طول الاستماع إلى الباطل يطفئ حلاوة الطاعة من القلب

الحكم الربانية
طبوغرافي

الإستاذ الدكتور /أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1

إن مجاورة الباطل ومجاورة أهل الباطل، تجعل القلب بعيدًا عن الله عزّ وجلّ، وتجعل النفس ضعيفة الهمة، قليلة العزيمة، ضعيفة الإيمان، أما مجاورة أهل الحق وملازمتهم يقوى الهمة ويقوى العزيمة، ويقرب الإنسان من الله تعالى، ويهون عليه مشقة وصعوبة العبادات والتكاليف، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28] عليك بالتمسك بهؤلاء وعدم الابتعاد عنهم من أجل متاع الدنيا الزائل، بل إن ما عند الله تعالى خير وأبقى.

قال الله تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124-126]. إن الإعراض عن الله تعالى سبب للعقوبات العاجلة والآجلة، وبه تزيغ القلوب، وتطمس البصائر، فتعمى عن الحق، وتقع في الإثم، فيضيق الصدر، وتسود الدنيا عند المعرضين، قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "رأيت سبب الهموم والغموم الإعراض عن الله عزّ وجلّ، والإقبال على الدنيا".

660bc-c43803164eda88e20cf6402eb27d1b09
أثر المعاصي على النفس وعلى حلاوة الطاعة:
فالذنوب والمعاصي لها آثار كثيرة على العبد، منها: وقوع الوحشة بينه وربه، يقول ابن القيم رحمه الله: "ومن عقوباتها أنها توقع الوحشة العظيمة في القلب فيجد المذنب نفسه مستوحشًا، قد وقعت الوحشة بينه وبين ربه، وبينه وبين الخلق، وكلما كثرت الذنوب اشتدّت الوحشة.

الفرق بين لذة الطاعة ولذة المعصية:
قال الحافظ ابن رجب: (الإيمان له حلاوة وطعم يذاق بالقلوب كما تُذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم، فإن الإيمان هو غذاء القلوب وقوتها كما أن الطعام والشراب غذاء الأبدان وقوتها، وكما أن الجسد لا يجد حلاوة الطعام والشراب إلا عند صحته، فإذا سقم لم يجد حلاوة ما ينفعه من ذلك، بل قد يستحلي ما يضره وما ليس فيه حلاوة لغلبة السقم عليه، فكذلك القلب إنما يجد حلاوة الإيمان إذا سلم من مرض الأهواء المضلة والشهوات المحرمة وجد حلاوة الإيمان حينئذ، ومتى مرض وسقم لم يجد حلاوة الإيمان، بل يستحلي ما فيه هلاكه من الأهواء والمعاصي، ومن هنا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن..))، لأنه لو كمل إيمانه لوجد حلاوة الإيمان فاستغنى بها عن استحلاء المعاصي)

هناك فروق بين لذات الدنيا ولذات الآخرة لا يعلمها كثير من الناس، ومن ذلك:
- أن لذة العمل الصالح دائمة في الدنيا والآخرة، بخلاف لذة الدنيا فهي زائلة في الدنيا قبل الآخرة، فلذة الإيمان والعمل الصالح دائمة أبدية لا تنقطع، وأما لذات الدنيا فهي مع ما فيها من منغصات منقطعة في الدنيا فضلاً عن انقطاعها في الآخرة، روى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما -في حديث هرقل أنه قال لأبي سفيان ومن معه: وسألتك أيرتد أحد - أي من المسلمين - سخطة لدينه، بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشته القلوب.

- أن لذة الدنيا يعتري الإنسان الملل من سببها، بخلاف لذة العمل الصالح فصاحبها لا يزال يطلب الازدياد من سببها، بل كلما ازداد الإنسان من العمل وفق ما ارتضاه له ربه كلما زادت لذته وتعلقه بها لأنها تقربه إلى مولاه وخالقه.

- أن ملذات الدنيا يصحبها منغصات كثيرة، بخلاف لذة العمل الصالح فهي لذة خالصة، قال ابن القيم: (اللذة المحرمة ممزوجة بالقبح حال تناولها مثمرة للألم بعد انقضائها).

من أين تأتي قسوة القلب؟
تأتى قسوة القلب من مجالسة هؤلاء المنغمسين في الدنيا، القرآن يعلمك ويعلمنا ويعلم الدنيا كلها قاعدة جميلة، لن تجد أجمل منها، ولا أحسن منها، ولا أشرق منها، يقول الملك وحق له أن يكون الملك: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] فأعرض، هذا المنهج أسميته المنهج الوقائي، انجُ بنفسك، كما أمرك الله تعالى، أعرض عن من تولى عن ذكر الله، القرآن الكريم كله يربّى فينا هذه القاعدة، فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، حتى ينتهوا عن ذلك.

الزوجة إذا كانت لا تأخذ بيدك إلى الطاعة ولا توقظ همتك إلى مرضاة الله عزّ وجلّ فهي أنانية، إذا قالت لك: أولادك أولى من الناس، أنا أحتاجك بجواري دائمًا، وأنت تريد أن تسبح في خدمة الناس، وفي قضاء مصالح العباد، وحالت بينك وبين رسالتك، فإن الذي يمنعك عن الرسالة عدوّ لك، { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن: 14]