الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
الدعاء بالأسماء الحسنى من العبادات المقربة إلى الله تعالى بما تحمله من معان وصفات أسرار عظمى
لا يخفى أنَّ حاجة العباد إلى معرفة ربهم وخالقهم ومليكهم هى أعظمُ الحاجات، وضرورتهم إلى ذلك هى أعظم الضرورات، وكلما كان العبدُ أعرفَ بأسماء ربه، وما يستحقه من صفات الكمال ونعوت الجلال، وما يتنزّه عنه مما يضاد ذلك من النقائص والعيوب كان حظُّه من الثناء، ونصيبه من المدح بحسب ذلك.
ومن هذا المنطلق رحلة فى أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، يقتبس من أنوارها وأسرارها قبسًا ينير القلوب، ويملؤها باليقين والثبات، ويزرع الرجاء فى القلوب.
ويلقى هذا الكتاب النور على فضل أسماء الله الحسنى، وما ورد فى الكتاب والسنة من الحث على إحصائها، والدعاء بها، فهى موطن الإجابة والعفو والرحمة التى وسعت كل شيء من الله رب العالمين.
وفى دراسة أسماء الله الحسنى سلك هذا الكتاب بيان أسرارها وأنوارها مقتفيًا طريق الكتاب والسنة، ومستخلصًا الكثير والعديد من الفوائد وانعكاسات هذه الأسماء على المسلم؛ فيتخلق بأخلاق الله وصفاته، ويتعلم من أسماء الله الحسنى أعظم الصفات وأجل الأخلاق.لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا لذة للبشرية إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله
إن أسماء الله الحسنى لها من الفضل ما لا يعلم مداه إلا الله سبحانه وتعالى، ولإحصائها ودعاء الله بها من الأثر على قلوب العباد ما يملؤها بالإيمان والحب والطمأنينة .
أهمّيّة أسماء الله الحسنى:
إنّ العلم بالله، وأسمائه، وصفاته أشرف العلوم، وأجلها على الإطلاق لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم فى هذا العلم هو الله سبحانه، وتعالى بأسمائه، وصفاته وأفعاله، فالاشتغال بفهم هذا العلم اشتغال بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أشرف المواهب.
إن معرفة الله تعالى تدعو إلى محبته، وخشيته، وخوفه، ورجائه، ومراقبته، وإخلاص العمل له، وهذا هو عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله تعالى إلا بمعرفة أسمائه الحسنى، والتفقه فى معانيها.
إن معرفة الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى مما يزيد الإيمان؛ ولذلك الفضل العظيم الذى يشمله العلم بأسماء الله الحسنى ورد الحث على إحصاء أسماء الله الحسنى فى القرآن والسنة النبوية، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعراف: 180].
وقال تعالى : { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا } [ الإسراء : 110].
وأخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن إحصاء أسماء الله الحسنى طريق إلى الجنة، وذلك فى الحديث الذى ورد عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم : "إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة".
فإحصاء أسماء الله تعالى الحسنى أصل للعمل، وفيه سعادة الدنيا والآخرة، وهو مدعاة لصفاء الإيمان وتمام التوحيد، ودخول الجنة .
واختلف فى مراتب إحصاء أسماء الله تعالى التى من أحصاها دخل الجنة، فقيل: فهم معانيها ومدلولها، وقيل: دعاؤه بها، كما قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180] ، وهذا على مرتبتين: إحداهما دعاء ثناء وعبادة، والأخرى دعاء طلب ومسألة.
فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، ولذلك لا يسأل إلا بها، فلا يقال: يا موجود، أو يا شيء، أو يا ذات، اغفر لى وارحمني، بل يسأل فى كل مطلوب باسم يكون مقتضيًا لذلك المطلوب، فيكون السائل متوسلًا إليه بذلك الاسم فكل مطلب يطلبه العبد من ربه من أمور دينه ودنياه، فليتوسل إليه باسم مناسب له من أسماء الله الحسنى، فمن دعاه لحصول الرزق فليسأله باسمه الرزاق، ولحصول رحمة ومغفرة فباسمه الرحيم الرحمن البر الكريم العفو الغفور التواب ونحو ذلك.
لماذا سميت أسماء الله بالحسنى؟
لا تختلف تعليلات المفسرين والعلماء حول تسمية أسماء الله تعالى بالحسنى، والمعنى أن الوصف مشتق من حال الموصوف جل جلاله، فهو متصف بالقدرة والعلو والرفعة، والقوة والرحمة والجود، والفضل، وله الحمد والشكر والثناء والتمجيد والتهليل والتعظيم، وله الحياة الدائمة .
ولذا تعبدنا بصون المصاحف، وإن كانت ورقًا وحبرًا.
أسماء الله الحسنى فى القرآن الكريم:
وصف الله تعالى أسماءه الحسنى فى أربع آيات :
أولها: قوله تعالى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [ الأعراف: 180 ] .
والثانية قوله تعالى : {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110] .
والثالثة قوله تعالى : {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [ طه: 8 ] .
والرابعة قوله تعالى : {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [ الحشر: 24].
وإذا تعايشت أخى المسلم الموحد بالله تعالى فى معانى أسماء الله وصفاته تجد نفسك فى نورانيات جليلة من رب عظيم ذو الجلال والإكرام، وتتمثل تلك النورانيات فى المعانى الآتية:
الأولى: إن معانى أسماء الله الحسنى وصفاته العلى هى أكمل الصفات وأجلها وأعلاها ؛ لأنها أسماء الله تعالى وصفاته.
الثانية: إن معانى أسماء الله الحسنى وصفاته العلى لها من الجلال والعزة والإحسان، وانتقاء شبه الخلق والوحدانية الكاملة لله تعالى قال تعالى : {سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [ الزمر: 4] .
الثالثة: إن الدعاء بالأسماء الحسنى من وسائل العبادات المقربة إلى المولى عز وجل بما تحمله من معان وصفات أسرار عظيمة، لا يعلم العباد منها إلا القليل عنها.ومن أشرف أنواع الذكر التى تجعل المسلم المؤمن الموحد مراقبًا لمولاه من سره وعلانيته، ويستحضر عظمته كذلك الذكر الذى يجعل المسلم الموحد يعيش فى كنف مولاه حيث إنه بذكره له فقد التجأ إليه وفوض أمره كله إليه .
ومما يزيد المسلم المؤمن الموحد تشريفًا أنه عندما يتمسك بهذا الذكر ؛ فإنه يتحصن من الشيطان الرجيم، ويسد أمامه الأبواب والنوافذ، ويغمر قلبه بالرضا والطمأنينة، ويزول عنه الهم والغم، والغفلة والهوى، ويمتلئ قلبه بالفرح والسرور رضا مولاه، حيث يقوى قلبه وبدنه بطاعته، فيرتفع لسانه عن الغيبة والنميمة، والفحش، والباطل والكذب .
وليس هناك أعظم من قوله تعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186] .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41 42] .
وفى فاتحة الكتاب خمسة أسماء: يا الله، يا رب، يا رحمن، يا رحيم، يا مالك .
وفى البقرة ستة وعشرون اسمًا: يا محيط، يا قدير، يا عليم، يا حكيم، يا تواب، يا نصير، يا واسع، يا بديع، يا سميع، يا كافي، يا رءوف، يا شاكر، يا إله، يا واحد، يا غفور، يا حليم، يا قابض، يا باسط، يا لا إله إلا هو، يا حيُّ، يا قيوم، يا عليُّ، ياعظيم، يا ولي، يا غني، يا حميد .
وفى آل عمران أربعة أسماء: يا قديم، يا وهاب، يا سريع، يا خبير . وفى النساء ستة أسماء: يا رقيب، يا حسيب، يا شهيد، يا عفو، يا مقيت، يا وكيل . وفى الأنعام خمسة أسماء: يا فاطر، يا قاهر، يا قادر، يا لطيف، يا خبير .
وفى الأعراف اسمان: يا محيي، يا مميت . وفى الأنفال اسمان: يا نعم المولى، ويا نعم النصير. وفى هود سبعة أسماء: يا حفيظ، يا رقيب، يا مجيب، يا قوي، يا مجيد، يا ودود، يا فعَّال . وفى الرعد اسمان: يا كبير، يا متعال . وفى إبراهيم اسم: يا منان . وفى الحجر اسم: يا خلاق . وفى مريم اسمان: يا صادق، يا وارث . وفى الحج اسم: يا باعث . وفى المؤمنين اسم: يا كريم . وفى النور ثلاثة أسماء: يا حق، يا مبين، يا نور . وفى الفرقان اسم: يا هادى . وفى سبأ اسم: يا فتاح . وفى المؤمن أربعة أسماء: يا غافر، يا قابل، يا شديد، يا ذا الطول . وفى الذاريات ثلاثة أسماء: يا رازق، يا ذا القوة، يا متين . وفى الطور اسم: يا برُّ . وفى القمر اسم: يا مقتدر . وفى الرحمن ثلاثة أسماء: يا باقي، يا ذا الجلال، يا ذا الإكرام . وفى الحديد أربعة أسماء: الأول، الآخر، الظاهر، الباطن . وفى الحشر عشرة أسماء: يا قدوس، يا سلام، يا مؤمن، يا مهيمن، يا عزيز، يا جبَّار، يا متكبر، يا خالق، يا بارئ، يا مصور . وفى البروج اسمان: يا مبدئ، يا معيد. وفى «الصمد» اسمان: يا أحد، يا صمد .
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدة إنه وتر يحب الوتر، من أحصاها دخل الجنة، هو الله الذى لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحى القيوم، الماجد، الواجد، الواحد، الأحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، الوالي، المتعالى المقسط، الجامع، الغني، المغني، الرافع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور » وقال غيره: المانع بدل قوله الرافع، وقال: الوالى المتعالى عقب قوله: الباطن.
العبادة بأسماء الله وصفاته:
لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا لذة ولا سرور، ولا أمان، ولا طمأنينة للبشرية إلا بأن تعرف ربها، ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون أحب إليها مما سواه، ويكون سعيها فيما يقربها إليها، ويدنيها من مرضاته .
ومن المحال أن تستقل العقول البشرية بمعرفة ذلك، وإدراكه على التفصيل؛ فاقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به معرفين رسالته، داعين، ولمن أجابهم مبشرين، ومن خالفهم منذرين، وجعل مفتاح دعوتهم وأساسها معرفة المعبود – سبحانه – بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة الإلهية جميعها، وإن الخوف والرجاء والمحبة والطاعة والعبودية، تابعة لمعرفة المعبود .
ولما كان مفتاح الدعوة الإلهية ورسالته معرفة الله – تعالى – فأساس دعوة الرسول – صلوات الله وسلامه عليهم – إلى عبادة الله – عز وجل – هو معرفة الله – سبحانه – بأسمائه وصفاته وأفعاله .
وأسماء الله الحسنى وصفاته العلى لها من العظمة ما يرتبط بالعبودية الحقة، حيث إن لكل صفة عبودية خاصة، فعلم العبد بتفرد الله – عز وجل – بالضر، والنفع، والعطاء، والمنع، والخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، يجعله عابدًا لربه متوكلًا عليه باطنًا وظاهرًا .
كما أن علم العبد بسمع الله – تعالى – وبصره وعلمه بأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة فى السماوات ولا فى الأرض، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، يجعله عابدًا لله يحفظ لسانه، وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضى ربه، ويجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه فيثمر له ذلك الحياء باطنًا، مما يدفعه إلى اجتناب المحرمات والقبائح، ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه، ورحمته، توجب له سعة الرجاء وتمنحه من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه .
وكذلك علم العبد بكمال الله وجماله وصفاته العلى يوجب له محبة خاصة بمنزلة أنواع العبودية، فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات، وارتبطت بها ارتباط الخلق بها، فخلقه – سبحانه وتعالى – وأمره هو موجب أسمائه وصفاته فى العالم ؛ لأنه لا يتزين من عباده بطاعتهم ولا تشينه فتضمن ذلك أن ما يفعله – سبحانه وتعالى – بهم من غفران زلاتهم وذنوبهم وإجابة دعواتهم، وتفريج كرباتهم ليس لجلب منفعة منهم، ولا لدفع مضرة يتوقعها منهم، كما هو عادة المخلوق الذى ينفع غيره؛ ليكافئه بنفع مثله، أو ليدفع عنه ضررًا.
ومن كمال النعمة الإلهية أن المولى – عز وجل – يرضى من عباده بما تسمح به طبائعهم، وقواهم، فلا شيء أحسن فى العقول والفطرة من شكر المنعم، ولا أنفع للعبد من هذا .ومما سبق فإنه يظهر مسلكان من حسن التكليف والعبادة والأمر والنهي:
فأولهما: يرتبط بذات الله وصفاته، وكماله، وأن أسماءه وصفاته تقتضى من عباده غاية الحب والذل والطاعة له .
آخرهما: يرتبط بأحسان الله وإنعامه، ولا سيما مع غناه، وأنه إنما يحسن إليهم رحمة منه، وجودًا وكرمًا، لا لمعاوضة، ولا لاستجلاب منفعة، ولا لدفع مضرة، وأى المسلكين سلكه العبد، أوقفه على محبته، وبذل الجهد فى مرضاته، واتباع الطاعات، والالتزام بها .
وهذا عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه، وصفاته، وفهم معانيها، بل حقيقة الإيمان والعبادة لله – عز وجل – تقتضى من العبد أن يعرف الرب الذى يعبده، ويؤمن به، ويبذل جهده فى معرفة أسمائه، وصفاته حتى يبلغ درجة اليقين .ومن تمام التعبد بأسماء الله – تعالى – وصفاته الالتزام بأصلين عظيمين هما:
الأول: التقرب إلى الله والدعاء بأسمائه الحسنى:
قال – تعالى -: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180] .
ويتطلب ذلك أمرين: أولهما: تعظيمها وإجلالها، وتحقيق ما تقتضيه من فعل المأمورات وترك المحظورات.
آخرهما: عدم الاتصاف بالصفات التى يكرهها المولى – عز وجل – فإنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت؛ لأن اتصافه بها ظلم، إذ لا تليق به هذه الصفات، ولا تحسن منه لمنافاتها لصفات العبيد، وخروج من اتصف بها من ربقة العبودية، ومفارقته لمنصبه، ومرتبته، وتعديه طوره وحده، وهذا خلاف الاتصاف بصفات العلم، والعدل، والرحمة، والإحسان، والصبر، والشكر، فإنها لا تنافى العبودية، بل اتصاف العبد بها من كمال عبوديته، إذ المتصف بها من العبيد لم يتعد طوره، ولم يخرج بها من دائرة العبودية .
الآخر: الالتزام بالعمل بأسماء الله الحسنى، كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ للهِ تسْعَةً وَتسْعينَ اسْما كُلُّهُنَّ فى القُرآنِ، مَنْ أحْصَاهنّ دَخَل الجَنَّة».
والتعبد بأسماء الله وصفاته أمر واجب على كل مسلم حيث إن العبادة لا تصح إلا بها، وهى الوعاء الأكبر الذى يحوى جميع أمور العبادة من إيمان، وتقوى، وعمل صالح، ومراقبة لله عز وجل، فلا تجد أمرًا من أمور العبادة إلا وهو مرتبط بأسماء الله وصفاته العلى، وأن أكمل الناس عبودية: المتعبد بجميع الأسماء والصفات التى يطلع عليها البشر، فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر، كمن يحجبه التعبد باسمه الحليم عن عبودية اسمه الرحيم، أو يحجبه عبودية اسمه المعطى عن عبودية اسمه المانع، أو عبودية اسمه الرحيم والعفو والغفور عن اسمه المنتقم، ونحو ذلك .
وهو – سبحانه وتعالى – يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها، ويأخذوا من عبوديتها، وهو سبحانه وتعالى يحب موجب أسمائه وصفاته، قال الله – تعالى -: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180].
الدعاء بأسماء الله الحسنى:
إن أسماء الله وصفاته تدل على عظمته – تبارك وتعالى -، ومن هنا كثرت أسماؤه وصفاته، وقد قيل: العظيم من كثرت صفات كماله .
وإذا كانت صفات الله وأسماؤه تدل العباد على عظمة البارى – عز وجل – وكماله وسؤدده، فإنها أعظم سبيل يستطيع العباد سلوكه لتعظيم الله، وتقديسه، وتمجيده، ودعائه .
وقد أمرنا الله – تعالى – بدعائه بأسمائه الحسنى، فقال: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [ الأعراف: 180] .
والدعاء فى اللغة والحقيقة هو الطلب، أى اطلبوا منه بأسمائه قال – تعالى -: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] .
وهذا أمر من الله لنا بالدعاء، ومن لا يدعو الله فهو مستكبر عن عبادة الله والدعاء عبادة، بل قال النبى – صلى الله عليه وسلم -: « إن الدعاء هو العبادة» .
عن النعمان بن بشير – رضى الله عنه – عن النبى – صلى الله عليه وسلم – فى قوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [ غافر: 60] .
والله لا يرد دعاءك، ويستحى أن يردك من بابه، ولا يخيب رجاءك.
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ ».
وقد أمر الله بدعائه فى آيات كثيرة، ووعد بالإجابة، وأثنى على أنبيائه ورسله ؛ فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [ الأنبياء: 90].
وأخبر – سبحانه – أنه قريب يجيب دعوة الداعى إذا دعاه ؛ فقال – سبحانه – لنبيه – صلى الله عليه وسلم -: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون} [ البقرة: 186 ] .
وأمر – سبحانه وتعالى – بدعائه، والتضرع إليه، ولا سيما عند الشدائد والكربات، وأخبر أنه لا يجيب المضطر، ولا يكشف الضر إلا هو ؛ فقال: {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [ النحل: 92 ].
وذم الذين يعرضون عن دعائه عند نزول المصائب، وحدوث البأساء والضراء ؛ فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} [ الأعراف: 94 ] .
وهذا من رحمته وكرمه – سبحانه – فهو مع غناه عن خلقه،يأمرهم بدعائه؛ لأنهم هم المحتاجون إليه، قال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد} [فاطر: 15].
وفى الحديث القدسي: «يَا عِبَادِى إِنِّى حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى فادعوا الله واعلموا أن لاستجابة الدعاء شروطًا؛ لا بد من توافرها، فقد وعد الله – سبحانه – أن يستجيب لمن دعاه، والله لا يخلف وعده كما أن دعاء الله سبب لدخول الجنة، قال – تعالى-: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [ الطور ] .
وأن الدعاء أكبر ما يكون فى أيام الفتن والمحن، التى يفتن فيها عباد الله فى دينهم، وعقيدتهم،وعلمائهم، ودعاتهم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [ الأعراف] .
وقد روى الحاكم فى مستدركه من حديث على بن أبى طالب – رضى الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض».
فالدعاء أعظم أنواع العبادة ؛ لأنه يدل على التواضع لله، والافتقار إلى الله، ولين القلب، والرغبة فيما عنده، والخوف منه تعالى، وترك الدعاء يدل على الكبر، وقسوة القلب، والإعراض عن الله، وهو سبب دخول النار، يقول الله – تعالى -: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] .
وللدعاء مع البلاء مقامات:
الأول: أن يكون الدعاء أقوى من البلاء فيدفعه .
الثاني: أن يكون الدعاء أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد، ولكن يخففه، وإن كان ضعيفًا .
الثالث: أن يتقاوما، ويمنع كل واحد منهما صاحبه .
وقد روى الحاكم فى صحيحه من حديث عائشة – رضى الله عنها -قالت: قال لى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لَا يُغْنِى حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَتَلَقَّاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ».
وللمسلم – مع الدعاء ثلاثة أحوال ذكرها سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم -، فعن أبى سعيد الخدرى – رضى الله عنه – أن النبى – صلى الله عليه وسلم – قال: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له فى الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر».
انعكاسات وتجليات أسماء الله الحسنى وصفاته على حياة المسلم:
اعلم أخى المسلم أنه إذا ذكرت اسم الله تعالى المبدئ المعيد، وآمنت به حق الإيمان فإنه يتحقق لك عدة فوائد:
الأولى: من تعرف على ربه المبدئ المعيد فإنه يكون دائم الترقب لرجاء ربه:
قال – تعالى -: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم}[الزُّمَر:53].
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «قال الله إذا تقرب إلى العبد شبرا تقربت إليه ذراعا وإذا تقرب إلى ذراعا تقربت منه باعا وإذا أتانى مشيا أتيته هرولة».
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «الجمعة كفارة لما بينها وبين الجمعة التى قبلها وزيادة ثلاثة أيام وذلك بأن الله قال من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها والصلوات كفارة لما بينهن لأن الله قال إن الحسنات يذهبن السيئات».
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من قال: لا إله إلا الله الثانية: من تعرف على ربه المبدئ المعيد فإنه يكون دائم الاستغفار:
قال الله – تعالى -: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَار}[غافر:55].
كتاب "موسوعة أسماء الله الحسنى".. وإجابة الدعاء
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة