقًا في الدعاء فيستجيب الله تعالى لك، فيخرج من شرنقة الموت إلى عذوبة الحياة! ماذا أنت فاعل؟!

انظر كيف يكون دخولك على باب الملك تقول: بماذا أدعوك يارب بماذا أخبت لك يارب بماذا أناجيك يا رب ماذا أقول لك يارب ، وهذا دعاء الحال اللهم إنك تعلم حالى، وترى مكاني ولا يخفى عليك شيء من أمري أنا عبدك الضعيف فارحم ضعفي أنا عبدك الفقير فارحم، فقري أنا عبدك المريض فتولّ أمري وعافني.. هذا دعاء الحال، وهو أقرب الأدعية إجابة؛ لأن الله تعالى يحب أن يرى فيك العبد المتذلل.

 

أسأل الله العظيم يا مغير الحال من حال إلى حال..  اجعلنا ياربنا في خير حال، وارزقنا الإخبات في الدعاء، والإحساس بالدعاء، ونسألك أن تعيننا أن ندعوك بحالنا فأنت تعلم حالنا، وتعلم سؤالنا ولا يخفى عليك شيئا من أمرنا. اللهم اقبلنا، وتقبل منا، واجعل دعاءنا مرفوعًا، وصوتنا مسموعًا، وذنبنا مغفورًا، وسعينا إليك مشكورًا.. إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.