الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
الثبات هو سبيل النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، ولا بد للعبد المسلم أن يسأل الله تعالى الثبات على الهدى لأن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم.
قال الله تعالى: {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}.
وعَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ بِأَرْضِ فَلاةٍ تُقَلِّبُهَا الرِّيَاحُ )).
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ)) رواه الترمذي
فالمعنى الواضح من الآية الكريمة والأحاديث أن الثبات لا يأتى إلا من الله تعالى، فمن لم يثبته الله تعالى ضلّ في دنياه، وخسر في أخراه، لأن قلب الإنسان ضعيف، والضعيف لا يقوى إلا بقوى عظيم، والسبيل إلى ذلك هو الأخذ بأسباب الثبات التى سنوردها الآن بمشيئة الله تعالى.
أيها الأحباب.. ليس الإيمان فقط ما وقر في القلب وصدقه العمل بالإسلام، بل الإيمان هو أن تزداد كل يوم إيمانًا على إيمانك، ونورًا على نورك، وحلمًا على حلمك، وأدبًا على أدبك، وثباتًا على ثباتك، والإيمان يحتاج إلى مثبتات، وإلى وسائل للتثبيت ونذكر منها ما يلى:
مثبتات الإيمان.
طلب التثبيت من الله تعالى:
أيها الإخوة الأحباب.. اطلبوا التثبيت من الله تعالى دائمًا؛ لأن الثبات لا يأتى إلا من عند الله تعالى، قال تعالى: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} فالله تعالى يخبر نبيه الكريم أنه إذا لم يثبته الله تعالى لركن إلى أهل الظلم ولزلّت القدم، وقد ورد عنه صلى الله الله عليه وسلم أنه كان كثير الطلب والإلحاح على الله تعالى في الثبات، فكان يكثر أن يقول: "يا مقلّب القلوب، ثبت قلبي على دينك، قالوا: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبه .
قال شهر بن حوشب: قلت لأم سلمة: يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك، قالت أكثر دعائه: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ثم قال: يا أم سلمة، إنه ليس من آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله، ما شاء أقام وما شاء أزاغ .
وعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك"، قلت: يا رسول الله، إنك تدعو بهذا الدعاء، قال: "يا عائشة، أوما علمت أن القلوب أو قال: قلب بني آدم بين إصبعي الله، إذا شاء أن يقلبه إلى هدى قلبه، وإذا شاء أن يقلبه إلى ضلالة قلبه ".
فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله تعالى التثبيت وأنتم تعلمون من هو رسول الله الذى غفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما بالنا نحن أيها الأحباب؟ ألسنا أحوج إلى التثبيت من الرسول صلى الله الله عليه وسلم ونحن المذنبون العاصون؟
وسائل الثبات:
ــ ترك المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها ظاهرها وباطنها، فإن الذنوب من أسباب زيغ القلوب، فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (إياكم ومحقرات الذنوب، كقوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه).
ــ الإقبال على كتاب الله تلاوة وتعلمًا وعملًا وتدبرًا، فإن الله -سبحانه وتعالى- أخبر بأنه أنزل هذا الكتاب المجيد تثبيتًا للمؤمنين وهداية لهم وبشرى، قال الله -تعالى-: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 102].
ــ عدم الأمن من مكر الله، فإن الله -سبحانه وتعالى- قد حذَّر عباده مكره، فقال -عزَّ وجل: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99]، وقد قطع خوف مكر الله –تعالى- ظهور المتقين المحسنين، وغفل عنه الظالمون المسيئون، كأنهم أخذوا من الله الجليل توقيعًا بالأمان، وقال الله -تعالى-: {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ*سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} [القلم: 40،39].
فالحذر الحذر من الأمن والركون إلى النفس، فإنه مادام نَفَسُك يتردد؛ فإنك على خطر، قال ابن القيم - رحمه الله-: "إن العبد إذا علم أن الله- سبحانه وتعالى- مقلب القلوب، وأنه يحول بين المرء وقلبه، وأنه تعالى كل يوم هو في شأن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وأنه يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء؛ فما يؤمّنه أن يقلِّب الله قلبه، ويحول بينه وبينه، ويزيغه بعد إقامته، وقد أثنى الله على عباده المؤمنين بقوله: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8]، فلولا خوف الإزاغة لما سألوه أن لا يزيغ قلوبهم.
ــ الرجوعُ إلى أهل الحق والتقى من العلماء والدعاة الذين هم أوتاد الأرض ومفاتيح الخير ومغاليق الشر، فافزع إليهم عند توالي الشبهات وتعاقب الشهوات قبل أن تنشب أظفارها في قلبك فتوردك المهالك.
ــ كثرة ذكر الله -تعالى-، كيف لا وقد قال: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، وقال-صلى الله عليه وسلم-: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت).
ــ ترك الظلم، فالظلم عاقبته وخيمة، وقد جعل الله التثبيت نصيب المؤمنين، والإضلال حظ الظالمين، فقال جلَّ ذكره: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}. فهذه بعض أسباب الثبات على الحق والهدى والدين والتقى، من أخذ بها؛ فقد أخذ بحظ وافر، ووقاه الله سوء العاقبة والمآل.