الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الأسلامى
حكمة اليوم هى الحكمة التاسعة والثلاثون، وهى للإمام أبى حازم سلمة بن دينار رحمه الله تعالى، وهو واحد من أصحاب الحكم الجميلة، ومن أصحاب الباع الطويل فى وعظ الحكام والأمراء.
كان من حكمه رحمه الله: “ما أحببت أن يكون معك فى الآخرة فقدمه اليوم”.
ومعنى هذه الحمة الجليلة: ماذا تتمنى أن يكون معك فى الآخرة؟ هل تتمنى صحيفة بيضاء؟ هل تتمنى عملا صالحا؟ هل تتمنى قولا طيبا يشفع لك؟ هل تتمنى فى الآخرة أن الأعمال الصالحة التى بذلتها فى الدنيا تتقدمك إلى الله عز وجل؟
إن أفضل رفيق لك-كما قال الإمام شفيق البلخي- هو الحسنات، فاجعل الحسنات رفيقة لك فى قبرك، وفى حياتك، والأشياء التى تخشها يوم القيامة فجنبها الآن لكى لا تموت منها، وهى المعاصى الظاهرة والباطنة، وقسوة القلب، وجفاف العينين، وجفوة الطباع، إذ لا بد أن تتغلب على كل هذه الأشياء.
إن أصحاب النبى صلوات ربى وسلامه عليه كانوا يبنون للآخرة وليس للدنيا، فإذا كانت الدنيا همك، فإنك ستبقى تدور فى فلكها، ولن تأخذ منها إلا ما قدر الله تعالى عز وجل لك. أما إذا كانت الآخرة همك، فإن الله تعالى عز وجل يحميك من الدنيا، ويحميك من الناس، فالأعداء كثيرون جدا من نفس ودنيا وشيطان، فلا تفتح لهم بابًا كى يؤثروا فيك وفى مسيرك إلى الله عز وجل.
ماذا تريد أن يكون لك عند الله تعالى يوم القيامة؟ وفى ضوء الإجابة عن هذا السؤال فاعمل، وفى ضوء هذا فاصبر، وفى ضوء هذا فاحتسب.
حكمة اليوم حكمة هادفة؛ لأنها تعلمك أنه لن يكفيك من الدنيا إلا ما يسد الرمق، ويشد الحيل، ويبرد الجوف، هذا ما تريده من الدنيا، وأما الأشياء التى تبعدك عن الآخرة من الآن فاتركها، فمكان المعصية التى فعلتها وأنت صغير لا تذهب إليه مرة أخرى بعدما تبت إلى الله تعالى.
أنا أحب أن يكون معى فى الآخرة ثواب المصاحف، وثواب العلم النافع، وثواب طلب العلم، وثواب الصدقة الجارية، هذا الذى أحب أن يكون معى فى الآخرة، وما عدا ذلك من هذه السفاسف التى يتنازع الناس عليها فإنى لا أحبها، لقد طلقتُ الدنيا ثلاثة، ولو كنت تستغفر مائة مرة، فى ضوء الحكمة اليوم، اجعلها ألف مرة، وقدم هذا العمل الآن. ولو كنت تصلى على سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم مائة مرة اجعلها ألف مرة الآن؛ لأنك سترى ذلك فى الآخرة، وهذا الذى يبقى لك أجره وفضله عند الله عز وجل.
وفى الحديث الشريف: «مَن أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، ومَنْ كَرِهَ لقاء الله كَرِهَ الله لقاءه» [متفق عليه]. فالذين يحبون لقاء الله عز وجل يستعدون، والله عز وجل فرح بهم، والملائكة ينتظرونهم والحور العين يتزين لهم فى الجنة.
إذن ما أحببت أن يكون معك فى الآخرة فقدمه الآن، فأنت تحفظ سورتين أو ثلاثة، من الآن اجعلهم عشر سور. أو أنت تصلى ركعتين فى ثلاث دقائق، فمن الآن صلِّ الركعتين فى عشر دقائق... وهكذا يتقلب المسلم فى حياته من طاعة إلى طاعة، ويزيد فى الطاعة الواحدة التى يفعلها كمًّا وكيفًا.
علم الناس أن يقولوا صباحَ ومساءَ: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، لأن هذا ما أحببت أن يكون معك فى الآخرة فقدمه الآن.
اجعل بضاعتك فى الآخرة: (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الأنعام: 52]، فإذا أظلمت ليلتك بركعتين فإن هاتين الركعتين تضيئان لك فى قبرك.إذن، ما أحببت أن يكون معك فى الآخرة فقدمه الآن، فأنت أحببت أن تكون من الصابرين، فزد من الصبر، وأن تكون من المقبولين، فزد من الأشياء التى تجعلك مقبولا عند الله عز وجل.
إن الدنيا سوق، وسينفض، والموت يأتى بغتة، وأنت تعلم، وأنا أعلم أننا كلنا مقصرون، وعندما يُنفخ فى الصور فليس هناك أنساب، وليس هناك أحساب، ولا شفاعات، ولا وساطات، لماذا أنت حريص أن تأخر نفسك؟ لماذا؟
إذن، هذه الحكمة تعلمنا منها الكثير، ومعناها أن الإنسان لا يحمل نفسه فوق طاقتها، فحكمة اليوم أن الإنسان يسابق إلى الله عز وجل، وشعاره: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84]. فما الذى يرضيك يا الله، إن الذى يرضيك يا الله سأفعله، حتى لو نشرت بمناشير فإننى راضٍ بقضائك وقدرك، متشبه بأصحاب الأخدود الذين ألقى بهم فى النار، فصبروا.
فكل عمل يثبت لك عند الله تعالى بنية طيبة، إذا جئت إلى هذا العمل، وفى نيتك أن تعطي، وفى قلبك أن تخلص، أن تشد المسير إلى مرضاة الملك، إذا فعلت ذلك إذن فأنت من الناجين، وإذا أردت النجاة غدًا، فقدم بين يديك، فلا تظلم زوجتك، وأنت لا تظلمى زوجك.
انظر ماذا تحتاج فى الآخرة، وتصدق على الأيتام والفقراء، وطالبى العلم، والمحتاجين، والمساكين، ودور الأيتام وتحفيظ القرآن.