الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
أيها الأحباب، لاحظوا الاختلاف بين الفريقين، هناك أموات إذا ذكرناهم تحيا قلوبنا بهم، وهناك أحياء إذا رأيناهم تقسو بهم قلوبنا بمجرد رؤيتهم.. لماذا؟
لأنهم منغمسون في الدنيا، الذي يعيش مع الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والفنانين والفنانات، لابد وأن يقسو قلبه، أما الذي يعيش مع الصحابة والتابعين والسلف الصالح، لابد وأن ترتقي همته، أولئك الذين هدى الله.كما قلت لك صحبة الأخيار تقربك من الله، وصحبة الأشرار تجعلك تسيء الظن بالأخيار، ولذا قلنا في إحدى الحكم: لا تصحب إلا من ينهض بك حاله، ويدلك على الله مقاله، وقال النبى صلى الله عليه وسلم: " أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ جُلَسَائِكُمْ؟ مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ، وَزَادَكُمْ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَذَكَّرَكُمْ بِالآخِرَةِ عَمَلُهُ " الله أكبر، أي عندما تراه تكون فى حالة خوف من الله عز وجل، ورهبة من الله سبحانه وتعالى، وزاد في علمكم منطقه، وإذا رأيته حسبت أن القيامة ستقوم الآن.
صحبة الأخيار وثمارها الطيبة:
التشبه بأهل الخير والتقوى والإيمان والطاعة فهذا حسن مندوب إليه، ولهذا يشرع الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته وآدابه وأخلاقه، وذلك مقتضى المحبة الصحيحة، فإن المرء مع من أحب، ولا بد من مشاركته في أصل عمله وإن قصر المحب عن درجته.ولما سأل ربيعة الأسلمي النبي صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة، قال: " فأعني على نفسك بكثرة السجود" رواه مسلم.
فإنما يراد من صحبة الأخيار إصلاح الأعمال والأحوال والاقتداء بهم في ذلك، والانتقال من الغفلة إلى اليقظة، ومن البطالة إلى العمل، ومن التخليط إلى التكسب والقول والفعل إلى الورع، ومعرفة النفس وآفاتها واحتقارها، فأما من صحبهم وافتخر بصحبتهم وادعى بذلك الدعاوى العريضة وهو مصر على غفلته وكسله وبطالته فهو منقطع عن الله من حيث ظن الوصول إليه، كذلك المبالغة في تعظيم الشيوخ وتنـزيلهم منـزلة الأنبياء هو المنهي عنه.
وقد كان عمر وغيره من الصحابة والتابعين يكرهون أن يطلب الدعاء منهم ويقولون " أأنبياء نحن؟"
فدل على أن هذه المنـزلة لا تنبغي إلا للأنبياء عليهم السلام، وكذلك التبرك بالآثار فإنما كان يفعله الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم ببعض ولا يفعله التابعون مع الصحابة، مع علو قدرهم، فدل على أن هذا لا يفعل إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم مثل التبرك بوضوئه وفضلاته وشعره وشرب فضل شرابه وطعامه.قال الحسن: لا تغتر بقولك المرء مع من أحب، إن من أحب قوما اتبع آثارهم، ولن تلحق الأبرار حتى تتبع آثارهم، وتأخذ بهديهم، وتقتدي بسنتهم، وتمسي وتصبح وأنت على مناهجهم، حريصاً أن تكون منهم، وتسلك سبيلهم، وتأخذ طريقتهم، وإن كنت مقصراً في العمل. فإن ملاك الأمر أم تكون على استقامة. أما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء الردية يحبون أنبياءهم وليسوا معهم لأنهم خالفوهم في القول والعمل وسلكوا غير طريقهم فصار موردهم النار ؟ نعوذ بالله من النار.
فمن أحبّ أهل الخير وتشبه بهم جهده فإنه يلحق بهم كما في الحديث المشهور : "من حفظ أربعين حديثا حشر يوم القيامة في زمرة العلماء ".
ومن أحب أهل الطاعة والذكر - على وجه السنة - وجالسهم يغفر له معهم وإن لم يكن منهم "فإنهم القوم لا يشقى جليسهم".
فأمّا التشبّه بأهل الخير في الظاهر، والباطن لا يشبههم فهو بعيد منهم، وإنما القصد بالتشبيه أن يقال عن المتشبه بهم انه منهم وليس منهم من خصال النفاق كما قال بعض السلف: "استعيذوا بالله من خشوع النفاق أن يرى الجسد خاشعاً، والقلب ليس بخاشع"
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا ثلاث لما أحببت البقاء، لولا أن أحمل على جياد الخيل في سبيل الله، ومكابدة الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي أطايب التمر، يريد رضي الله عنه الجهاد والصلاة والعلم النافع، وهذه درجات الفضائل وأهلها هم أهل الزلفى والدرجات العليا.عندما أحدثك عن قوم ثمود وعن هلاكهم، فإنك تنفر منهم، ولكن لا يقسو قلبك، بل إن الإنسان يتعظ بمثل هذه القصص، ويعتبر بما كان عليه هؤلاء القوم، ويعرف ما عاشوا عليه، وما ماتوا عليه.
أخى الحبيب لا تعمل في مكان يؤدي بك إلى قسوة قلبك، ابحث عن عمل في مكان يقربك إلى الله عزّ وجل، يكرّه لك الحرام، ويحبب إليك الحلال، لأن من يعملون في هذا المكان يحبونك، ويطيعون الله عز وجل، فلا يحبون لك إلا الخير، لأنهم قدموا الله تعالى على كل شىء.
الصالحون إذا ذكرناهم، وذكرنا أفعالهم اشتقنا إلى الآخرة.
النبي العظيم صلوات ربي وسلامه عليه بعث الأمة من جهلها، وأقام شريعة الله في أرض مظلمة، وفي أرض قاسية، لكنه جعل من القلوب القاسية ومن القلوب الميتة قلوبًا يقظة ومتصلة بالله رب العالمين، وعلى هذا فلابد وأن تتخذ لك قدوة في حياتك، وأن يكون لك معلم في حياتك.عليك أخى الحبيب أن تصحب من يذكرك بالله عزّ وجلّ، { وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28] هذا لا ينبغي لك أن تستمع إليه، ولا ينبغي أن تستجيب له.
{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ}
قوم موتى تحيا القلوب بذكرهم، وقوم أحياء تقسو القلوب برؤيتهم
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة