لا تصحب إلاّ من ينهض بك حاله ويدلك على الله مقاله

الحكم الربانية
طبوغرافي

 

الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الأسلامى

الدكتور
وهذه الحكمة من روائع الإمام الشيخ ابن عطاء السكندري، وهذه الحكمة مدرسة كبيرة أثرت فى مسيرتى الدعوية، وقادتنى إلى تأليف (ابحث عن معلم)، وهى جميلة مستقاة من هدى الكتاب والسنة النبوية الشريفة، فقد قال الله تعالى { فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } [النجم: 29].

ويعطينا القرآن الكريم مؤشرات على نوعين:
النوع الأول: نصاحب من، ونبتعد عمن “هذا الذى ينهض بك حاله”، فنصاحب الأستاذ المعلم، والشيخ المربي، والصاحب الأمين الذى يخشى ربه، ونصاحب الذى يعلم الناس، ويعلم الأجيال، ويعلم الأمة، وليس بالضرورة أن يتكلم كثيرًا، فربما عمله كلام، ونظرته كلام، وإيحائاته كلام، وكلامه إلهام وهذا هو من ينطق وينهض بك حاله.

وكذلك كان حال سيدنا موسى الذى لم يصل إلى مرحلة الارتقاء، إلا عندما وجد الخضر عليه السلام وصَاحَبَه، وهو من نهض بحال سيدنا موسي، وأعطاه علوم ما تصور الكليم أن أحدًا على وجه الأرض له المرتبة التى لدى الخضر عليه السلام، ولكى يصل سيدنا موسى لهذا الرجل ويصاحبه قطع المسافات البعيدة حتى وصل إليه.

يجب أن يكون دائمًا منهج حياتنا هو “ابحث عن معلم” ويجب على كل منَا أن يكون له أستاذ ومعلم يتعهده يرشده ويتولى تربيته، وهذا منهج الكتاب الشريف والسنة النبوية.

وبهذا الاقتداء يصل المسلم إلى إشراقات إيمان كبير، فأنت تتأثر بحياته وبعمله، وبعبادته وخشوعه، وانشغاله بالله تعالى.

ولكن إذا كان الصاحب مشغولا بالدنيا، وبالمال، ومشغولًا بـ...إلخ؛ فاتركه تمامًا كما يقول الله تعالى، {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[الكهف:28]، أى لا طاعة له طالما هو بعيد عن الله تعالى، وليكن شعارنا دائمًا (لا تصحب إلا من ينهض بك حاله، ويدلك على الله مقاله). وهؤلاء الأخوة الكبار ليسوا فقط من أهل الحكم لا بل أعطاهم الله تعالى ينابيع الحكم.

وقد تأثرت بالإمام الحكيم الترمذى، وهو بخلاف الترمذى صاحب السنن الحكيم الترمذي، وهو ما قال عنه البخارى إذا جلست إليه كأنه يتكلم بكلام الأنبياء، ولم أعرف أعلم منه على وجه الأرض.

والحكيم الترمذى هذا ممن نهضوا بحالى أنا شخصيًّا رغم تقادم العهد بينى وبينه، حيث وجدت فيه ربانية لم أجدها على وجه الأرض، ووجدت فيه قلبًا يقرأ ويجلس ويعطى الدروس لأبنائه وتلاميذه وهذا الذى يدلك على الله مقاله، فمقاله لو تكلم لا تمل منه، ولو سكت لا تشبع من النظر إليه، ولو تكلم لحضرت الملائكة، ولو سكت لانهالت البركة على المكان.. وتلك النوعية التى يحدثنا عنها الإمام الشيخ. ( لا تصحب إلا من ينهض بك حاله ).

ومعنى الصحبة، يعنى ألا تعايش، ولا تعاشر إلا من يغير حالك.
فكثيرا من الناس مثلا قبل الزواج كانوا ملتزمين جدًا، وبعد الزواج بامرأة لا علاقة لها بالآخرة، همها الدنيا فقط، نجد الزوج يترك الصلاة والذكر والعبادة كلها.

وعلى النقيض أيضًا لحسن الصحبة نجد أن رجلًا قبل الزواج لم يكن متدينًا، ولا يعرف الصلاة، ولا الذكر، ولا شيئًا عن العبادة؛ فيتزوج امرأة صالحة مطيعة نقية، فيتغير حاله فيقيم الليل، ويواظب على الصلاة والصيام والصدقات، فيتغير حاله وكل شيء.

(لا تصحب إلا من ينهض بك حاله).
كثيرٌ من أبنائنا كانوا ملتزمين فى بلادنا، فلما سافروا إلى أوربا أو إلى بلاد أخرى، وتعرفوا على أهل هذه البلاد وصاحبوهم تغيرت أخلاقهم، ونكثوا عهودهم مع الله تعالى، وتاهوا فى دروب الحياة، وغيرهم لما ذهبوا إلى هذه البلاد شاهدوا بعض الصالحين من أبنائنا هناك، وصاحبوهم والتزموا معهم.

ولهذا فنجد الكثير من أهل مصر من يذهب إلى أرض العصاة والكفر مثل بلاد الغرب، ولكن حاله يتغير إلى الأفضل والأحسن لأنه وجد هناك بعض الصحبة الأمينة والصالحة والتى افتقدها هنا فى بلاد الإسلام.

إن الجليس الطيب كحامل المسك والجليس السوء كنافخ الكير، كما علمنا حضرة النبى صلى الله عليه وسلم “ إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة “.