علمتنى الحياة : أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه، كم أمان تمنيناها ولهثنا وراءها، وظننا أن فيها سعادة الدنيا والآخرة

علمتني الحياة
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

علمتنى الحياة أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه، كم أمان تمنيناها ولهثنا وراءها، وظننا أن فيها سعادة الدنيا والآخرة، وحين حجبت عنا وتوارت هبطت غيوم الحزن فى قلوبنا، وأحسسنا بالألم والحسرة والحزن، وظننا أننا حرمنا خيرا كثيرا وفضلًا جليلًا، ولكن الحقيقة التى يعلمها الله بعلمه ورحمته وكرمه أن أمرًا تحبه عسى أن يكون فيه شقاء الأبد، وأن أمرًا تكرهه عسى أن يكون فيه سعادة الأبد. {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].


إن القرآن يعطينا نماذج تستريح لها النفوس والقلوب، تمثل سلوةً لكل محزون، وعزاءً لكل مهموم، ففى قصة إلقاء أم موسى لولده فى البحر، إذا تأملتَ، وجدتَ أنه لا أَكْرَهَ لأم موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون، ومع ذلك ظهرت عواقبه الحميدة، وآثاره الطيبة فى مستقبل الأيام.
وإذا تأملت فى قصة يوسف عليه الصلاة والسلام تجد أن هذه الآية منطبقة تمام الانطباق على ما جرى ليوسف وأبيه يعقوب عليهما الصلاة والسلام.
وإذا تأملت فى قصة الغلام الذى قتله الخضر بأمر الله تعالى، فإنه علل قتله بقوله: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 80، 81].
وفى السنة النبوية لما مات زوج أم سلمة: أبو سلمة رضى الله عنهم جميعاً، تقول أم سلمة رضى الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا منها.
قالت: فلما مات أبو سلمة.   قلت: أى المسلمين خير من أبى سلمة؟
أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم إنى قلتها، فأخلف الله لى رسول الله . وفى الواقع قصص كثيرة جدًّا، تتناثر فى حياتنا لتمثل واقعًا عمليًّا يصب فى القلوب الإيمان صبًّا، ولعلك واحد من الذين أظهر الله فى حياتهم من حكم الأقدار ما يزيد القلب إيمانًا وثباتا وصفاء وحبًّا لأمر الله وقدره.
يحكى أن رجلاً قدم إلى المطار، وكان حريصا على رحلته، وهو مجهد بعض الشيء، فأخذته نومةٌ ترتب عليها أن أقلعت الطائرة، وفيها ركاب كثيرون يزيدون على ثلاث مائة راكب، فلما أفاق إذا بالطائرة قد أقلعت قبل قليل، وفاتته الرحلة، فضاق صدره، وندم ندمًا شديدًا، ولم تمض دقائق على هذه الحال التى هو عليها حتى أعلن عن سقوط الطائرة، واحتراق من فيها بالكامل.
ألم يكن فوات الرحلة خيراً لهذالرجل؟.
وهذا طالب ذهب للدراسة فى بلد آخر، وفى أيام الاختبارات ذهب لجزيرة مجاورة للمذاكرة والدراسة، وهو سائر فى الجزيرة قطف بعض الورود، فرآه رجال الأمن فحبسوه يوماً وليلة عقاباً لصنيعه مع النبات، وهو يطلب منهم بإلحاح إخراجه ليختبر غدا، وهم يرفضون، ثم ماذا حصل؟ لقد غرقت السفينة التى كانت تقل الركاب من الجزيرة ذلك اليوم، غرقت بمن فيها، ونجا هو بإذن الواحد الأحد.
كم أيام قضيناها فى الهم والحزن على فوات أمر وكان فواته خيرا، وكم من حزن اجتاح قلوبنا لحدوث أمر وكان حدوثه خيرا لنا فى الدنيا والآخرة. اعلم علم اليقين أن اختيار الله لك خير من اختيارك لنفسك، ولا تحزن على ما فاتك، ولا تفرح بما جاءك، واجعل سعادتك أن لك ربًّا يختار لك ما هو خير  لك فى الدنيا والآخرة.