أسباب النجاح لشباب الأمة

علمتني الحياة
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور / أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

الشباب المؤمن ينبغى أن يكون صاحب إرادة قوية، وهمة عالية، وغايات نبيلة، وأهداف عظيمة، تمكنه من تحقيق التفوق والنجاح فى الدنيا ؛ إرضاء لله تعالى، وإعماراً فى الأرض كما أمر الله تعالى، وهذا يتطلب همة عالية لا ترضى بالدون؛ لأن من يرمى بقوسه نحو القمر فحتى إذا لم يصبه سيقع سهمه بين النجوم!


ولقد سأل أبو جعفر المنصور يوماً جلساءه “ أتدرون من هو صقر قريش؟” قالوا: أنت ،قال: لا ، فعددوا له أسماء ، مثل : معاوية ،وعبدالملك بن مروان ، قال: “لا ، بل عبدالرحمن بن معاوية ؛ دخل الأندلس منفرداً بنفسه،مؤيداُ برأيه، مستصحباً لعزمه، يعبر القفر، ويركب البحر، حتى دخل بلداً أعجمياً، فمصر الأمصار، وجند الأجناد واقام ملكاً  بعد إنقطاع بحسن تدبيره، وعظيم نفكيره.”

فلله در هذا العملاق، من صقر محلق فى سماء الهمة، يدخل الأندلس وهو شاب فى الخامسة والعشرين من عمره، مطارد من قبل العباسيين فى المشرق، ومطارد من قبل الخوارج فى المغرب، كل يريد أن يقتله، وهو وحيد فريد، ليس له إلا عون الله وتوفيقه، ثم شدة بأس، وعزيمة نفس، وتألق روح، لا تقف أمامها الصعاب، ولا تفت فى عضتها الشدائد .

ومع كل ذلك ينجح بفضل الله تعالى فى الوصول إلى الأندلس، وتكوين جيش مقاتل، يؤسس به أركان الخلافة الأموية الأندلسية، حتى دخل”عبدالرحمن” قرطبة، فصبى بالناس، وخطب فيهم، فكان ذلك بمثابة إعلان ميلاد الدولة الأموية فى “الأندلس”، وبويع له بالخلافة فى 10 من ذى الحجة 138 هـ - 18 مايو 756م؛ ليصبح أول أموى يدخل الأندلس حاكماً، ويطلق عليه ذلك اللقب الذى عرفه به” عبدالرحمن الداخل”، ومؤسس تلك الدولة الفتية، التى أصبحت حضارتها منبعاً لحضارة أوربا الحديثة، وظلت مناراً للعلم والمدنية عبر قرون طويلة من الزمان. يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله” :وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم  لا يدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأنه بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلاً استراح طويلاً”

وصدق من قال:
وما نيل المطال بالتمنى                ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال        إذا الإقدام كان لهم ركاباً
وقد سئل الإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ فقال” عند أول قدم فى الجنة” والهمة العالية هى زاد المسلم وعدته ولا بد أن يجتمع مع الهمة ما يلي:

1-تقوى الله؛ فهى وصية الأولين والآخرين:( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) النساء:131.

2-الإخلاص؛فإنه طريق الوصول ، وباب القبول: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) البينة:5.
3-الفهم ؛ فإنه اقصر الطرق، وأوفر للجهد والوقت فى الوصول للهدف وبلوغ الغاية؛(فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ) الأنبياء:79

وبالتواضع؛ فإنه سبيل العلو والرفعة؛ (( ما من آدمى إلا فى رأسه حكمة بيد ملك، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته، وإذا تكبر، قيل للملك: دع حكمته))؛ ولقد ربى الملك سبحانه المؤمنين على الهمة والإرادة، فقال فى وصفهم ودعائهم: ( واجعلنا للمتقين إماما)

الفرقان: 74.

وفي” صحيح البخاري” عن العرباض بن سارية- رصى الله عنه-أن النبى صلى الله عليه وسلم- قال: ( من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، هاجر فى سبيل الله، أو جلس فى أرضه التى ولد فيها). قالوا: يا رسول الله، أفلا ننبئ الناس بذلك؟ قال: إن فى الجنة مائة درجة ، أعدها الله للمجاهدين فى سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فغنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة) اسألوه الفردوس، لماذا؟ لتعلو همة المؤمن وإرادته لنيل هذا الشرف العظيم،والفردوس الأعلى لا يتحقق إلا بالإخلاص والحب، والوئام والإئتلاف. وعبادة الله تعالى تحتاج إلى همة كالجبال والرواسي، وعزيمة كالآمواج العاتية، وإرادة كالنجوم العالية ، وليست العبادة قرآناً محفوظاً فقط، أو صلاة لا روح فيها.

والإسلام الذى فتح الدنيا، وانتشر فى الأرض، وأعز الله به الخلق، وأنار الله به الكون، وساد فى وقت قصير،كان نجاحه لأن كل واحد ممن حملوه كان يمثل الإسلام أخلاقاً وسلوكاً، التزاماً وأحكاماً، قدوة ومعاملات ويحمل بين جوانحه إرادة قوية، وحباً لفعل الخير وسبقاً فى الوصول إلى مكارم الأخلاق.  ولذلك كان أهم ما يميز المؤمن فى حياته أنه صاحب همة عالية، يسير بها إلى معالى الأمور، ولا يرضى بالدون أبداً.

اللهم اجعلنا متعاونين لا متعادين، مؤتلفين لا مختلفين، متراحمين لا متنابذين، متحابين لا متباغضين، اللهم زينا بالعلم وجملنا بالتقوى، اللهم امنحنا الحلم والفهم، وألبسنا ثواب العافية، اللهم ارزقنا الإيمان والإخلاص فى القول والعمل، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، اللهم آمين
وصل اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.