الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم
كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام من أكثر الناس فهمًا لطبيعة البشر
أنت لا تستطيع أن تغير عيوب الناس، لكن تعظهم
الناس يتفاوتون في همتهم، يتفاوتون في عزيمتهم، يتفاوتون في قدراتهم، وتأتيهم لحظات ضعف
الحكمة الثلاثون، وهي لأحد الصالحين الكبار، وهو الفضيل بن عياض الذي تعلمنا منه الكثير.
يقول الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله: "من طلب أخًا بلا عيب صار بلا أخ"
يجب أن يرى الشخص منا الناس على عيوبهم، والإصلاح والهداية تأتي من الله سبحانه وتعالى، فمن طلب زوجة بلا عيوب لن يتزوج، ومن طلبت رجلًا بلا عيوب لن تتزوج، ومن طلب صديقًا أو أخًا في الله بلا عيوب لن يصادق أحدًا، ولن يصادقه أحد كما قال الملك سبحانه وتعالى: {قل كل يعمل على شاكلته} لن أحدثكم اليوم عن التماس الأعذار للناس.
ولذا قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيح: "أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم" أو أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم.
داخل هذه الحكمة حكمة جميلة، تقول المرء يعجب من صغيرة غيره، أي أنت تعتقد أنك كامل مكمل، والناس جميعهم ناقصون.
لا ترى الأذى في نفسك، وترى القذى في عيون الأخرين.
من العقل أن الإنسان يلتمس في الناس أنهم ليسوا على شاكلة واحدة، هناك سريع الفهم، وهناك بطئ الفهم، لابد أن تفهمهم على حالهم، كل شىء فيه عيوب، الجبل العالي علوه يعتبر عيبًا عند ضعيف مثلي، وعلو الجبل يعتبر قيمة عند أصحاب الهمم، لأنهم ينظرون إليه يجدون فيه القوة، والعلو.
من طلب أخًا بلا عيب أصبح بلا أخ، أي لن يعاشر أحدًا سيعيش وحده، ورغم أن العتاب من طبع الأحباب، لكن كثرة العتاب تؤدي إلى ذوبان المشاعر.
هل كل يوم سأعاتب زوجتي، أو أولادي، أو الناس؟ لن يدوم الحال بهذه الطريقة، ولذا قال الملك لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء }
كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام من أكثر الناس فهمًا لطبيعة البشر، وكان يعظ الناس على قدر فهمهم.
وكان يكلم الناس على قدر عقولهم، وكان يضع كل رجل في المكان الذي يناسب قدراته، لا تُعجب من صغيرة غيرك، ولا تُعجب بصلاح نفسك، فإن العجب يؤدي بك إلى فساد العمل، هل أنت تعتقد أنك أنت الوحيد الأفضل، والناس كلهم سيئون؟ يقول تعالى:{إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم}
الإنسان المقصر في مكان لا يؤذي نفسه فقط، بل يؤذي المكان كله، لأجل هذا لابد أن تعرف أن الناس بهم من العيوب ما لا يعلمها إلا الله عز وجل، وهم يعيشون بها، لكن هناك عيوب مقبولة ممكن أن أقبلها منك، فمثلًا بعض الناس يحب أن يمزح كثيرًا، يحب الفكاهة والمداعبة، أنت أحيانًا لا تكون بنفس المسئولية التي ينبغي أن تكون عليها، قد نقبل منك هذا.
هناك عيوب يمكن إصلاحها بالموعظة، بالبيان، بالتبيين، بالتقريب، بالرفقة الصالحة، بالتوجيه الرقيق، وهناك عيوب أخرى، لا يمكن للإنسان أن يتخلص منها إلا إذا كان عنده رغبة في التوبة، أي عنده رغبة صادقة أن يصلح من نفسه، لن أعود إلى هذا أبدا، عهد وميثاق مع الله عز وجل، لن أشاهد الأفلام والمسرحيات بعد هذا أبدًا، لن أسمع إلا القرآن، لن أشاهد إلا القرآن، إذًا أصبحت توبة.
تخلص من عيوبك بسرعة، احذر أن تقول أنا ضعيف، أنا مريض والشيطان يجري في عروقي، يجب أن تتخلص من هذه العيوب.
جاءني شخص يقول كنت ملتزمًا، وأحفظ القرآن، وكنت أعمل في جهاز حساس في الدولة، وكنت في غاية الانضباط، تزوجت امرأة أدخلتنى إلى عالم المعاصي، أغترف منها حيث أشاء، ثم قال: وبعد عام نسيت المصحف والصلاة، ومكثت على هذا الحال تائهًا ثلاثين عامًا، حتى نظرت في المرآة ذات مرة، وجدتنى وقد شاب شعري، وتقوس ظهري، فقلت في نفسي إلى متى؟ يجب أن أعمل ثورة على نفسي، وأرجع نفسي القديمة، أين قرآنك؟ وأين سنتك؟ وأين ذكرك؟ أين أدبك مع الله عز وجل؟ أين حبك للصلاة؟ أين حبك للمساجد؟
لن أقول لك طلق زوجتك، لكن سأقول لك طلق المعاصي، اخلع المعاصي، اخلع الذنوب، ليس في محكمة الأسرة، ولا عند القاضي، بل عند محكمة الملك، الذي ستقف بين يديه، ويسألك بما جئتني؟ هل أتيت بعيوبك أم بحسناتك؟ أتيت بذنوبك، وضعفك، أم بقوتك على رؤوس الأشهاد؟ فتقول: {هاؤوم اقرأوا كتابيه.. }
خبرني متى تقوم بانقلاب عسكري على نفسك؟ وبثورة قوية على نفسك؟ تكتشف فيها الخيرات التي أعطاها الله عز وجل لك، لكنك مسكين غطيت عليها بالذنوب، واندثرت بقسوة القلب، وضاعت بجفوة الطبع، هذه الحكمة تعطي لك راحة جميلة جدًّا.
من طلب أخًا أو صديقًا بلا عيب صار بلا أخ.
سيعيش وحده، لماذا؟ لأن الناس يتفاوتون في همتهم، يتفاوتون في عزيمتهم، يتفاوتون في قدراتهم، تأتيهم لحظات ضعف.
هذه الحكمة لحظة فاصلة في حياتنا، يجب أن نقبل الناس على عيوبهم، على علّاتهم، على ضعفهم، ورغم هذا لا نستسلم للشيطان، الذي يحاول أن يكثِّر عندنا العيوب.
الشخص إذا لم يقم بثورة على نفسه سيموت وهو حي، كما قال الملك: {أموات غير أحياء} وليس أحياء غير أموات، لا، أي هو حىّ يتنفس، يأكل ويشرب، ورغم هذا ميت، لماذا هو ميت؟ لأن العيوب التي لديه زادت، فتحولت صحيفته إلى صحيفة سوداء، يقول الله عز وجل: { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله}
من طلب أخًا بلا عيب صار بلا أخ
يؤتي الحكمة من يشاء
الفضيل بن عياض: من طلب أخًا بلا عيب صار بلا أخ
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة