الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
اعتنى الإسلام بالنشاط القولى والعملى والحركى، والزمنى والمكانى للإنسان فى الحياة، ولهذا فلا توجد صغيرة أو كبيرة إلا ولها تفصيلاتها فى هذا الدين العظيم؛ ولهذا فإن الأنشطة الكلامية ( القولية ) الاتصالية بين الناس عُنى الإسلام بها أيضًا فى أدب التخاطب، وأدب التحدث، وأدب التعبير، وأدب الجدل، وأدب الرد على الناس بعامة، وأدب الرد على الخصوم.. إلخ.
وهذا المنهج التأديبى التعليمى إنما هدانا إليه القرآن الكريم، حيث علمنا كيف نتحاور، وكيف نتفق، وكيف نختلف، وكذا علمنا الرسول الكريم المنهج الصحيح للتعبير والاتفاق والاختلاف، ويتسع الأمر لأكثر من هذا فى كيفية التحاور مع الأمم الأخرى، وفى التبادل الفكرى الثقافى، وفى التواصل الإنسانى من خلال التعارف والتلاقى حول مفاهيم إنسانية ؛ تحقيقا لمبادئ التحاب والتواد والتواصى بالخير والتسامح.
الإسلام لا يرضى بالتعصب ويدعو إلى التعايش ولايرى فضلاً لأحد على الآخر إلا بالتقوى .. الحكمة والموعظة الحسنة أرست حضارة الإسلام في نفوس البشر
لقد دعا الإسلام مجتمعه أن يكون متسامحا مع نفسه ومع الآخرين ومتعايشا معهم، وله فى هذه الإرادة دواعيه وأسبابه والتي يمكن إجمالها في أن الإسلام فى أساسه لا يرضى بالتعصب كيفما كان، جنسًا أو دينا لقيام هذا التعصب على الهوى، وحب الذات وحدها، ورفض ما سواها وإلغاء الآخر، كما أن ديننا الحنيف يدعو إلى التعارف، أى إلى التجمع، والتساكن، وتبادل المنافع، والمصالح. وإلى التعايش، فى أخذ وعطاء، وفى تأثر وتأثير دائمين، بعيدًا عن أية عصبية جنسية أو عنصرية إقليمية أو نعرة ثقافية، وهو بذلك لا يرى فضلاً لأحد على الآخر إلا بالتقوى. يقول عز وجل يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ سورة الحجرات : 13 ] والتقوى تعنى طلب الوقاية التى هى الصيانة من كل ما قد يصيب الإنسان من ضرر ومكروه . والحفظ منها والحصانة والمناعة .
كما ينطلق من أن الاختلاف كامن فى طبيعة الحياة، وجبلة الخلق . إذ أن الله تعالى خلق الكون وما فيه ومن فيه على أساس من الاختلاف البارز فى التنوع والتعدد؛ مما يتجلى فى مختلف الظواهر والمظاهر.
يقول سبحانه وتعالى :وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ [ الروم : 22].
وإن دعوة الإسلام تنطلق من نظرة شاملة للإنسان، وهذه النظرة تبقى أساسية وصالحة للبشر فى كل زمان ومكان والقرن الذى نحن فيه هو قرن التواصل البشرى، وقرن التحاور الثقافى، ويمكن القول : إنه قرن “التدافع الثقافي”، وهذا توجه مهم ومفيد ؛ يلزم المسلمين استقباله والتعامل معه بإيجابية وارتياح ؛ لأن منهجية الحوار بالبيان والحكمة، ومنطلق أساس فى منهج القرآن الكريم وأدبيات الدعوة إلى قيم الإسلام، التزاماً بالتوجيه الربانى أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [ سورة النمل : 25 ] . والمسلمون مطالبون بالسعى للحوار مع الناس بما يحقق وضوح الرؤية، ويجمع الكلمة على المبادئ والقيم الربانية الخالدة . وهذا فى قوله تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ [ سورة الروم : 22 ].
ولعنا ندرك أن هذه الآية الكريمة جاءت لتقرر مبادئ فى علاقات المسلمين بغيرهم، ومنها مبدأ الاعتراف بالآخرين، مبدأ استشراق المستقبل فى ظل علاقات إنسانية سامية.
والأمة الإسلامية تحكم علاقاتها وتحاوراتها مع الآخرين قاعدة أساس تقوم بها وعلى أساس منها صحة كل علاقة وسلامة كل حوار، وهى التزام مبادئ وقيم وتعاليم دين الله، وهذا بين فى قول الله تعالى: وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ [ سورة المائدة : 49 ] .
والمسلمون بمنهجهم الربانى العادل، وموروثهم القيمى والتشريعى، وفى ضوء قدراتهم المادية والسياسية ؛ ليجدوا أنفسهم مؤهلين كل التأهيل لأداء مهمتهم ومساهمتهم الإيجابية الفعالة فى معترك التدافع الإنسانى البشرى لإقامة نظام عادل ينهى حالة القلق والذعر التى تحيق بالناس، ويصرف أسباب الفساد عن الأرض، ويضع حداً لتدهور العلاقات فى أكثر من موقع . ويزيل عوامل الاضطراب والجشع والاصطراع السياسى والاقتصادى بين الأمم . ويضبط حركة التدافع الإنسانى، ويقيم موازين القسط للتعايش، والتعاون البشرى، ويرتقى بمنهج التبادل والتكامل الثقافى، بما يحقق للناس تطلعاتهم لحياة إنسانية آمنة مطمئنة تهتم بالأمن والاستقرار والعدل والسلام .
مشروعية الحوار فى القرآن الكريم
تعرضت آيات القرآن الكريم في مواضع شتى للحوار وبأساليب مختلفة، ففي بعض الآيات تظهر الدعوة إلى الحوار، أو إلى شئ من مستلزماته وأصوله، وفي نصوص أخرى حث على التزام آداب عامة للحوار، وفي قسم منها بيان آداب خاصة من آداب الحوار، وفي قسم منها نماذج وأمثلة للحوار.
ومن النصوص العامة التى وضعت مقومات الحوار، وأصوله، وشروط الانتفاع به قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ : 46].
وتأتى هذه الآية ردًا على المشركين الذين طعنوا في النبي صلى الله عليه وسلم دون تدبر أو تفكير فاتهموه بالكذب تارة وبالسحر تارة أخرى كما في الآيات قبلها: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ} [سبأ:43].
وقد أقام الله عز وجل هذه الموعظة العظيمة التى من أخذها بجميع مقوماتها فلا بد أن يصل إلى الحق، وهذه المقومات هي: القيام لله تعالي: { بِوَاحِد أَن تَقُومُوا لِلَّهِ } [سبأ: 46] وهو الإخلاص والتجرد في طلب الحق.
وهذا شرط أساسي لكل عمل، وبدونه يفسد العمل ولا يوفق فيه صاحبه ولا يبارك فيه، فالإخلاص في البحث عن الحق والصدق في طلبه شرط للوصول إلى ذلك الحق.
وعندما يغيب الإخلاص ينعدم الانقياد إلى الحق. ولو كان مثل فلق الصبح؛ لأن من تعلق قصده بغير وجه ربه عز وجل ثقل عليه الانقياد للحق، وقصرت همته عن بلوغه العمل به، وعندما يوجد الإخلاص في القصد والصفاء في النية والتجرد لاتباع الحق، يسهل على صاحبه الانقياد له عند ظهوره، ولو على لسان مخالفه؛ لأنه يعلم أن الرجوع إلى الحق خير من التمادى في الباطل .
وهذا الأصل يدخل تحته عدد من الآداب مثل تصحيح النية، وحسن الاستماع، والتسليم بالخطأ، والرجوع إلى الحق والتواضع، وتجنب الكذب، والمراوغة، والأمانة، والإنصاف والعدل، والهدوء، وضبط النفس، وعدم الغضب، والسخرية بالطرف الآخر وغير ذلك.
ويأتي شرط مراجعة النفس على انفراد أو مع الآخرين : {مَثْنَى وَفُرَادَى} [سبأ : 46] والالتزام بهذا الشرط عاملا مهما من العوامل التى تغطى الحق، أو تشوه وجهه، وذلك في مثل الأجواء الجماعية والجماهير الجاهلة، والتى غالبا ما تتصف بالغوغائية والتقليد الأعمى، واتباع كل ناعق من رؤوس الضلال؛ مما يؤدى بطالب الحق المخلص إلى اتباع الأكثرية من الناس، متهمًا نفسه، ظانًا أن الحق مع الأكثرية.
وهذا الأصل أيضًا يدخل تحته عدة أمور تجب مراعاتها، مثل مراعاة الجو المحيط بالحوار، والظروف النفسية والاجتماعية للطرفين، والتعارف قبل الحوار، والتحدى والإفحام، والمحافظة على هدف الحوار والوصول إلى نتيجته.
ثم يكون التفكر فيما يقوله المخالف : {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ : 46] وهذا الأصل هو الوسيلة الأساسية للوصول الى الحق بعد الالتزام بالشرطين السابقين، فالتفكير والعلم وإمعان الرأى هو المتمم لهذا المنهج الإلهى للوصول إلى الحق، وتبين الهدى من الضلال؛ لأن أداة التفكر الأساسية هى العلم بحال القضية المختلف فيها ومعرفة ملابساتها، والمقصود بالتفكر هو البحث عن الأدلة الشرعية العلمية والتحقق من ثبوتها ودلالتها على المراد، والجاهل بذلك كله لا يستطيع الوصول الى الحق فيوجه التقليد الأعمى دون فكر أو نظر.
ويدخل تحت هذا الأصل عدد من الآداب العلمية مثل البيان وحسن العرض والتثبت والتوثيق، والبدء بمواطن الاتفاق، وطلب الدليل والمبادرة به، والتسليم بالحق والبدء بالأهم، وغير ذلك مما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى.
آداب الحــــوار في الإسلام .
ما دام الحوار ضرورة عصرية هامة فلابد أن نتعرف إلى آدابه التى ينبغى لكل محاور أن يلتزم بها حتى ينجح الحوار ويصل إلى الحق، وهذه الآداب تتلخص في إخلاص النية لله، العلم، الصدق، التزام المحاور بما يدعو إليه، التكافؤ بين المتحاورين، وجود خلفية عن الطرف الآخر، اختيار الطرف المناسب، حسن الاستماع، التدرج والبدء بالأهم، الإقرار بالخلاف، التدعيم بالأمثلة والحقائق، طلب الانتظار وعدم الاستعجال، الهدوء وعدم الغضب، الاحترام بين المتحاورين، إقامة الحجة، إنهاء الحوار.
الحوار مع منكرى البعث من العرب وغيرهم:
تعتبر قضية إنكار البعث من أهم القضايا الأساسية التى واجهها الإسلام إذ أن الناس تعودوا أن يقصروا علومهم على المحس الملموس، وهذه نظرة قاصرة محدودة، فاستبعدوا أن يتحول الجماد إلى حياة، وأن تعاد حياة الإنسان بعد الوفاة .
ومن ناحية ثانية فهم لا يريدون البعث؛ لأنهم يرفضون قضية الحساب والجزاء { بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } [ القيامة :5].
والبشرية بما هو مرتكز فى فطرتها من حب اللقاء تقاوم فكرة العدم المحض لأنها تحس بالحسرة الصارخة عندما تختنق فيها بواعث الأمل باستمرار هذه الحياة، وقضية إنكار البعث والجزاء ممتدة فى الأمم الماضية عبر القرون والعصور، وقد ذكر الله تعالى أقوال الأمم المكذبة؛ فقال تعالى :
{ قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } [ المؤمنون: 83]، {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } (سورة ق : 12 – 15)
* شبه منكرى البعث :
- استبعاد إعادة الأجساد بعد تحللها، وتفتت العظام .
- أن الإنسان إذا مات وفارقته القوة لا تعود إليه مرة أخرى .
- أن السباع لو أكلت إنساناً وصارت أجزاء المأكول فى أجزاء الآكل فكيف يمكن التفريق بينها.
والقرآن الكريم يرد على جميع المنكرين للبعث مهما اختلفت بيئاتهم وتنوعت أساليبهم بمنطق الحجة والبرهان، ويقيم البراهين الحسية والعقلية على المعاد، ولقد نهج القرآن فى استدلاله على إمكان البعث وتحقق وقوعه منهجاً قويماً يجمع بين ما فطرت عليه النفوس من الإيمان بالمُحس وبين ما تقرره العقول السليمة ولا يتنافى مع الفطرة المستقيمة .
- الطرق التى استخدمها القرآن فى الاستدلال على البعث: طريقة ذكر قصص السابقين :
وهم الذين رد الله عليهم أرواحهم بعد موتهم، وقد رأى ذلك من كان فى زمانهم.
أ– قال تعالى: { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة : 56]
ب – قال تعالى: { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [ البقرة : 73]
جـ – قال تعالى: { َألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } (سورة البقرة : 243)
د – قال تعالى: { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة : 259]
ولذلك نلاحظ أن القرآن اتبع عدة وسائل لتصحيح هذه الفكرة وناقشها معهم .
– الطريقة العقلية :
هى قياس الإعادة على البدء، ومنه قوله تعالى :{ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ الروم : 27]
كما يقول تعالى : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [ يس: 82].
فإن القدرة على الانتقال من العدم إلى الوجود فى البداية تستلزم القدرة على تلك فى النهاية؛ لأن أساس الإمكان والاستحالة فيها واحد لا يختلف ولا يتعدد.
– الطريقة الحسية :
ذلك بتقريب ما يستبعدونه إلى ما يقع تحت محسوساتهم ويتكرر مشهده عليهم دائما: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا شَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} [الحج : 7]
وفى هذه الآية دليلان على إمكان البعث ؛ دليل فى الأنفس ودليل فى الآفاق، إنه نظام الحياة الذى لا يتغير، إيجاد من العدم، ثم مصير إلى العدم، ثم حياة، وهذا حال الإنسان والنبات الذى يرونه فى واقعهم : { وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا } [ الإسراء : 51] وهى أنكم مهما تفرقتم وعلى أية حالة كنتم فالله قادر على بعثكم وإعادتكم،
قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ الروم : 27]
بهذا المنطق الواضح البرهان القاطع يرد القرآن الكريم على منكر البعث مما يراه، وبما يقع تحت إدراكه من الأمور .
الحـــوار مع المنافقين
إن أخطر نوع من الناس الذين واجههم الإسلام هو ذلك النوع الذى لم يعرف فى بداية الدعوة إذ لم تكن ثمة حاجة إلى ظهوره منذ البداية، حيث الكفر يمارس نشاطه من مركز قوة لا يخشى شيئا. لذلك نجد الكافرون يصرحون بكفرهم ويحاربون رسول الله وصحابته بكل أنواع الأسلحة المادية والمعنوية دون وجل حتى إذا انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقويت شوكة الإسلام وتبدلت الصورة ؛ بدأ الكفار بالحرب الخفية، وهى النفاق بإظهار الإيمان وإبطال الكفر .
النفاق من الناحية النفسية يعتبر نتيجة لضعف النفس وعدم قدرتها على التصريح بمعتقداتها، فالنفوس إذا كانت قوية تصرح بمعتقداتها مهما ترتب على ذلك من نتائج؛ لأن النفاق يورثها عذاباً فى النفس ووخزاً فى الضمير يهون احتمال عذاب البدن دون احتماله، أما النفوس الضعيفة فإنها عندما تواجه معتقداً قوياً يخالف معتقداتها، وهو يملك الهيمنة عليها لا تصرح بمعتقداتها بل تضعف أمام تلك القوة المهيمنة عليها، وتحاول أن تسلك طريقاً يؤمن لها سبيل الحياة فى ظلل تلك القوة المهيمنة عليها، وإن كان ذلك يؤدى إلى تغطية معتقداتها .
وكلما زادت قوة الدولة المهيمنة عليها وتكررت انتصاراتها زاد ضعف تلك النفوس الضعيفة واشتد هلعها، وقد يوجد النفاق ممن يملك قوة وهيمنة على المسلمين ؛ فيظهر لهم الإسلام نفاقاً ليحتفظ بمركزه بينهم .
ومع ذلك فإن هذا لا يخرج النفاق عن كونه ضعفاً فى النفس لأن صاحب النفس القوية لا يرضى لنفسه أن يقيم حكمه على مداهنة من يختلفون معه فى العقيدة .
وللمنافقين أهداف تحملوا من أجلها هذه المخاطر وأخفوا معتقدهم الحقيقى، ومن أهم هذه الأهداف:
* الحصول على المصالح المادية : وذلك لأن المسلم فى دولة الإسلام له الحرية التامة فى التصرف بأمواله فى حدود تعاليم الشريعة، كما أن له حقوقا مشروعة فى بيت مال المسلمين تضمن له عيشا كريما. وإذا كان من أهل الكفاءة فإنه يستطيع أن يصل إلى عمل فى الدولة يتقاضى به أجراً من بيت المال وإذا اشترك فى الجهاد كان له حظ من الغنائم، فالمنافقون يلاحظون هذه المصالح التى تفوتهم فيما لو أظهروا كفرهم .
* الحصول على المصالح المعنوية : وذلك لأن المسلم فى دار الإسلام إذا كان متمسكاً بدينه يحصل لدى ولاة الأمر على الجاه الرفيع والمنزلة العالية بين المسلمين، وهذا الأمر مرغوب فيه، وتشتهيه بعض النفوس كما تشتهى المال وأكثر فإذا ما أظهر المنافقون التقوى والورع حصلوا على ما يريدون من هذا الهدف .
* اتخاذ النفاق وسيلة للوصول إلى مراكز الحكم والقيادة : أما تلبية نداء شهوة الرئاسة تسيطر على بعض الناس، وإما للتوصل بذلك إلى تنفيذ مخططاتهم الخبيثة وأهدافهم السيئة إذا كانوا من أصحاب المبادئ الهدامة، وبغير النفاق لا يستطيعون الوصول إلى ذلك ماداموا فى دار الإسلام ؛ لأن المسلمين مهما كانت درجة إيمانهم
سيمقتونهم ويحاربونهم .
* وقاية لأنفسهم وأموالهم : وذلك لأن الإسلام يعصم دماء معتنقيه وأموالهم، والمنافقون من الكفار إذا أظهروا كفرهم عاملهم المؤمنون معاملة الكفار والمرتدين .
* اتخاذ النفاق وسيلة لحرب الإسلام والمسلمين : وذلك بنشر الرذائل فى المجتمع الإسلامى، ومحاولة تثبيط المؤمنين عن التمسك بدينهم والجهاد فى سبيله وتشكيك ضعفاء الإيمان منهم بمعتقداتهم، والتجسس على دلالة الإسلام لصالح أعدائها، وهم بهذا يجمعون بين محاربة المؤمنين وكسب رضا أعدائهم عنهم والتقرب إليهم .
إن الخطاب مع المنافقين له سمات خاصة تميزه، وهو المبدأ الذى طلب الحق تبارك وتعالى من رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يتعامل معهم على أساسه؛ حيث قال: { يأيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [التحريم : 9].
ويبين الله تعالى فرحهم بمكاسبهم الدنيوية ونظرتهم الحاضرة القاصرة: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } [التوبة : 81].
ونلاحظ الغلظة فى الرد عليهم، وبيان عدم فقههم ومعرفتهم : {وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا باللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْل مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِف وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِم فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} [التوبة:86].
وهكذا نرى أن القرآن اتبع معهم عدة أساليب: استخدام أسلوب التوبيخ والتعريض :
فهذه الآيات تصرح بتوبيخهم { بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورً } [الفتح : 12]
ثم ينتقل الخطاب إلى زيادة فى التوبيخ باستخدام التخويف من الله تعالى والتذكير بأن من يفعل ذلك فهو من الكافرين ومصيره النار بأقسى أسمائها { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِين سعيرًا } [الفتح : 13]
ثانيا : استخدام الأسلوب العقلى:
ثم يأتى التحريك للعقل فلو كانت عندهم عقول يفكرون بها ما وصلوا إلى هذه الحالة. فيقول تعالى : { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرِ لمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ من يَشَاء وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } [الفتح : 14]. فمن كان تحت ملك الملوك كيف تسول له نفسه معصيته ؟ ويبين الله تعالى أنهم بجهلهم يظنهون أن فى قدرتهم معاندة الله والخروج عن أمره وتحدى إرادته ولكن السبب دائما أنهم لا يفقهون، كما وصفهم الله بذلك بقوله تعالى: { سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتبعكم يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا } [الفتح : 15]
ثالثا : استخدام أسلوب فضح الصفات :
والآيات تفضح صفات المنافقين.. ولكنها فضيحة مقرونة بالتذكير وليست فضيحة مجردة فمن طبيعتهم :
- الشك فى وعد الله، قال تعالى : { وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَانَصِيرًا } [الأحزاب : 17].
- والبخل والكيد ضد الدين : {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون : 7].
وهكذا نلاحظ دائما أن المنافقين ينسون حقيقة مهمة جداً، وهى أن الأمر كله لله وأن مقاليد السماوات والأرض بيديه سبحانه، وأنه المعطى المانع المحيى المميت المعز المذل، ولذلك نجد الآيات تتجه إلى تذكيرهم بهذه الحقائق، وتصفهم بعدم الفقه: { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِين وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } (المنافقون : 8)
- المعصية والإعراض عن حكم الله إلا إذا كان فى مصلحتهم : { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } [النور 49]
ثم يقرر الله تعالى بعد إخراجهم من الإيمان أن مشكلتهم الحقيقية أن قلوبهم مريضة فيقول:
{ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [النور : 50]
– الخوف من الموت والحرص على المصالح الدنيوية :
قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } ( النساء : 77)
وتأتى الحقيقة التى يفر منها المنافقون ليقررها رب العزة والجلال { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء : 78]
رابعا : الصراحة والوضوح فى بيان المصير: هذا هو أسلوب القرآن فى بيان مصير المنافقين، وحقيقة حالتهم فى الآخرة، عسى أن يوقظ هذا الأسلوب تلك المشاعر، وعسى أن تجد هذه الكلمات صدى فى نفوس بعض منهم.
فإن كانت المصالح الدنيوية قد طغت على عقولهم فأعمت أبصارهم أين هم يوم القيامة مما كانوا يتظاهرون به ؟ .
{ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [الحديد : 15].
وهكذا نرى منهج القرآن فى الخطاب مع المنافقين هو المواجهة والتصريح بالعقاب والتخويف والتذكير بآيات الله وقدرة الله وعظمته، وفضح صفاتهم ومواجهتهم بها والتذكير باليوم الآخر وما سيؤولون إليه.
التطور التاريخى للعلاقة بين الإسلام والغرب:
على الجانب التاريخى فقد وضعت الدولة الإسلامية حداً للضياع الذاتى الكامن فى داخله النفس الإنسانية، والتى لم يتحقق لها – على امتداد عمرها الزمنى – أى خصوصية أو هوية واضحة المعالم
فلقد استغرقت حركة الفتح الإسلامى ثمانين عاماً لتلك البلاد التى احتلها الرومان فمثلاً فى ثمانية قرون.! أو لعل هذا الاختزال الزمنى الهائل يكشف عن فلسفة الفتح الإسلامى ذاتها: إذ اعتمد الإسلام لوهلته الأولى، وفى سياق امتداده الحضارى عموما: مبدأ الحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتى هى أحسن، كأحد مقومات الحركة الراشدة، فلقد حمل الإسلام على أجنحته قيم الرحمة والبر والتسامح.. ومن ثم انطلقت الحركة الإسلامية تزيح كابوس القهر الخانق، وتبدد ظلام الاستبداد المطبق، وراحت تفك أواصر انعقدت بأغلال العرق واللون والطبقية النكراء.. “ويجادل كثير من الكتاب الغربيين – فى لجاج مفهوم – بأن هذه الدولة كانت إمبراطورية استعمارية لم تخرج عن أن تكون غزواً وإخضاعا وتبعية، والحقيقة أن الدولة الإسلامية كانت تحريرية بكل معنى الكلمة، كما قد نقول، فهى التى حررت كل هذه المناطق من ربقة الاستعمار الرومانى أو الفارسى المتداعى واضطهاده الوثنى وابتزازه المادى ومن جهة أخرى: فقد أدى امتداد الفتح الإسلامى إلى أطراف غرب أوربا، وشمال البحر المتوسط، والى أفريقيا والأندلس غرباً، والى معظم قطاعات أوربا الشرقية وآسيا الوسطى شرقاً إبان تلك الموجة ؛ أدى ذلك بدوره إلى ميلاد أفكار مشوهة وانفعالية عن الإسلام لدى بعض من أولئك الذين استعصوا على التجاوب مع حركة الفتح الإسلامى ونظروا إليها بشيء من الريبة والتوجس وسوء الظن ؛ مما خلق جواً ملبداً بالعداء، لاسيما هنالك عند الحدود الغربية التى أمست مثاراً للتصادم وسفك الدماء.!
من تعلّق قصده بغير وجه ربه ثَقُل عليه الانقياد للحق وقصرت همته عن العمل به
يتضمن الكتاب :
الفصل الأول: مدخل إلى الحوار في الإسلام
الفصل الثانى: مشروعية الحوار
الفصل الثالث : منهجية الحوار
الفصل الرابع : الحوار فى التاريخ الإنسانى
الفصل الخامس :الحوار مع الذات و الآخر
الفصل السادس :حوار الحضارات
الفصل السابع :ثمرات الحوار
الفصل الثامن : رؤية تحليلية فى علاقة الإسلام بالغرب
النفاق دليلٌ علي ضعف النفس فصاحب النفس القوية لايرضى بالمداهنة
كتاب (الحوار فى الإسلام والتفاعل الحضارى )
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة